الجزائر... اعتقال الجامعة

الجزائر... اعتقال الجامعة

15 يناير 2019
من احتفالات الأمازيغ في الجزائر (Getty)
+ الخط -
تمنع جامعة في شرقي الجزائر عرض بحث أكاديمي ومحاضرة حول المسألة الأمازيغية، اللغة والهوية والثقافة، كان سيلقيها أستاذ علم الاجتماع السياسي نصر الدين جابي. يجد مدير الجامعة أكثر من سبب ومبرر لذلك، لكنه لا يستطيع تفسير قرار لا يخلو من خلفية سياسية وله علاقة بمواقف جابي الداعية إلى التغيير، وتتخذه عادة جهات أمنية لا تزال تلقي بثقلها وظلها على الجامعة في الجزائر.
حين لا تفتح الجامعة باب النقاش حول قضايا المجتمع السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، بافتراض أنها الساحة الطبيعية لذلك، فما علة وجودها كمؤسسة معرفية. وإذا كانت الجامعة في الجزائر لا تستضيف المفكرين والباحثين من خارج المنظومة الجامعية، للاستفادة من مخرجات بحوثهم العلمية وكتبهم فماذا يمكن أن تستضيف. والمفارقة أنه حدث أن بعض الجامعات استضافت فناني ملاه لإحياء حفلات للطلبة.
منذ تجربة الثمانينيات والتسعينيات حيث شكلت الجامعة الحاضن الرئيس لقوى الاعتراض، تعمل السلطة في الجزائر على عزل الجامعة عن محيطها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتحويلها إلى مؤسسة بيروقراطية لإنتاج الشهادات، ولذلك تدرجت الجامعة الجزائرية في سلم الفشل على صعيد مخرجات البحث العلمي وتأهيل الكوادر في مختلف القطاعات. وتكفي الإشارة إلى أنه من قائمة 800 أفضل جامعة في العالم، لا تصنف أي جامعة جزائرية.
في إبريل/ نيسان 1980، أدى منع الكاتب مولود معمري من إلقاء محاضرة حول القضية نفسها إلى اندلاع أحداث الربيع الأمازيغي في منطقة تيزي وزو، والتي كانت أول صدام شعبي مباشر بين السلطة والشعب منذ استقلال البلاد عام 1962.
تتشابه قصص منع جابي في 2019، وقبله منع رئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان من عرض كتابه الذي يخوض في علاقة المجتمع والسياسة في مكتبة عمومية، ومنع رئيس البرلمان السابق كريم يونس من عرض كتابه في التاريخ، مع قصة منع معمري في 1980، وتظهر أن العقل الأمني في الجزائر لا يزال مغلقاً على عامل الخوف من فضاءات النقاش الثقافي والسياسي.
من المهم تحرير الجامعة وكل فضاءات النقاش والتفكير من هذا العقل الأمني المتزلف، ذلك أن من يلبس بزة الشرطة أو قبعة العسكر ليس أكثر وطنية من المعلم الذي يرتدي المئزر، وليس أكثر إدراكاً ووعياً بضرورات المستقبل من الباحث الأكاديمي، وليس أكثر فهماً لتحديات الراهن من الفاعل السياسي. والجندي الذي يحمل البندقية ليس أكثر حرصاً على الوطن من الفنان الذي يحمل القيثارة.

دلالات