موسم الهرب من الجنسية المصرية لتفادي الملاحقة

موسم الهرب من الجنسية المصرية لتفادي الملاحقة

17 يناير 2019
اضطر محمد فهمي فاضل للتنازل عن جنسيته لترحيله(أحمد رمضان/الأناضول)
+ الخط -
في مارس/آذار 2015 سجل الصحافي السابق في قناة "الجزيرة" الدولية محمد فهمي فاضل، أول حالة تنازل عن الجنسية المصرية للنجاة من حكم قضائي مرتقب بالسجن في قضية "خلية ماريوت"، بعد حبس احتياطي استمر عاماً ونصف العام تقريباً، ليصار إلى ترحيله لكندا التي احتفظ بجنسيتها وحدها. وفي مايو/أيار 2015، سجل الشاب محمد صلاح سلطان حالة ثانية للتنازل عن الجنسية المصرية للخروج من السجن بعد حبس احتياطي استمر 485 يوماً على ذمة قضية "غرفة عمليات رابعة"، ليرحَّل إلى الولايات المتحدة باعتباره مواطناً أميركياً، مكرساً بذلك حقيقة أن التنازل عن الجنسية المصرية في ظل حكم نظام عبدالفتاح السيسي "منجاة" من أخطار عديدة تحدق بحامليها.

وتكرر الأمر الأسبوع الماضي عندما تنازل المواطن الألماني من أصل مصري محمود محمد عبدالعزيز عن الجنسية المصرية ليتمكّن من الحصول على قرار ترحيل إلى ألمانيا، بعد احتجاز استمر نحو أسبوعين بشبهة انتمائه لتنظيم "داعش". أما الألماني الآخر عيسى الصباغ، فكان حظه أفضل نسبياً، إذ تم اعتباره متنازلاً عن الجنسية المصرية تبعاً لتنازل والده عنها عام 2007 ليبقى متمتعاً بالجنسية الألمانية وحدها، لكونه قاصرا، لتتخذ إجراءات ترحيله إلى برلين أيضاً.

وكشفت مصادر أمنية في مصلحة الأمن العام، أن وزارة الداخلية تتلقى شهرياً حوالي 30 طلباً من مصريين مقيمين في الخارج للتنازل عن الجنسية المصرية. والإقبال على التنازل عن الجنسية ليس بجديد، فهناك العديد من الدول التي لا تقبل منح جنسيتها لشخص إلا إذا تنازل عن جنسيته الأصلية، ولذلك كانت القاعدة أن التنازل هو إجراء اضطراري.
لكن الجديد الذي تكشفه المصادر هو أن عشرات الشباب الذين حصلوا على الجنسية المصرية بالتبعية لأحد الوالدين ويعيشون في الخارج منذ ولادتهم، ولا تحظّر دول الميلاد احتفاظهم بالجنسية المصرية وبالتالي بقاءهم مزدوجي الجنسية، أصبحوا حريصين أكثر من أي وقت مضى على التنازل عن الجنسية المصرية حتى تتم معاملتهم في مصر باعتبارهم أجانب فقط، وليس مصريين.

وربما يكون هذا الإقبال مدفوعاً بتجارب عملية شهيرة كالتي مر بها الصحافي محمد فهمي فاضل والناشط محمد سلطان، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالمصادر الأمنية تكشف لـ"العربي الجديد" أنه منذ 2013 تجرى تحريات مكثفة على الشبان مزدوجي الجنسية أو ذوي الأصول المصرية الذين يعودون إلى مصر، ليس تحسباً لانضمامهم لجماعات إرهابية أو تنظيمات معارضة للنظام الحاكم، ولكن أيضاً لمعرفة الانتماءات السياسية لهؤلاء الأشخاص وإعداد ملفات كاملة عنهم لفحص الامتدادات الاجتماعية لهم في مصر، والصلات المتوقع إقامتها بين عائلات مصرية وأخرى أجنبية أو عائلات مصرية في الخارج، لتكون الأجهزة الأمنية على دراية كاملة بها. وتضيف المصادر أن "هناك قراراً سياسياً بعدم الممانعة في تنازل أي شخص عن الجنسية، في إطار رغبة الدولة أيضاً في التخفف من واجباتها تجاه رعاياها".

ويتكامل مع هذا الحديث ما تكشفه مصادر دبلوماسية عن كواليس الاتصالات بين القاهرة وبرلين يومي الأربعاء والخميس الماضيين قبل التوصل إلى حل تنازل المواطن محمود عبدالعزيز عن جنسيته المصرية ليُرحّل إلى ألمانيا، فتوضح أنه كما نشرت "العربي الجديد" من قبل، فإن مصر أبلغت برلين بأنها ستتعامل مع الشابين كمصريين طالما ذكرا أنهما يتمتعان بالجنسية المصرية، وعلى ذلك أحيل الشابان إلى جهاز الأمن الوطني، كل على حدة، وتم التحقيق معهما لأيام طويلة، ثم أحيلا إلى نيابة أمن الدولة العليا، وتم التحقيق معهما، وتحديد جلسات لاستكمال التحقيق خلال الأسبوعين الحالي والمقبل.


