الشرق السوري... "داعش" يوشك على النهاية بعد تأخر الحسم

الشرق السوري... "داعش" يوشك على النهاية بعد تأخر الحسم

14 يناير 2019
باتت "قسد" على مشارف إنهاء "داعش"(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -


بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على سبتمبر/ أيلول الماضي، حين اندلعت المعارك في أقصى الشرق السوري بين فلول تنظيم "داعش" و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة من التحالف الدولي، يحكم التنظيم السيطرة على جيب محدود المساحة، لكنه يدافع عنه بشراسة، ربما للحصول على صفقة عقد مثلها مع العديد من الأطراف، تنجي مسلحيه من السحق الكامل.

واقتربت قوات "قسد" من القضاء على "داعش" في آخر معاقله بريف دير الزور الشرقي، مع تضييق الخناق عليه كثيراً بعد سيطرتها منذ أيام على كامل بلدة الشعفة، ما أدى إلى انهيارات في صفوف التنظيم، بفعل ضربات طيران التحالف الدولي. وأكدت مصادر إعلامية، أمس الأحد، أن "الاشتباكات بين الطرفين لا تزال مستمرة، خصوصاً على أطراف بلدة السوسة ومحيطها"، مشيرة إلى أن "مدفعية قوات التحالف الدولي دكّت، أمس، ما تبقى من مناطق تحت سيطرة تنظيم داعش"، ولفتت إلى أن "طائرة من دون طيار تابعة للتحالف الدولي، استهدفت تجمّعاً لعدد من عناصر التنظيم على أطراف بلدة السوسة".

وكشفت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أنه "لم تبق للتنظيم سوى بلدة السوسة وقرى عدة قريبة منها، كالبوبدران، والسفافنة، والرواشدة، والباغوز، والشجلة"، موضحة أن "مساحة المنطقة التي لا تزال تحت سيطرة التنظيم تقدر بنحو 150 كيلومتراً مربّعاً". وأضافت المصادر أن "قوات قسد استقدمت تعزيزات عسكرية كبيرة إلى محيط بلدة السوسة للتعجيل بالحسم"، مشيرة إلى "وصول ضباط من القوات الفرنسية المنخرطة في قوات التحالف الدولي، لقيادة العمليات باتجاه مواقع التنظيم". كما لفتت المصادر إلى أن "فلول التنظيم يشنّون هجمات على قوات قسد من خلال الأنفاق التي تربط بين أطراف الشعفة والبوبدران"، مع العلم أن "داعش" كان مسيطراً على جيب جغرافي في ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات، ممتد لنحو 40 كيلومتراً، من قرية البحرة غرباً إلى مشارف مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية شرقاً، وبعمق 10 كيلومترات، إلا أنه خسر معظمه في المعارك الأخيرة.

وذكرت شبكة "فرات بوست" المحلية، يوم السبت الماضي، أن "تنظيم داعش جمع المعتقلين المدنيين والأسرى العسكريين لديه في بلدة السوسة، وسط مخاوف من إعدامات ميدانية تطاول السجناء أو قصف جوي ومدفعي من قبل قسد يؤدي إلى مقتلهم".

بدورها، أفادت وسائل إعلامية تابعة لـ"داعش"، يوم الجمعة الماضي، بأن التنظيم شنّ مئات العمليات العسكرية على قوات "قسد" خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، مشيرة إلى أن "العمليات جرت في محافظات دير الزور والحسكة والرقة وريف حلب، وأسفرت عن سقوط أكثر من 910 أشخاص بين قتيل وجريح من عناصر قسد، فضلاً عن مقتل 25 قيادياً وتدمير مئات الآليات العسكرية".



وكانت قوات "قسد" قد بدأت في العاشر من سبتمبر الماضي، عملية عسكرية ضد "داعش" في ريف دير الزور الشرقي، لم تستطع حسم الموقف رغم ضربات التحالف الدولي التي قتلت مئات المدنيين ودمرت بلدات كاملة. وتداخلت عوامل سياسية وعسكرية طيلة أشهر لمنع الحسم العسكري ضد التنظيم، الذي أبدى شراسة في الدفاع عن معاقله الأخيرة في الشرق السوري. ويبدو أن جميع أطراف الصراع في سورية تستخدم "داعش" بشكل أو بآخر لتحقيق مصالحها واستنزاف القوى الأخرى من خلاله، لكونه لا يزال محتفظاً بخلايا نائمة ومجموعات من "الذئاب المنفردة" في العديد من الأماكن، تستخدم تكتيك توجيه ضربات سريعة ومؤثرة.

