صراع روسي إيراني داخل جيش النظام في ريف حماة

صراع روسي إيراني داخل جيش النظام في ريف حماة

24 يناير 2019
تعتبر سهل الغاب بوابة للساحل السوري معقل النظام(فرانس برس)
+ الخط -

بدأت تطفو على السطح نذُر تنافس روسي إيراني للسيطرة وتعزيز النفوذ في ريف حماة الغربي، في ظلّ سعي روسي واضح للتقليل من التأثير الإيراني في المشهد السوري، على وجه العموم. ووسط ذلك، يحرص الطرفان على استخدام أذرع عسكرية سورية للمواجهة، مع انشطار قوات النظام والمليشيات المحلية بين الطرفين، إذ يوالي قسم منها الجانب الروسي، فيما يرتبط آخر بالحرس الثوري الإيراني، ويتلقى الدعم والأمر منه.


وفي هذا الإطار، أكّدت مصادر محلية أنّ هناك بوادر تنافس ربما يتحوّل إلى صدام عسكري في منطقة سهل الغاب بين الجانبين الروسي والإيراني، ولكنها نفت لـ"العربي الجديد" الأنباء التي تناقلتها مواقع إخبارية، عن اندلاع اشتباكات، يوم الثلاثاء الماضي، في ريف حماة الشمالي الغربي، وقع خلالها قتلى ومصابون، بين مسلحي الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري بشار الأسد، والتابعة لقوات النظام من جهة، وبين "الفيلق الخامس" التابع للروس في سورية، من جهة أخرى. وأشارت المصادر ذاتها إلى أنّ هناك تنافساً بين الفرقة المدعومة من الإيرانيين، وبين الفيلق الخامس الذي يقوده اللواء مراد خير بيك الموالي لروسيا، للسيطرة على هذه المنطقة المتاخمة تماماً لمنطقة التماس مع قوات المعارضة السورية التي تسيطر على جانب من سهل الغاب، وقطاع واسع من ريف حماة الشمالي. وأوضحت المصادر أنّ المنطقة التي تقع تحت سيطرة النظام في سهل الغاب تضمّ العديد من القوى، منها قوات تتبع لـ"حزب الله" اللبناني، ومليشيات إيرانية ودفاع وطني (شبيحة)، مضيفةً أنّ الروس يحاولون وضع نقاط مراقبة في المنطقة، معززةً بمسلحين من "الفيلق الخامس اقتحام"، ويريدون إبعاد أي قوات غير مرتبطة بها بشكل مباشر.

وأشارت المصادر إلى أنّ الشبيحة والمليشيات الإيرانية "تعتاش من التهريب الجاري من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة وبالعكس، ولا تريد خسارة المعابر الموجودة، ولهذا تحاول البقاء في المنطقة، وهو ما يرفضه الجانب الروسي"، موضحةً أنّ الأخير أقام العديد من نقاط المراقبة في ريف حماة، في سياق تنفيذ اتفاق سوتشي الموقّع مع الجانب التركي، في سبتمبر/أيلول من العام الفائت، والذي نزع فتيل الحرب بين المعارضة والنظام في شمال غربي سورية.

ولفتت المصادر إلى أنّ "الجانب الروسي أقام أخيراً نقطة مراقبة تابعة له في منطقة الطليسية في ريف حماة الشرقي، وحصّنها بمعسكر من مسلحي الفيلق الخامس، كما أقام نقطة مراقبة جنوب بلدة حلفايا، وأخرى في منطقة الصقيلبية، وهو الآن بصدد وضع نقطة مراقبة جديدة في سهل الغاب". وأكدت المصادر أنه لم تحدث أي اشتباكات بين الفيلق الخامس وبين مليشيات إيرانية، حتى ظهر أمس الأربعاء، مضيفةً أنّ "الروس والإيرانيين يعاملون ضباط بقوات النظام ومنهم برتب عالية، باحتقار شديد، ومن ثمّ ليس بإمكان أحد في قوات النظام التمرّد على الأوامر الروسية على الإطلاق". وأشارت المصادر إلى أنّ سليمان شاهين، قائد مليشيا "الحمزة"، التابعة لسهيل الحسن "أكد على مواقع التواصل الاجتماعي الإهانات التي يتلقاها ضباط النظام وشخصيات في مناصب عالية في حكومة النظام، من الضباط الروس والإيرانيين، لافتاً إلى أنّ القيادة طالبتهم بتحمّل الإهانة".


