غضب جنوب العراق: ارتباك حكومي وتحذير صدري وتورط مليشيوي

غضب جنوب العراق: ارتباك حكومي وتحذير صدري وتورط مليشيوي

07 سبتمبر 2018
يصر محتجو البصرة على مواصلة حراكهم(حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
تتخذ احتجاجات البصرة العراقية منحى تصاعدياً غير مسبوق، مع سقوط عشرات القتلى والجرحى من المتظاهرين على يد قوات الأمن، وإحراق ما لا يقل عن 20 دائرة حكومية ومركزاً أمنياً ومقرات حزبية، فضلاً عن قطع طرق رئيسة نحو حقول النفط والموانئ على مياه الخليج العربي والمعابر البرية مع الكويت وإيران، فيما تدل المعطيات على استمرار هذا النهج عبر تظاهرات مقررة، اليوم الجمعة، تحت عنوان "جمعة الغضب". لكن الخطير في هذا المشهد، ما كشفه مسؤول محلي لـ"العربي الجديد"، عن تورط مليشيات بعمليات الحرق والتخريب في البصرة، وسعي جهات لجرّ المحافظة والجنوب إلى موجة عنف.

وسُجل لغاية يوم أمس، الخميس، مقتل وإصابة 125 مدنياً برصاص الجيش وقوات التدخل السريع (سوات)، إضافة إلى خسائر مادية كبيرة. ويقول المتظاهرون إن سبب تجدد التظاهرات هو عدم الاستجابة لهم وعدم تنفيذ الوعود التي أطلقتها الحكومة قبل شهرين مع اندلاع الاحتجاجات، إضافة إلى استمرار عملية القمع، خصوصاً لنشاطي التيار المدني في البصرة. بينما من المتوقع أن تستمر التظاهرات، اليوم الجمعة، مع تحديد أكثر من سبع نقاط انطلاق للتظاهرات، التي سعت السلطات لمواجهتها بإعلان حظر تجوال منذ بعد ظهر أمس في عموم محافظة البصرة، لتعود وتلغي هذا القرار قبل دقائق من دخوله حيز التنفيذ.

وأُطلق على تظاهرات اليوم، اسم "جمعة الغضب"، بحسب يافطات المحتجين، ويُتوقع أن تشتد عقب صلاة الجمعة، وتشارك فيها زعامات قبلية، كما وعدت بذلك أمس الخميس، وترفع المطالب نفسها المتعلقة بالخدمات والوظائف وتحسين الخدمات الصحية، وأضيف إليها مطلب محاسبة قتلة المتظاهرين وإخراج مقرات الأحزاب الدينية والفصائل المسلحة خارج البصرة، فيما يتخوّف مراقبون من تكرار سيناريو الموصل إبان الاحتجاجات التي شهدتها الأخيرة خلال العام 2014، المطالبة بالخدمات ورفع الظلم عن المدينة، وانتهت بسقوط المدينة بأيدي عناصر تنظيم "داعش".

وكشف مسؤول محلي في البصرة، لـ"العربي الجديد"، عن وجود معلومات تشير إلى تورط مباشر لمليشيات وشخصيات حزبية بعمليات الحرق والتخريب التي استهدفت عدداً من المباني. ولفت إلى أن معظم المباني التي أُحرقت فيها ملفات فساد ضخمة كان رئيس الحكومة حيدر العبادي قد أطلق يد هيئة النزاهة للتحقيق فيها ضمن خطة تلبية المطالب في البصرة، مشيراً إلى أن النيران التهمت أولاً قسم العقود في مبنى المحافظة، وكذلك قسم الحسابات في بلديات البصرة. وأضاف أن "هناك جهات تحاول سحب البصرة والجنوب إلى موجة عنف، ولا نستبعد وجود جماعات مسلحة مدعومة من الجوار تنفذ ذلك للضغط على العبادي الساعي لولاية ثانية"، كاشفاً عن العثور على رصاص قنص في جثث بعض الضحايا من المتظاهرين لا تستخدمه قوات الأمن.

وكانت تظاهرات الأيام الثلاثة الماضية، وتحديداً في البصرة، تطوّرت إلى إضرام النار في الأبنية الحكومية، منها مبنى "ديوان المحافظة" ومكتب المحافظ أسعد العيداني ونائبه، ودائرة التخطيط، وبناية دائرة الجنسية، وقائمقامية قضاء أبو الخصيب، إضافة إلى إغلاق ميناء أم قصر، وهو أكبر ميناء بالقرب من الحدود العراقية الكويتية. فيما تواصل سقوط القتلى بصفوف المحتجين، إذ أعلنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أن حصيلة تظاهرات البصرة خلال شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، بلغت تسعة قتلى و93 جريحاً من المتظاهرين، و18 جريحاً من القوات العراقية، وأعربت عبر بيان رسمي، عن تخوفها من "خروج الأمور عن السيطرة"، مجددة الدعوة للحكومة إلى "ضرورة تلبية مطالب أهالي البصرة".

