الأمن السوري المفقود: اغتيالات وخطف وتفجيرات في إدلب (10/10)

الأمن المفقود في سورية: اغتيالات وخطف وتفجيرات في إدلب (10/10)

02 يناير 2019
شهدت إدلب العديد من عمليات التفجير (أحمد رحال/الأناضول)
+ الخط -
اغتيالاتٌ، وعمليات خطف مقابل فدية، أو لأسباب أخرى. انفجار عبوات ناسفة، ومفخخاتٌ، ومظاهر أخرى تظهر معالم الفلتان الأمني في محافظة إدلب، التي لطالما اعتُبرت معقل المعارضة السورية الأبرز في عموم سورية، لكنها أيضاً معقل فصائل راديكالية، على رأسها "هيئة تحرير الشام" (التي تشكل جبهة النصرة عمودها الفقري)، التي نجحت بتحجيم قوى الثورة شيئاً فشيئاً، حتى باتت أقوى الفصائل المسيطرة على مناطق واسعة في محافظة إدلب.

ويعتبر عامل تعدد الفصائل، والصراع الخفي والمعلن بينها، على النفوذ في شمال غرب سورية، أبرز عوامل عمليات الفلتان الأمني في إدلب، الذي تصاعدت مظاهره بشكل غير مسبوق خلال العام 2018. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، في إحصائية نشرها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن "388 شخصاً على الأقل، اغتيلوا في أرياف إدلب وحلب وحماة، منذ 26 إبريل/ نيسان من العام 2018"، مؤكداً أن بينهم أكثر من تسعين مدنياً، إضافة لمقاتلين أجانب وسوريين من مختلف الفصائل، سواء التابعة للجيش السوري الحر، أو للجماعات الجهادية، وقد قُتلوا بعمليات اغتيال متعددة الأساليب.

إضافة إلى الاغتيالات، التي أصبحت هاجساً يُخيف الكثير من السكان في إدلب، قبل أن تتراجع وتيرتها في الأسابيع الأخيرة، فإن عمليات الخطف المستمرة التي تحصل بشكل متكرر، باتت أيضاً أمراً مخيفاً في إدلب، فهي تطاول ناشطين في مختلف المجالات الإغاثية والإعلامية وغير ذلك، وكذلك طاولت أيضاً عاملين في الشأن الطبي. ففي يونيو/ حزيران الماضي، أعلن أطباء وصيادلة وعاملون في الشأن الطبي تعليق العمل في بعض المستشفيات والمراكز الطبية ثلاثة أيام "بسبب الانتهاكات المتزايدة التي تتعرض لها الكوادر الطبية في إدلب، والفوضى وغياب الأمن، إلى جانب السياسات الممنهجة لإخلاء المنطقة من الكوادر الطبية"، بحسب بيانٍ للأطباء والصيادلة في إدلب، والذين طالبوا في بيانهم بـ"الإفراج الفوري عن كامل الكوادر الطبية، خصوصاً الطبيب مازن دخان، الذي أعلنت هيئة تحرير الشام القبض عليه" يوم صدور البيان، في 19 يونيو الماضي.
وبعدها بأقل من شهر، اختطفت جماعة مسلحة مدير الصحة في "مديرية الساحل" التابعة لـ"الحكومة السورية المؤقتة"، خليل أغا، الذي أُطلق سراحه بعد أسبوع بعدما تم دفع مبلغ مائة ألف دولار للجماعة الخاطفة، بحسب ما أكد محمود الشيخ، وهو المسؤول الإعلامي في "مديرية الساحل".

ويقول الناشط الإعلامي رائد الهواش، لـ"العربي الجديد"، إن "هيئة تحرير الشام تقف خلف معظم عمليات الخطف التي تمت في إدلب، إذ يتم اختطاف أشخاص إما ينتقدون الهيئة علناً، أو أنهم أشخاص تعرف أنها ستحصل على مبالغ مالية كبيرة إذا اختطفتهم (أغنياء أو يعملون في منظمات)، وفي الحالتين فإن الفدية المالية هي السبب الرئيسي للاختطاف". ويؤكد الناشط أن "الهيئة تقوم بأعمال الخطف عبر مجموعات تابعة لها مخصصة لعمليات الخطف، من دون أن يُظهروا أي تبعية للهيئة. وحتى خلال عملية التفاوض على الفدية وما إلى ذلك، فإن الخاطفين لا يُظهرون أي تبعية للهيئة، التي تنكر بدورها أي صلة لها بالجهات الخاطفة، وتتهم خلايا النظام وداعش بالوقوف وراء عمليات الخطف هذه".