وأكدت المصادر "أنّ الجانب الروسي بصدد تغيير خارطة السيطرة في المنطقة القريبة من نقاط التماس مع قوات المعارضة السورية في ريف حماة"، مضيفةً أنّ "هذا الأمر يتطلّب إبعاد المليشيات المرتبطة بالجانب الإيراني، والتي ربما تُحدث مشاكل في المنطقة. وقالت "روسيا تحاول إقفال المنطقة، ربما استعداداً لمرحلة مقبلة قد يحدث فيها تغيّر سياسي ما".

وتعتبر منطقة سهل الغاب الممتدة من شمال غربي حماة إلى غربها، من المناطق الهامة في وسط سورية، كونها تربط بين محافظات إدلب واللاذقية وحماة، بل بوابة مهمة إلى الساحل السوري، معقل النظام الأبرز. وهي تضمّ العديد من البلدات أهمها: سلحب، جورين، شطحة، الرصيف، مرداش، عين سليمو، البحصة، حورات عمورين، قبر فضة، الكريم، تمانعة الغاب، والسقيلبية. ويحتفظ النظام بقوات كبيرة في منطقة جورين، حيث يعدّ المعسكر الموجود هناك، والذي يبعد عن مدينة حماة نحو 90 كيلومتراً، من أكثر المعسكرات التابعة للنظام تحصينًا في ريف حماة الغربي، حيث يعتمد عليه في قصف القرى الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة في أرياف حماة وإدلب واللاذقية. كما تضمّ منطقة الغاب عشرات القرى والبلدات التي تعدّ الخزان البشري لقوات النظام والشبيحة.

وحاولت فصائل المعارضة السورية المسلحة، خصوصاً في عام 2015 الذي شهد انهيار قوات النظام في شمال غربي سورية، التوغّل في منطقة الغاب وتهديد النظام في معاقله البارزة، لكنها لم تستطع التقدّم كثيراً بسبب تدخّل الروس في الصراع أواخر ذاك العام، ما وضع حداً لتطلّعات المعارضة المسلحة بفتح بوابة الساحل السوري، والتوغّل غرباً باتجاه مدينتي طرطوس واللاذقية.


إلى ذلك، أكّد المحلل العسكري، العقيد مصطفى البكور، أنّ "هناك تنافساً على مناطق النفوذ والمعابر في منطقة الغاب في ريف حماة الغربي بين الفيلق الخامس التابع لروسيا والفرقة الرابعة التابعة لإيران"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "يبدو أنّ الروس بدأوا ينفّذون اتفاقاً مع الجانب الأميركي يتعلّق بتقليم أظافر إيران في سورية، ولكن التنفيذ بأيد سورية". وحول أهمية منطقة الغاب في غربي حماة للطرفين المتنافسين، روسيا وإيران، قال البكور "تعتبر منطقة سهل الغاب خطّ فصل بين المناطق المحرّرة والقرى الموالية من الطائفة العلوية بالنسبة للإيرانيين، فيما هي خطّ دفاعي عن محيط قاعدة حميميم الجوية بالنسبة للروس، والسيطرة عليها تؤمّن إبعاداً كافياً للفصائل الثورية عن حميميم، مما يؤدي إلى عدم قدرة الفصائل على استهداف القاعدة الروسية في الساحل السوري".

ويعتبر "الفيلق الخامس اقتحام" الذي أُعلن عن تشكيله أواخر عام 2016، الذراع البرية للجانب الروسي على الأراضي السورية، حيث تولّت وزارة الدفاع الروسية تشكيله من عسكريين سابقين، وموظفين، ومن عناصر كانوا في صفوف المعارضة السورية، وأجروا "تسوية" مع النظام في مناطق "المصالحات". وينتشر الفيلق في عموم الأراضي السورية، مثلما تنتشر مليشيات إيرانية، وأخرى محلية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام. ويعتمد الروس على مسلحي "الفيلق الخامس اقتحام" في حماية النقاط الروسية في سورية، خصوصاً في ريف حماة الشمالي، كما تعتمد إيران على المليشيات في بسط نفوذها على مناطق سورية، ولا سيما في ريف دمشق وحمص وحماة وحلب ودير الزور، وفي البادية السورية التي يتنافس عليها الروس والإيرانيون.