النموذج الإسكندينافي... عربياً

النموذج الإسكندينافي... عربياً


18 يناير 2019
استطاع النظام الاسكندينافي أن يصبح نموذجاً للمقيمين فيه (Getty)
+ الخط -
ليس جديداً الجواب الاستنكاري: وهل تظننا السويد والدنمارك؟ فكلما تُطرح أسئلة الديمقراطية والحقوق يُدفع بالمواطن العربي تهكماً​ نحو نتيجة جاهزة: "هذا قدرنا". ففي مصائب الواقع ثمة إصرار مرتبط عضوياً بالاستبداد، للمقارنة بحال أكثر تأخراً، سعياً لمزيد من الخنوع لنعمة "المصير" ومحاسن "أمان القمع".
حتى لو حاول المواطن تجنب تجارب الآخرين، باستدعاء ماضٍ عربي معرفي وعلمي، يُنسف سريعاً، مع أشياء أخرى، تحت سقف تحويل الجميع إلى مترقبين عاجزين، ومُجرَمين بتهمة "الخروج على ولاة الأمر"، على الرغم من حكمهم القهري لأجل ديمومة استجداء أبسط حق: الكرامة. ومع هذا، فإن حياة وممارسة مئات آلاف عرب ومسلمي إسكندينافيا لحقوقهم، تنسف مقولة أخرى، أكثر احتقاراً للعقل والقيمة البشرية: "هذا لا يصلح للعرب".
فالنظام (السيستم)، المُتهكم به، هو هاجس تلك المجتمعات. ويسري فيه على العرب، ممارسة، ما يسري على حامل جينات "الفايكنغ"، واجباً وحقوقاً والتزاماً بالقوانين والدستور الديمقراطي، من مساواة وعدالة إلى حريات سياسية ودينية وثقافية.
وبعيداً عن التهكم والاستنكار يمكن السؤال: كيف استطاع النظام الإسكندينافي أن يصبح نموذجاً للمقيمين فيه من شتى الأقوام، وكيف أصبح العرب والمسلمون يعيشون فيه أحراراً تحت سقف المواطنة والتعددية السياسية والدينية، على الرغم من كل الاختلافات؟
ليس بالقهر والصهر. آفة الفساد كافية للإجابة على الكثير. فهل يستطيع عربي؛ وحتى لو بفعل العادة، وافداً أو مولوداً في الشمال، أن يرشو شرطياً أو قاضياً، أو يتعدى بالمحسوبية على النظام ومشتركات القيم وما أقره الدستور والعقد الاجتماعي؟
لم يولد السويديون والنرويجيون والدنماركيون متقدمين صناعياً وعلمياً وأثرياء، ومقدسين لحرياتهم. كلهم عانوا من حروب وثقافة التخلف والشعوذة والخنوع للملكية المطلقة والإقطاعية، ولم تُمنح منة ولا هبطت على أوطانهم الديمقراطية والعدالة والرفاهية والمساواة. فمثل بقية "دول الشمال"، كافحت مجتمعاتهم وأجرت مراجعات حتى صارت جاذبة للمهاجرين، بعد أن كانت بسبب الفقر مصدرة لهم نحو القارة الأميركية.
كان مسلمو إسكندينافيا الأوائل يعبرون عن اعتقادهم أن أنظمتها وقوانينها تحتوي على "الكثير مما دعا إليه الإسلام". البعض فسّر الضريبة، "سكات" بلغة الشمال القديمة (SKAT)، على أنها زكاة، و"نظام الإعانة الاجتماعية" بـ"الصدقة"، وقائمة أخرى طويلة، لفهم العدالة المنتشرة.
إذاً، جوهر التقدم وأسّه في تركيبة إسكندينافيا، وغيرها شمالاً، هي المواطنة. فرغم كل الطبقية والشعبوية، لا تزال الأجيال تتمسك بما ناضلت لأجله سابقاتها. والشعور بالكرامة، من المهد إلى اللحد، ناظم لكي لا تتحول ممارسة المواطنة على طريقة "وطني هو منزلي/حارتي/طائفتي".​

المساهمون