وتبدو هيمنة "هيئة تحرير الشام" في إدلب واضحة تماماً، وهي التي باتت تتعامل أخيراً مع الوضع هناك بمبدأ تحصيل ما أمكن من أموال عبر وسائل مختلفة.
ويقول ناشط إعلامي موجود في إدلب، طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من أن تتم ملاحقته، لـ"العربي الجديد"، إن "هيئة تحرير الشام باتت تتّبع أساليب العصابات"، ضارباً مثالاً على ذلك بأن "الهيئة تزعم أنها تلاحق تجارة السجائر في العلن، ولكنها في الواقع تمرر شحنات هذه التجارة مقابل أموالٍ أشبه بالضرائب تفرضها في المناطق الخاضعة لسيطرتها".
ويضيف الناشط أن "الهيئة لا تمنع بيع السجائر في المحال التجارية، لكنها تعتقل عبر حواجزها الأشخاص الذين يتم ضبط كميات من الدخان معهم، ولا يتم إطلاق سراحهم إلا مقابل دفع مبالغ مالية تختلف من حاجز إلى آخر، وبحسب كمية علب السجائر التي يتم ضبطها عبر الحواجز"، مشيراً إلى أن "إحدى المفارقات بهذا الصدد، أن المركز الرئيسي لبيع السجائر في شمال غرب سورية، يقع في مدينة سرمدا مقابل دار القضاء التابع لهيئة تحرير الشام، أي أن عمليات البيع تتم في مركز الجملة الرئيسي لبيع السجائر في إدلب"، ولكن حواجز الهيئة تعود وتعتقل بعض الذين اشتروا كميات من السجائر من مركز الجملة، ليبيعوها في محالهم.

من جهته، يشير الناشط علي الإدلبي، الذي يقيم في مدينة إدلب الخاضعة لسيطرة "تحرير الشام"، إلى أن "صور استغلال الأخيرة لنفوذها وسيطرتها على الأرض كثيرة جداً، كمؤسسة المرور التابعة للهيئة، التي باتت تفرض رسوماً على تسجيل السيارات بشكل عشوائي، وكل سيارة يتم توقيفها على الحواجز يُفرض على سائقها دفع رسوم تسجيل لها في سجلات الهيئة". ويعتبر الإدلبي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا الرسم هو أحد أشكال جباية الأموال التي تفرضها الهيئة، لافتاً إلى أن "مؤسسة المرور التابعة للهيئة مع قوة تنفيذية مسلحة، تقوم بجولات تفتيش في مدينة إدلب، وتحتجز السيارات، وتفرض على صاحبها دفع رسوم التسجيل قبل أن يتم فك الحجز عن السيارة"، مشيراً إلى أن "دوريات الهيئة تتعمد أن تكثف جولاتها وحواجزها يوم الخميس، حيث تحتجز السيارات وتقول لأصحابها إنها ستبقى محجوزة يومي الجمعة والسبت لأنهما عطلة، وبذلك تتم جباية رسوم التسجيل، مضافة إليها رسوم احتجاز السيارة في الكراج ليومين".

ولا تتوقف أساليب الابتزاز واستغلال النفوذ لـ"هيئة تحرير الشام" في إدلب، عند ذلك، بحسب الناشطين هناك، إذ باتت الهيئة تتدخّل في عمل كافة منظمات المجتمع المدني وتعرقل عملها، وتفرض عليها رسوماً و"إتاوات" وغير ذلك، الأمر الذي دفع معظمها لوقف عملها.
ويقيم في إدلب ومحيطها نحو ثلاثة ملايين مدني، معظمهم من السكان المحليين، إضافة لعشرات آلاف السكان الجدد الذين هُجروا من مناطقهم في أرياف دمشق وحمص ودرعا والقنيطرة وغيرها، خلال السنتين الماضيتين، كما عرفت المحافظة شيئاً من هدوء العمليات العسكرية، في أعقاب اتفاق سوتشي في سبتمبر/ أيلول الماضي، والذي أقر إنشاء منطقة "خالية من السلاح"، بعرض بين 15 و20 كيلومتراً، على طول جبهات المواجهة بين النظام والفصائل العسكرية في إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية المتصلة بها، على أن يتم سحب السلاح الثقيل، وإخراج كافة العناصر التابعين للفصائل المصنفة على أنها إرهابية من هذه المنطقة، مع العمل على فتح الطرقات الدولية المارة من إدلب.

وتُعتبر "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم كبرى فصائل الجيش الحر في إدلب، هي القوة الثانية هناك، وتسيطر على بعض القرى والبلدات، كما وتتداخل مناطق سيطرتها بمناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" في بعض الأماكن. ويتنازع الطرفان على تعزيز أو توسيع نفوذهما في شمال غربي سورية، وشهدت مناطق النفوذ المتداخل عمليات اقتتالٍ عدة، أو تنفيذ عمليات أمنية ضد بعضهما، ما دفع الوضع الأمني الهش أساساً إلى مزيدٍ من التردي، الذي يدفع المدنيون بالغالب ثمنه الأكبر.