ماذا كان يتهدد مسلمي فرنسا من قبل اليمين المتطرف؟

ماذا كان يتهدد مسلمي فرنسا من قبل اليمين المتطرف؟

07 سبتمبر 2018
تهدف إحدى الخطط لاستهداف مصلين (زكريا عبد الكافي/فرانس برس)
+ الخط -

قبل أسابيع تناقلت وسائل الإعلام الفرنسية خبر اعتقال السلطات الفرنسية، ما بين 24 يونيو/ حزيران و23 يوليو/ تموز 2018، خلية من اليمين المتطرف الفرنسي، تضم عشرة رجال وثلاث نساء، كانت بصدد تنفيذ اعتداءات كبيرة على مسلمي فرنسا وأماكن عبادتهم. وكان الإعداد قد وصل إلى مستوى متقدم جداً، ومن بين أهدافه المرسومة تسميم الطعام الحلال.

وعلى الرغم من أن المعتقلين حاولوا التهوين من الخطورة التي كانت تشكلها خطتهم، بدعوى أنها "أوهام" و"أمنيات"، أو "أنه في أعماق كل واحد منّا شياطينه"، إلا أن صحيفة "لوموند" الفرنسية، اطلعت على محاضر من تصريحات هؤلاء المتهمين، الذين تراوح أعمارُهم ما بين 32 و69 سنة، والذين تقول عنهم إنهم "بعيدون عن الأحزاب السياسية الفرنسية، ويتواجدون على تخوم من يستعد لنهاية العالم، ويعيشون انحرافاً جماعياً، بل وكانوا فريسة لنفحات مميتة حقيقية لبعضهم". وتتحدث الصحيفة عن ثلاثة أنواع من مشاريع الاعتداء التي شهدت بدايات الإعداد لها، والتي اكتشفها المحققون أثناء تحقيقاتهم حول هذه الخلية، التي أطلقت على نفسها اسم "عمل القوات العملياتية". وترى الصحيفة أن بعض أعضاء المجموعة كانوا قد بدأوا فعلاً التفكير في تنفيذ مخططهم.

وكان المشروع الأول يتضمن قتل "200 من الأئمة الراديكاليين"، فيما يهدف الثاني إلى "تسميم الطعام الحلال". أما الثالث فكان يرمي إلى إلقاء قنابل على أهداف إسلامية مختلفة، من بينها مصلون في الشارع ومكتبات سلفية أو سائقو سيارات. وتضيف الصحيفة أن هذه المشاريع جرى التحدث عنها، مرات عدة، أثناء الاجتماعات. ونعثر بين هؤلاء، الذين وجهت إليهم تهمة "تكوين عصابة إرهابية وإجرامية"، والذين أطلق سراح معظمهم ووضعوا تحت المراقبة القضائية بسبب عدم وجود أدلة كافية، فيما لا يزال أربعة منهم في الحبس الاحتياطي، على "بروفيلات" مختلفة لهؤلاء المعتقلين، إذ إن بينهم مقاولون وعسكريون سابقون وأستاذ رياضيات. ومن بين المفرج عنهم رئيس المجموعة، الشرطي المتقاعد غي سيبرا (64 سنة)، الذي حرص على التصريح لصحيفة "لوباريزيان"، في 31 يوليو الماضي، بأنه لم يكن على علم بأي عمل غير قانوني.

وتحوم الشبهات حول حجم العداء ضد المسلمين، الذي حرّك هذه المجموعة، التي تتحدث عن نحو 100 من المنضوين فيها. وتتحدث الصحيفة الفرنسية عن تصاعد التطلعات العنيفة لبعض مكونات اليمين المتطرف الفرنسي، خصوصاً بعدما فقد حزب "التجمع الوطني" ("الجبهة الوطنية" سابقاً) من زخمه، فالبعض من المعتقلين خيّب الحزب اليميني المتطرف آمالهم. وقد تشكلت مجموعة "عمل القوات العملياتية" في أغسطس/ آب 2017، ولم يكن لديها نظام أساسي. وتميزت هذه المجموعة بتجنيد أشخاص بالغين، مُفضِّلة أفراد شرطة وجنوداً سابقين. واختارت نظام الرسائل المشفرة، وكانت منتظمة في إطار "قيادات" إقليمية. كما كانت تنظم أعضاءها عبر ترميز حسب الألوان، فـ"البيض" هم مجرد متعاطفين مكلفين بشكل خاص بتغذية الموقع الإلكتروني، في حين يفترض أن "الرماديين" يديرون التكوين، أما "السود" فيضمون من تلقوا تدريباً كبيراً ومن هم موجهون للانتقال إلى التطبيق.