واستخدم المتظاهرون قناني المولوتوف، التي تسبّبت بإصابة عدد من عناصر الأمن. ويطالب المتظاهرون بعزل قائد عمليات البصرة الفريق الركن جميل الشمري، الذي تسبّبت قواته بمقتل عشرة محتجين وأكثر من 100 آخرين، بحسب الناشط علي المنصوري، الذي أوضح لـ"العربي الجديد"، أن "تظاهرات غد (اليوم) الجمعة، ستكون في مركز مدينة البصرة في مناطق العشّار والحكيمية وشارع الوطن وحي الجزائر والهارثة والشافي والقرنة". وأكد "الحرص على أن تبقى التظاهرات سلمية مثلما انطلقت في بدايتها، لكن الأوامر العسكرية التي تتلقاها الأجهزة الأمنية تفيد بقمعنا وشلّ حركتنا، بل وقتلنا أيضاً"، لافتاً إلى أن "المتظاهرين ما زالوا في مواقعهم، فكل حي من أحياء البصرة فيه تنسيقية للاحتجاج وعلى علاقة واتصال بباقي التنسيقيات لتوحيد المطالب وتوحيد الخطاب".

وبحسب المنصوري، فإن "إصابة محتجين ومقتل عدد من المتظاهرين، ساهمت برفع عدد الموجودين في الساحات، ودخلت على خط المطالبات إقالة قائد عمليات البصرة جميل الشمري، الذي فشل في التعامل مع الملف الأمني وتحديداً التعامل مع المتظاهرين، ومحاسبته لأنه المسؤول عن مقتل أكثر من 10 محتجين خلال أقل من أسبوع"، لافتاً إلى أن "المتظاهرين في البصرة ومنذ يومين حددوا اسم احتجاج يوم الجمعة، وهو جمعة الغضب، وهناك من يتحدث بين صفوف المتظاهرين عن تسمية الجمعة المقبلة بثورة البصرة، ما يعني أن الوضع سيتأزم وقد يسيطر المحتجون حينها على كافة المؤسسات الحكومية".

أما في ميسان وذي قار والنجف، فقد أوضح ناشطون لـ"العربي الجديد"، أن "التظاهرات في مدنهم تراجعت، ولم تعد غاضبة مثل الأسابيع الماضية، بعدما تخطت حملات التهديد بالقتل من قبل مليشيات في الحشد الشعبي، حاجز المعقول، فضلاً عن الاعتقالات الكثيرة لناشطين، وإجبارهم على التعهد بعدم الاحتجاج ثانية، بالإضافة إلى تعهد عدد من وجهاء وشيوخ عشائر هذه المدن للدولة بعدم السماح لأبنائهم بالخروج في التظاهرات".


ومن المقرر أن يصل وفد حكومي من بغداد إلى البصرة أملاً بلقاء قادة أو ممثلي المتظاهرين، وسط تسريبات تشير إلى احتمال إقالة قيادات عسكرية وأمنية فيها إرضاءً للمتظاهرين، في ظل مخاوف من أن يؤدي استمرار الاحتجاجات إلى تأثر صادرات العراق النفطية عبر الخليج العربي وإيقاف عمل ستة موانئ تجارية. وكان مجلس الوزراء العراقي قد قرر، الثلاثاء، اتخاذ عدة إجراءات لمعالجة مشكلة تلوث المياه في محافظة البصرة. وذكر بيان رسمي صدر عن المكتب الإعلامي للعبادي، أن القرارات تضمّنت "إطلاق المستحقات المالية للمحافظات من بداية السنة المالية الحالية 2018، وإطلاق المستحقات لوزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة المتعلقة بصيانة المشاريع والمجمّعات المائية والشبكات الداخلية والخطوط الناقلة والأعمال الطارئة المهمة، وتأهيل محطات وشبكات الخطوط الناقلة للمياه في المحافظة، وإجراء المناقلات اللازمة ضمن البرنامج لتنفيذها، والموافقة على إنشاء محطات لتحلية المياه في محافظة البصرة".

وعن سلسلة قرارات الحكومة بشأن البصرة، قال مسؤول حكومي مقرب من العبادي، لـ"العربي الجديد"، إن "تظاهرات الجنوب لم تشهد استجابة واقعية وحقيقية من قبل الحكومة، بسبب تراشق الاتهامات بين السلطات المحلية في البصرة والحكومة الاتحادية من جهة، ومن جهة أخرى بين السلطات المحلية ووزارة المالية، التي أعلنت في أكثر من مناسبة إطلاق دفعات من الأموال لإصلاح الأوضاع في البصرة"، موضحاً أن "الخاسر الوحيد من كل هذه المشاكل هو المواطن وحده، وهناك تخوّف من تأثر العملية السياسية وتشكيل الحكومة المقبلة، مع تعقّد المشهد يوماً بعد يوم". ولفت إلى أن "العبادي يفكر حالياً بإرجاع هيبته من خلال الاستجابة بالممكن لمطالب المتظاهرين، فهو يدرس فكرة تغيير القيادات الأمنية وإنجاز سريع للقضايا التي تستطيع الحكومة إنجازها، مثل توفير محطات المياه وضخ الماء إلى مدينة البصرة".