وأبدى رئيس تحرير موقع "الشرق نيوز" فراس علاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، اعتقاده بأن "إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قوات بلاده الداعمة للوحدات الكردية من سورية انعكس على المعارك ضد تنظيم داعش في ريف دير الزور الشرقي". وأشار إلى أن "هناك عوامل أخرى أدت دوراً في تأخير الحسم العسكري، منها مقاومة التنظيم في جيبه الأخير"، مضيفاً أنه "بقيت في ريف دير الزور النخبة من مقاتلي التنظيم وقادته".

وأشار علاوي، وهو من أبناء ريف دير الزور الشرقي، إلى أن "عدداً كبيراً من مسلّحي التنظيم إما قُتلوا أو استسلموا أو اختفوا، خلال المعارك الدائرة منذ أربعة أشهر"، مرجّحاً "عقد صفقة بين فلول التنظيم والتحالف الدولي، كما جرى في مدينة الرقة أواخر عام 2017، تتيح لمن بقي من عناصره الانتقال إلى منطقة أخرى".

ومن المتوقع نقل عناصر "داعش" إلى البادية السورية المترامية الأطراف، والمعتبرة منطقة نفوذ روسية إيرانية، حيث لا تزال للتنظيم جيوب سيطرة فيها. وربما يلجأ التحالف الدولي الى خيار عقد صفقة مع "داعش"، في سياق سياسة أميركية غايتها المزيد من الاستنزاف لقوات النظام وحلفائها الروس والإيرانيين، وتعطيل المشروع الإيراني الهادف إلى فتح ممر بري من طهران إلى بيروت يمر عبر البادية السورية.

وكان التنظيم قد عقد صفقات عدة مع التحالف الدولي في مناطق عدة، منها الطبقة والرقة، ومع حزب الله في القلمون الغربي في ريف دمشق بالقرب من الحدود السورية اللبنانية، ومع النظام في أحياء جنوب دمشق، أبرزها مخيم اليرموك، والحجر الأسود، وفي حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، جنوب سورية.

على الصعيد الإنساني، لا يزال عشرات آلاف المدنيين في ريف دير الزور الشرقي تحت وطأة أزمات إنسانية تكاد تصل إلى حدود الكارثة، في ظلّ تجاهل المنظمات الدولية لوضعهم، إذ يقع هؤلاء خارج حسابات القوى المتصارعة.

وأفادت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، بأن "نحو 25 ألف شخص فرّوا جراء أعمال العنف في الأشهر الستة الأخيرة في المناطق الشرقية من سورية"، موضحة أن "معظم أعمال العنف تركزت حول مدينة هجين في محافظة دير الزور، التي كانت آخر معاقل تنظيم داعش هناك قبل سيطرة قسد عليها أخيراً".

وأكدت المفوضية أن "الاشتباكات والضربات الجوية أجبرت هؤلاء الأشخاص على النزوح من ديارهم، واللجوء إلى مخيمات أو تجمّعات عشوائية"، لافتة إلى أنهم "أمضوا ليالي عدة في الصحراء في ظل أحوال جوية قاسية ومن دون إمكانية الوصول إلى مصادر الماء أو الغذاء". وحذّرت من "ارتفاع عدد الإصابات بين المدنيين في المنطقة"، مشيرة إلى أن "نحو 2000 شخص ما زالوا محاصرين في مناطق تستعر فيها الاشتباكات".

من جانبه، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "عدداً كبيراً من الآليات دخلت، يوم السبت الماضي، إلى منطقة خطوط الجبهة عند الضفة الشرقية لنهر الفرات، بغية نقل أعداد كبيرة من الفارين من جيب التنظيم"، مشيراً إلى أن "أكثر من 25 شاحنة كبيرة دخلت إلى منطقة الجبهة". وأكد أنه "مع خروج هذه الدفعة لن تتبقى أعداد كبيرة من المدنيين ضمن جيب التنظيم".

وأشار المرصد إلى أنه وثّق "خروج 15400 شخص من جيب التنظيم من جنسيات مختلفة، سورية وعراقية وروسية وصومالية وفيليبينية وغيرها من الجنسيات الآسيوية، منذ مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، من بينهم أكثر من 13350 شخصاً خرجوا من جيب التنظيم منذ قرار الرئيس الأميركي الانسحاب من سورية، من ضمنهم نحو 720 عنصراً من تنظيم داعش". ونقل عن "مصادر موثوقة"، قولها إن "الخارجين والفارين من جيب التنظيم، حملوا معهم مبالغ مالية بعشرات ملايين الدولارات".


المساهمون