وإذا انتقلنا من الجانب السري إلى الجانب الرسمي، فإن الأمر، في نظر المتهمين، لا يتعلق سوى بالحصول على تكوين للدفاع عن النفس "خصوصاً في حال حدوث هجمات جهادية جديدة على التراب الفرنسي". وتنقل "لوموند" اعترافات أحدهم، وهو تحت المراقبة القضائية: "لقد استبد بي الخوف بعد الاعتداءات. وقد قمت بما قمت به بهدف حماية عائلتي. وانطلاقاً من ذلك، عثرت على ما كنت أبحث عنه، لأن هؤلاء الرجال قدّموا لي إمكانية القدرة على الهرب إذا ما حدثت صراعات كبرى في فرنسا. وأنا أتحدث عن صراعات مع الإسلام". وتتحدث الصحيفة عن تنظيم عشر حلقات تدريب من أجل "مقاومة الإسلام"، خصوصاً في شابلي، بمنطقة يون، وتضمنت تدريباً على الدفاع عن الذات، وطوبوغرافيا واستخدام الراديو وعُقد الإبحار... إلخ، وآخر كان مبرمجاً ليتم في أغسطس في منطقة لاجيروند، تحت إشراف دركي سابق.

ولم يكن أعضاء هذا التنظيم يتقاسمون الأهداف نفسها، فالأكثر تصميماً منهم، كانوا يخططون لـ"رد" حقيقي في حال حدوث اعتداء، مهما كان مستوى خطورته. وكان يفترض أن يكون الرد "شاملاً وغير متوقع"، حسب وثيقة اكتشفها المحققون أثناء تفتيشهم لمساكن بعض الموقوفين. ويفترض أن يحدث الردّ في اليوم نفسه والساعة نفسها في كل "القيادات". وتعترف الصحيفة بأن الاحتياطات التي أقدم عليها نشطاء هذا التنظيم، حتى لا يتم رصده من طرف الإدارة العامة للأمن الداخلي، دفعت الأخيرة، وفي شراكة مع القسم الوزاري للدعم التقني، للقيام بعملية اختراق سري، بموافقة من القضاء الفرنسي. وتتساءل "لوموند"، وهو ما يمكن للقضاء الفرنسي في نهاية المطاف أن يجيب عنه، عما إذا كان هؤلاء النشطاء سينفذون مخططاتهم لو لم يتم اعتقالهم، خصوصاً أن معظمهم كان يمتلك أسلحة، غير مرخصة، في معظم الحالات. كما تتساءل "هل كانوا يمتلكون الإرادة الحقيقية لاستخدام هذه الأسلحة؟"، وتنقل ما اعترف به أحد المتهمين، وهو الوحيد الذي اعترف بمجموع التهم الموجهة إليه، من أن برنارد س. وهو مسؤول قطاع باريس في المجموعة، كان يردد الشيء نفسه، في كل نصف ساعة، أي ضرورة التقدم في التجنيد وفي تحديد الأهداف. وأضاف هذا الشخص، الذي عبّر عن ندمه لأنه لم يغادر المجموعة، أن "هذه هي حقيقة المجموعة الإجرامية الإرهابية، التي كانت تعتقد أنه بالإمكان تصفية أناس بهذه الطريقة". وفي التفاصيل عن مخططات المجموعة، كما تكتب صحيفة "لوموند"، أن من مهام كل فرد في هذه المجموعة أن يرصد، بوسائله الخاصة، واحداً على الأقل من الأئمة "الأصوليين". وهكذا رصد زعيم "قيادة" باريس، إمام نانتير (ضاحية باريس). كما عثر المحققون في منزل إحدى نساء المجموعة، على ورقة مكتوبة بخط اليد تتضمن العديد من المساجد في بلدة سيفران (ضاحية باريس). لكن الصحيفة سرعان ما تشير إلى تخلي المجموعة عن هذا الهدف بسبب صعوبة القيام بالرصد والتتبع الحقيقيين.

