إضراب تونس يكذّب التوقعات بالفوضى: اختبار ناجح للديمقراطية

إضراب تونس يكذّب التوقعات بالفوضى: اختبار ناجح للديمقراطية

تونس
D8A6CEA0-1993-437F-8736-75AB58052F84
وليد التليلي
صحافي تونسي. مدير مكتب تونس في العربي الجديد.
18 يناير 2019
+ الخط -
سار الإضراب العام في تونس، أمس الخميس، بسلمية لافتة، وأكد المتحدث باسم وزارة الداخلية، سفيان الزعق، أنه لم يتم تسجيل أي مساس بالأمن العام أو تشويشٍ أو أحداث عنف، موضحاً أن الوزارة دعّمت الانتشار الأمني على كامل أراضي الجمهورية.

وأكد الزعق، في تصريحٍ صحافي، أن الوحدات الأمنية أمّنت المسيرات التي نظمها الاتحاد العام التونسي للشغل ومقرات الاتحادات الجهوية والمنشآت الحساسة.

من جهته، تقدّم وزير الداخلية، هشام الفوراتي، بالشكر والتقدير لكافة الوحدات الأمنية في كافة أسلاكها واختصاصاتها، على خلفيّة نجاحها في تأمين الإضراب العام في الوظيفة العمومية والقطاع العام، منوهاً بما تحلّى به جميع الإطارات والرتباء والأعوان من تضحية وانضباط، ومثمّناً تشبثهم بروح البذل والعطاء خلال هذه المهمة، بحسب بيان للوزارة.

وجاءت هذه التأكيدات لتكذّب التوقعات بالفوضى والمخاوف من انحراف الاحتجاجات، وتذكر كثيرون أحداث الإضراب العام في عام 1978، من بينهم الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، الذي دعا الجميع إلى تحمل مسؤوليته في إيجاد حل لمنع نتائج صعبة قد تنجر عن الإضراب العام الذي شهدته سابقاً تونس في يناير/ كانون الثاني من ذلك العام، وأدى إلى سقوط قتلى واعتقالات وتفكك الوحدة الوطنية، الذي تمكنت تونس من تلافيه بعد عشرات السنين.

وللتذكير، فإن مئات الآلاف أضربوا أمس الخميس عن العمل في تونس، وخرجت حشود كبيرة للتظاهر والاحتجاج في كل المدن التونسية، خصوصاً في العاصمة ومدينة صفاقس. ورفع المحتجون شعارات تنادي بضرورة رحيل الحكومة، وانتقد المساندون للإضراب رئيس الحكومة والأحزاب الداعمة، فيما نقلت وسائل الإعلام المحلية تفاصيل اليوم بلحظات دقيقة، مع إضراب وسائل الإعلام الحكومية التي اكتفت بنقل الأخبار. وأعرب مواطنون عن غضبهم من تعطل مصالحهم، وبالذات في مطار قرطاج الدولي، نتيجة الإضراب.

ورغم ذلك، لم يقع في تونس أي شيء يهدد السلم الاجتماعي، ولم ترفع حجرة واحدة ولم تتهشم واجهة محل واحد، وعاد المحتجون الى بيوتهم من دون أن يعتقل أي منهم أو يهدد حتى بالملاحقة، لتسقط أحلام المراهنين في الداخل على الفوضى، وخصوصاً من الخارج، بعدما انبرت أقلام تبغض التجربة الديمقراطية المضيئة لتتحدث عن الفشل واقتراب موعد السقوط، وتترقب أي خلاف لتبرر مقولاتها بأن الخبز قبل الحرية، وتروِّج لوهم رضاها عن أوضاعها، مع أنها لم تكسب لا خبزاً ولا حرية.

وبدون مبالغة بنتائج هذا الإضراب على المشهد الديمقراطي التونسي، ودلالاته على ارتفاع وعي التونسيين بكيفية إدارة خلافاتهم، فإنه خلّف أسئلة ثقيلة على مستقبل المشهد التونسي، بجانبيه السياسي والاقتصادي الاجتماعي، لأن التداعيات المالية للإضراب عالية (يقدرها الخبراء ما بين 200 الى 300 مليون دينار تونسي) وتطرح تساؤلات حول كيفية إدارة الحكومة للتصعيد المنتظر لـ"اتحاد الشغل" (سيقرر غداً السبت تفاصيله) وما إذا كانت ستتراجع عن أسباب رفضها الزيادات التي يطالب بها العمال.

لكن الأحداث بيّنت أن النقابة تملك زمام المبادرة وأوضحت للحكومة وداعميها أنها القوة التي ينبغي التفاوض معها، وأنه من الصعب تجاوزها أو حصرها في مجرد مطالب اجتماعية، بل يتعدى الأمر ذلك إلى تصورات سياسية تتعلق بمستقبل المشهد السياسي. ولعل الرئيس التونسي فهم ذلك أكثر من الجميع، عندما اصطف مع المنظمة العمالية في صراعه مع الحكومة والأحزاب المكونة لها، ودافع عن حقها في الإضراب إزاء الفشل في إدارة المسألة الاقتصادية، بما يعني قلب المعطيات لصالحه في الوقت الراهن وتسليط مزيد من الضغط على منافسيه.

ولكنها تظل لعبة سياسية في بلد ديمقراطي يتدرب على الاختلاف، وتظل ثورة برغم كل صعوباتها ومطباتها، وهي تؤكد يوماً بعد يوم أنها ماضية في طريق اختاره التونسيون بأنفسهم يتحملون فيه مسؤولياتهم بوضوح ويصرّون على حريتهم ويؤمنون كثيراً بأنهم سيتجاوزون مشاكلهم الاقتصادية، لأنها مؤقتة وظرفية، أما الديمقراطية فهي خيار تاريخي ومؤسس، أوصد في وجوههم أبواب السجون ومنحهم حرية اختيار من يحكمهم، وتغييره إن لزم الأمر، وهي حالة لا تتوفر لكثيرين من غير التونسيين.

ذات صلة

الصورة
جابر حققت العديد من النجاحات في مسيرتها (العربي الجديد/Getty)

رياضة

أكدت التونسية، أنس جابر نجمة التنس العربي والعالمي، أن تراجع نتائجها في المباريات الأخيرة، يعود إلى إصابة قديمة منعتها من تقديم أفضل مستوى لها.

الصورة
يدفع المهاجرون مبالغ أقل للصعود على متن القوارب الحديدية

تحقيقات

بحثاً عن الأرخص، تصنع شبكات تهريب البشر الناشطة في تونس قوارب حديدية من أجل نقل المهاجرين غير الشرعيين عبرها إلى أوروبا بكلفة أقل، إذ تنفق مبالغ بسيطة على بنائه
الصورة
أكد المشاركون أن الثورة شهدت انتكاسة بعد انقلاب قيس سعيد (العربي الجديد)

سياسة

أكدت جبهة الخلاص الوطني، اليوم الأحد، خلال مسيرة حاشدة وسط العاصمة تونس، أن البلاد في مفترق طريق ولا بد من قرارات مصيرية حتى لا تذهب نحو الانهيار.

الصورة
محامو تونس في يوم غضب/سياسة/العربي الجديد

سياسة

أعلن محامو تونس اليوم الخميس دعمهم الكامل لخيار المقاومة بهدف استرداد الحق الفلسطيني، خلال يوم غضب نظموه في محكمة تونس، أبدى المحامون استياءهم من مواقف بعض الحكام العرب الذين يساندون إسرائيل ويتبنون سياسة التطبيع معها. وأشاروا إلى أن التاريخ سيدينهم.