طوارئ أوروبية تحسباً لـ"بريكست" بلا اتفاق: إجراءات لضبط التداعيات

طوارئ أوروبية تحسباً لـ"بريكست" بلا اتفاق: إجراءات لضبط التداعيات

18 يناير 2019
تدلي ماي ببيان بشأن خطواتها التالية يوم الإثنين(فرانس برس)
+ الخط -
منذ أن أصبح السيناريو الأسوأ، بخصوص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قابلا للتحقق، بعد رفض البرلمان البريطاني اتفاقية الانسحاب التي أبرمتها رئيس الوزراء، تيريزا ماي، مع الاتحاد الأوروبي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تركّز اهتمام السلطات الأوروبية والوطنية على النظر في سبل اتخاذ الإجراءات الطارئة لتخفيف وطأة صباح يوم 30 مارس/آذار المقبل، موعد خروج بريطانيا من الاتحاد، وذلك رغم إعلان لندن أن البرلمان البريطاني سيصوت على خطة بديلة للخروج من الاتحاد الأوروبي، في 29 يناير/كانون الثاني الحالي.

وقالت وزيرة شؤون الدولة في مجلس العموم البريطاني، أندريا ليدسوم، أمس الخميس، إن البرلمان سيناقش خطة بديلة لاتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي تفاوضت عليه ماي، وسيجري تصويتاً عليها يوم 29 يناير، موضحةً، في كلمة أمام البرلمان، أنّ رئيسة الوزراء ستطرح الإجراء وتدلي ببيان بشأن خطواتها التالية، يوم الإثنين المقبل. وأضافت أنه "ستجري مناقشة الإجراء على مدى يوم كامل، الثلاثاء 29 يناير، إذا وافق المجلس على ذلك".


خطة فرنسية

لكن ذلك لن يخفف من الاستنفار الأوروبي، إذ سيخيّم احتمال خروج بريطانيا بدون اتفاق، على اجتماع مجلس الوزراء البلجيكي، اليوم الجمعة. فيما عقد رئيس الوزراء الفرنسي، إدوار فيليب، اجتماعاً وزارياً خاصاً، أمس الخميس، أعلن خلاله إطلاق "خطة مرتبطة ببريكست بدون اتفاق"، تتعلّق بكيفية تعامل بلاده مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بدون اتفاق". وقال فيليب، بعد اجتماع مع عدد من الوزراء، إن هذه الخطة "تتضمن إجراءات تشريعية وأخرى قانونية تستهدف العمل على ألا يحدث انقطاع في مسألة الحقوق، وأن تكون حقوق مواطنينا وشركاتنا محمية فعلاً".

وجاء ذلك بعد يوم من تبنّى البرلمان الفرنسي، أول من أمس الأربعاء، قانوناً يسمح باتخاذ إجراءات طارئة بعد 30 مارس، في حال مغادرة بريطانيا للاتحاد بدون اتفاق. ويمكن أن تهدف هذه الإجراءات إلى الحدّ من المشاكل في التجارة والنقل عبر الحدود، لا سيما من خلال النفق الأوروبي تحت القناة الإنكليزية، والسماح للعمال البريطانيين والمتقاعدين المقيمين في فرنسا، بإذن مؤقت، بالبقاء حتى يتم التوصّل إلى اتفاق طويل الأجل.

استعدادات بلجيكا

فور الإعلان عن نتائج التصويت البريطاني، حثّ وزير المالية البلجيكي، ألكسندر دي كرو، الشركات البلجيكية، على تعزيز الاستعدادات لعملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق. وذكر دي كرو، في لقاء نظّمه يوم الأربعاء مع ممثلي إدارة الجمارك والشركات البلجيكية للتحضير للالتزامات الجمركية الجديدة، أنه "على بُعد 72 يوماً من احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واحدة فقط من كل خمس شركات بلجيكية لديها علاقات تجارية مع المملكة المتحدة مستعدة للإجراءات الجمركية الجديدة"، مشيراً إلى أنه "من اليوم سنستخدم مقاربة مختلفة، سنقوم بالاتصال بالشركات بشكل فردي والتأكّد من أنّ لديها رقماً جمركياً".



وهناك نحو 20 ألف شركة، من بين 25 ألف شركة بلجيكية لديها علاقات تجارية مع المملكة المتحدة، لم تحصل بعد على رقم التعريف الجمركي، والذي بدونه لن تتمكّن من التصدير أو الاستيراد من بريطانيا. وبالتوازي مع استعداد الشركات، تسعى بلجيكا، منذ أشهر، إلى توظيف مسؤولين جمركيين إضافيين لمواجهة تبعات "بريكست".