وهكذا تم توجيه طموحات المجموعة إلى هدف آخر، وهو تسميم "المنتجات الحلال". وتم اعتماد تاريخ لتنفيذ هذا المخطط، وهو سبتمبر/ أيلول، في سبع أو ثماني "سوبرماركت" تقع في مناطق وجود أغلبية إسلامية، من بينها "أوشان" في منطقة لاديفونس (ضاحية باريس)، وآخر في بلدة أتيس مونس (ضاحية باريس)، وهو ما كشف عنه عنصر الشرطة المندس وسط المجموعة، والذي شارك في اجتماع في يونيو/ حزيران الماضي. وتضمنت الخطة أن يعهد بالأمر إلى نساء لشراء المواد ثم وضعها في "السوبرماركت"، وهن لابسات النقاب، حتى لا يُثِرن ريبة أحد. وقد عثر المحققون على وثيقة كتبها أحد المتهمين، وتكشف الطريقة التي سيتم بواسطتها تنفيذ التسميم. وجاء فيها "المدخل إلى المتجر، تمويه لوحات السيارات، الماكياج للتمويه، الوصول إلى قسم الحلال، تلويث المعلبات، ووضعها على رفوف المتجر". وفي ما يخص السمّ، فسيتم إدخال سم الفئران أو "بروماديولون" بواسطة إبر حقن، حسب اعترافات أحد المتهمين. هذا وقد اقترحت إحدى عضوات المجموعة استخدام نبتة طبية مخصصة لعلاج قصور القلب، حيث تكفي 120 غراماً من أوراق النبتة لصناعة جرعة قاتلة، لكن تم التخلي عن هذا الخيار. ومن أجل التخفيف من خطورة هذا الخيار، لم يجد أحد المتهمين، وهو رئيس قطاع باريس، من تبرير سوى أن "التسميم لم يكن القصد منه القتل، بل فقط التسبب بالغثيان"، في حين أن بعض نساء المجموعة اعترفن أمام المحققين بتصدّيهن لهذه الخطة، لأنها قد تتسبب بـ"قتل عائلات بأكملها، وأناس معتدلين لا يزعجون أحداً". لكن تنصّت الإدارة العامة للأمن الداخلي كشف عن رغبة بعض أعضاء المجموعة في تنفيذ الخطة. وتنقل الصحيفة ما دار بين عضوين في المجموعة: "رأيت في منطقة سان جيرمان أون لاي (ضاحية باريس)، فتيات محجبات. كنت هناك، ولم يكن في متناولي أي شيء، وكانت لدي رغبة في... أنت تفهم ما أريد قوله".

أما الخطة الثالثة، التي ترمي إلى إلقاء قنابل على أهداف "إسلامية" مختلفة (مكتبات، سائقي سيارات أو مساجد). وهنا يكشف المحققون أن دانييل ر. (32 سنة)، كان يتجول "من دون أي عقدة" في باريس وضواحيها، وهو يحمل قنبلة في المقعد الخلفي لسيارته. كما عثر المحققون في منزله على كميات كبيرة من الأسلحة، إضافة إلى "مختبر" لصناعة المتفجرات. وتتحدث الصحيفة عن مشاريع أخرى عنيفة ظلت مجرد أقوال ومقترحات، ومنها مهاجمة "الجهاديين" بعد خروجهم من السجن، أو مهاجمة مغني الراب ميدين، الذي أثار حفلاه المبرمجان في مسرح باتاكلان، الذي تعرض لاعتداء إرهابي، بعض السجال. وتشير الصحيفة إلى أن هذه المجموعة كانت تعي أن مبادراتها تلامس الحدود التي يسمح بها القانون، ومن هنا تفكيرها في اللجوء إلى خدمات محام، ومنحه صفة "المسؤول القضائي" في المجموعة. وهكذا قدم المحامي ألبير دي بريساك، في مارس/ آذار الماضي، الكثير من التوصيات في حال اعتقال أحد أفراد المجموعة، ومنها الحق في الصمت. كما تكشف الصحيفة أن الفرنسيين عرفوا هذا المحامي في 1997، في إطار دعوى تشهير في باريس، حين دافع عن مصالح الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وعلى كل حال ينتظر الجميع، من فرنسيين ومسلمين، النتائج النهائية للتحقيق، وتحديداً ما ستقوله العدالة الفرنسية.

المساهمون