وتشير المصادر إلى أن السلطات الألمانية عملت على مسارين متوازيين، فبينما كانت تحاول التنسيق مع السلطات المصرية للحصول على المعلومات المتوفرة عن انتماءات الشابين التي استندت إليها القاهرة لحبسهما تمهيداً للتفاوض على ترحيلهما، فإنها في الوقت ذاته أخبرت أسرتي الشابين بضرورة توكيل محامين مصريين للتعامل مع الأمر في حال تطوره قانونياً.
ومن تبادل المعلومات، تبيّن أن الشبهات التي تحوم حول الشابين "واهية جداً"، بتعبير أحد المصادر الدبلوماسية، وعلى الرغم من أن المعلومات الواردة بشأن الشاب الأكبر سنّاً، محمود عبدالعزيز، هي حصيلة تنسيق سعودي مصري، فإن الاتصالات التي تم رصدها للشاب لا يمكن تأسيس قضية متماسكة عليها، لأنها دارت بغرض التعرف ولم يكن هناك من دليل على الاشتراك أو التخطيط لأي عمل إرهابي.

وتلفت المصادر إلى أن هذه المعطيات دفعت برلين لنصح مصر بترحيل الشابين حتى لا تضطر لتبنّي الملف سياسياً وقانونياً، والدفاع عن الشابين من واقع تمتعهما بالجنسية الألمانية، ومن واقع المعلومات التي لا تشير إلى ارتكاب جرائم تذكر، مع تحمّل برلين مسؤولية مراقبة الشابين واتخاذ الإجراءات الأمنية المناسبة في مثل هذه الحالات وفق القانون الألماني.
ومع تطور المفاوضات بين الطرفين، تم عرض حل التنازل عن الجنسية على الشاب محمود الذي وافق على الفور، أما الشاب الآخر فلم تكن لديه أوراق مصرية، وتبيّن أن والده تنازل عن الجنسية منذ 11 عاماً، فاعتُبر، من باب التحايل، تابعاً لوالده بهدف تسريع الإجراءات، على الرغم من أن القانون يقصر أثر التنازل على الشخص المتنازل فقط، لأن القانون الألماني نفسه يمايز بين حالتَي الأب والابن، فهو لا يسمح بازدواج جنسية الوالد كشخص طبيعي جاء لألمانيا طالباً جنسيتها، أما الابن فهو ألماني بالمولد تبعاً لوالدته الألمانية ويسمح له القانون الألماني استثناءً من أحكامه العامة بالتبعية لوالده المصري أيضاً.

وكانت مصادر قد كشفت لـ"العربي الجديد" أن العامين 2017 و2018 شهدا نحو 10 حالات ترحيل لشبان ألمان، بعضهم من أصول مصرية، فور وصولهم إلى القاهرة للاشتباه في حضورهم للانضمام إلى تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، ورصد الأجهزة الأمنية اتصالات سابقة بينهم وبين عناصر تكفيرية، وتم إبلاغ الأجهزة الألمانية بأسباب ترحيل كل حالة، لكن المسألة لم تكن تصل إلى حد الحبس والإحالة للنيابة.

وسبق أن تبنّت الحكومة المصرية مشروع قانون لتعديل قانون الجنسية المصرية، لسحب الجنسية في "حال صدور حكم قضائي يثبت انضمام حامل الجنسية إلى أي جماعة أو جمعية أو جهة أو منظمة أو عصابة أو كيان يهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة أو بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة"، وليس فقط الأحكام التي تثبت الانتماء لجماعة إرهابية.
وكان من شأن هذا المشروع الذي أقره مجلس الدولة، الجهة القضائية المختصة بمراجعة التشريعات قبل إصدارها، في ديسمبر/كانون الأول 2017، السماح بإسقاط الجنسية المصرية عن عدد غير محدد من المواطنين لاتهامهم في قضايا ذات طابع سياسي في المقام الأول، ومن دون اشتراط أن يكونوا قد اكتسبوا جنسية أخرى أو حاربوا الدولة المصرية أو حاولوا إسقاطها لحساب دولة أخرى، مما قد يؤدي لظهور فئة غير المجنسين أو "البدون"، كما يطلق عليهم في بعض الدول، لأول مرة في مصر.

وفي المقابل أصدر السيسي في أغسطس/آب الماضي قانوناً يسمح بمنح الأجانب الجنسية المصرية مقابل سداد مبلغ مالي في صورة وديعة قدرها 7 ملايين جنيه (أقل من 400 ألف دولار)، وأكد في خطاب له أنه لن يؤثر على الأمن القومي للبلاد. ويتيح القانون الجديد للمستثمرين العرب بعد حصولهم على الجنسية المصرية مقابل الوديعة، نفس حقوق المواطنين المصريين، كما يوكل القانون وزير الداخلية ومجلس الوزراء في إصدار اللوائح والقرارات المنظّمة لمنح الجنسية للأجانب المقيمين بوديعة 7 ملايين جنيه، وذلك بالمخالفة الصريحة لنص المادة 6 من الدستور الحالي، التي تنص على أن "يحدد القانون (لا قرار لائحي) شروط اكتساب الجنسية المصرية".