وبحسب ما تقول الخبيرة في الشؤون البلجيكية، إلودي ليمار، لـ"العربي الجديد"، فإنّ "الهاجس الأكبر يتعلّق بمجموعة من الخطوات التقنية التي لم تُحدد بعد"، متسائلةً "كيف ستعمل الرقابة على الحدود بالنسبة للسلع مثلاً؟ هل تمتلك كل الشركات رقم التعريف الجمركي ومطلعة على مسائل ضريبة القيمة المضافة؟ التحدي الأساسي، بالطبع، هو أن تتم الإجراءات بشكل طبيعي وسريع لتجنّب طوابير الشاحنات عند الحدود". وتشير ليمار إلى أنّ الفرنسيين والهولنديين لديهم المشكلة نفسها، موضحةً أنّ بلجيكا تعوّل على إمكانية وضع صيغة انتقالية يمكن من خلالها مواصلة المناقشة بشأن الترتيبات التقنية الخاصة بهذا الوضع الجديد.

مشاكل بالجملة

الأمر نفسه بالنسبة للقطار السريع، "يوروستار". فعندما تخرج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، لن تكون معدات القطار خاضعة للمعايير الأوروبية. "لذلك، ستكون هناك على الفور مشكلة مع يوروستار. وستقوم بلجيكا أيضاً بالعمل على تبنّي مرحلة انتقالية لإيجاد الترتيبات اللازمة"، وفق ما تقول ليمار.

وتُطرح الأسئلة أيضاً بخصوص شركة الخطوط الجوية البريطانية، التي ستفقد بين ليلة وضحاها انتماءها الأوروبي، أي حوالي 50 في المائة من رأسمالها. وهذا يعني أنه لن يُعترف بها بعد الآن على أنها شركة طيران أوروبية، ويجب عليها أن تتفاوض بشأن حقوق الهبوط والمعاملة بالمثل، مع كل بلد على حدة. كما سيعاني البلجيكيون من رسوم مصرفية أعلى بكثير، مقارنةً بما هي عليه اليوم. وينطبق الأمر نفسه على المعاملات والإجراءات المصرفية التي ستكون أطول، وسيضطر المستوردون والمصدرون إلى ملء ضعف حجم الأوراق والبيانات الجمركية، مما سيؤدي إلى تباطؤ التجارة إلى حدّ كبير.

وقدّر "البنك الوطني البلجيكي" بمبلغ 1.6 مليار يورو، الرسوم الجمركية التي سيتعيّن على الشركات البلجيكية دفعها لمواصلة تجارتها مع نظيراتها البريطانية. ونظراً إلى أنّ المملكة المتحدة لن تكون خاضعة لقواعد المساعدات الخارجية للاتحاد الأوروبي في ما يتعلّق بالأعمال التجارية، فيتوقع الخبراء أن تعمل الحكومة البلجيكية على التخفيف من حدة الصدمة بالنسبة للشركات الوطنية عبر تقديم المساعدات الضرورية.

تأثير مباشر

بحسب إحصائيات وزارة المالية البلجيكية، تعدّ المملكة المتحدة رابع أكبر شريك تجاري مباشر لبلجيكا. وتشير مجموعة من الدراسات إلى أن بلجيكا، إلى جانب إيرلندا وهولندا، هي الدولة التي ستعاني بشكل أكبر من جراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ووفقاً لمعلومات وزارة المالية، فإنّ التدفقات التجارية الحالية من المملكة المتحدة تمثّل أكثر من 5 في المائة من إجمالي البضائع المحلية الداخلة إلى البلاد، بينما تبلغ حصة الصادرات 7.5 في المائة.

ومالياً، تمثّل الواردات حوالي 16 مليار يورو، والصادرات حوالي 32 مليار يورو سنوياً. ويقدّر اتحاد الشركات البلجيكية عدد الوظائف التي يمكن أن تهدّد في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، بحوالي 40 ألف وظيفة.

وتوضح ليمار أنه "في حال خروج بريطانيا بدون اتفاق، يتوقّف التعامل بجميع معاهدات الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني العودة إلى قواعد منظمة التجارة العالمية. ولكن إجراءات تطبيق هذه القواعد غير موجودة بالنسبة للمملكة المتحدة، إذ تم التفاوض عليها باسم الاتحاد الأوروبي". وهو الأمر الذي لم تبدأ الحكومة البريطانية أخذه بعين الاعتبار سوى منذ يوليو/تموز الماضي، وهو ما ينذر بمفاجآت كثيرة... غير سارة.

المساهمون