في المقابل، قال الشيخ العشائري في البصرة، فايز السعد، لـ"العربي الجديد"، إن "البصرة مسلوبة الحقوق منذ 15 عاماً، وهي تعطي أكثر مما تأخذ، بل إنها لا تأخذ أي شيء من استحقاقها"، لافتاً إلى أن "القرارات التي أطلقتها الحكومة بشأن تنفيذ مطالب المتظاهرين لم تخرج عن كونها سراباً غير حقيقي"، معتبراً أن "على الحكومة استخدام كل طاقاتها لاحتواء الأزمة، وإذا تم إهمال مطالب الناس خلال الأيام المقبلة، فما هو آتٍ لن يبشر بخير، وأول الشرور التي ستتلقاها الحكومة هو الإغلاق التام في البصرة، والسيطرة أكثر على المنافذ الحدودية والموانئ".

وشدد على أنه "لا وجود لأي دعم خارجي للمتظاهرين، لا سيما من دول الجوار، بالعكس، لأن الكويت وإيران مثلاً حذرتان من تطور الأزمة وانعكاسها على مناطقهما، وهما بحسب ما نعلم تضغطان على الحكومة باتصالات غير معلنة لتهدئة الوضع وتلبية مطالب المتظاهرين"، موضحاً أن "مسؤولين في الأحزاب العراقية يحاولون تغطية فشلهم في إدارة الدولة، عبر توجيه تهم للمحتجين بتلقيهم دعماً خارجياً". وأعلن أن "العشائر العاقلة لا تقبل بحمل السلاح بوجه القوات الأمنية والدولة، والدعوات التي أطلقت لا تمثل سوى شباب غاضبين على الأحداث الأخيرة وبسبب مقتل عدد من رفاقهم في الاحتجاج، ولو حُمِل السلاح فستحدث كارثة أمنية لا مثيل لها"، داعياً "إلى إبقاء التظاهرات سلمية لحين تحقق مطالب البصريين".

وكان زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، قد دعا عبر "تويتر"، لضرورة تضافر الجهود الحكومية لانتشال البصرة من فكوك الفساد والطائفية والمليشيات، وهدد بعدم "اختبار صبره". وعاد مجدداً في خطاب متلفز، أمس الخميس، لدعوة البرلمان الجديد إلى "عقد جلسة استثنائية فورية يتم بثها علناً لمناقشة وضع البصرة، وإرسال لجان للتباحث مع دول الجوار لزيادة الحصة المائية للعراق". وقال "سيكون لنا موقف حازم لا يخطر على بال أحد ما لم يتم حل مشكلة البصرة"، فيما أعلن لأتباعه "عن وقفة احتجاجية سلمية غاضبة في البصرة"، من دون أن يحدد موعدها.

وعن موقف الصدر، قال مصدر مقرب منه لـ"العربي الجديد"، إن "الصدر يفكر بشكل جاد بالدخول على خط التظاهر، وهو يريد عبر التظاهرات إرسال رسالتين، الأولى للطبقة السياسية، تتمثّل بعرض حي ومباشر لباقي الكتل السياسية، واستعراض حجم المؤيدين لتحالفه سائرون في الشارع، وحجم المعارضة التي يهدد بها إذا انتقل إليها"، مشيراً إلى أن "الرسالة الثانية التي يريدها الصدر، هي الوقوف مع أهالي البصرة المظلومين وحقن الدماء، لا سيما أنه يسمع بأن الأهالي ناقمين على الجيش وصاروا يسمونه قوات العبادي، وهذا ما حصل إبان تظاهرات الموصل قبل أربعة أعوام، فقد كان الأهالي يطلقون على العسكريين (قوات المالكي)، وحصل ما حصل بعدها، وهو أمر يعدّه الصدر خطيراً على الأمن في البلاد عموماً".

من جهته، قال النائب عن محافظة البصرة، عامر الفايز، إن "الحكومة تورطت حين وعدت أهالي البصرة بتحسين الوضع الخدمي والمعيشي، لأنها لم تتمكن من تحقيق هذه الأمور، لا سيما ما يتعلق بإطلاق الحصص المائية للبصرة، والحكومة لم توفر محطات التحلية التي وعدت بها منذ شهرين"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "البصرة لها ديون مالية كبيرة بذمة الحكومة الاتحادية من المنافذ الحدودية والموازنات المتراكمة"، معتبراً أن "الأحداث الأخيرة وسقوط عدد من القتلى كان سببه المتظاهرون أنفسهم، الذين فتح بعض المندسين داخلهم النار واستخدم القنابل اليدوية والمولوتوف ضد القوات الأمنية، وهناك جهات تدفع لتأزيم الموقف في البصرة، وهي مؤامرة على البصرة والبصريين".