من يفهم الشعب؟

من يفهم الشعب؟

30 سبتمبر 2018
هبّ التونسيون لمساعدة أهالي نابل المنكوبة (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -
قضى التونسيون يوم أمس الأحد يعبّرون عن تضامنهم مع إخوانهم في محافظة نابل المنكوبة بعد الفيضانات التي اكتسحت كل مدنها ودمرت آلاف البيوت والمحلات والمدارس، وتوجّهت قوافل من الشباب وفتحت حسابات مصرفية للتبرع، وعمل كل شخص بما يقدر للحد من هول من حدث.

لم تكن هذه المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي يضرب فيها التونسيون مثالاً على تضامنهم الصادق أيام المحن، فقد حدث ذلك بعد الثورة عندما هبّ الجميع إلى الجنوب ينجد مئات آلاف الفارين من الرصاص، وحدث بعد ذلك في فيضانات جندوبة وثلوج عين دراهم، وغيرها من الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية التي حصلت في السنوات الأخيرة... يثبت التونسيون في كل مرة أنهم شعب قادر على تجاوز الخلافات، لا شيء يفرقه عند الاختبار، على الرغم من أنهم مختلفون في كثير من المواضيع، ولكنهم قادرون دائماً على القفز فوق كل خلاف مهما كبر، لأن هناك حالة من النضج لم تصل إليها بعد النخبة السياسية التي ركبها العناد والخلافات الشخصية وأحلام السلطة، ولا تعود إلى رشدها إلا إذا بلغ الخلاف الخط الأحمر حيث لا عودة بعده.

يؤشر هذا الاستنتاج إلى أن الشعب يفهم معنى "الوطن قبل الحزب"، في حين يتخذه الساسة مجرد شعار للمزايدة، والمفارقة أن بعض السياسيين لم يفهموا بعد أنه لا يمكن التلاعب بالناس، فهم أكثر وعياً ونضجاً، ويعرفون أنها مجرد طموحات وصراعات حكم. اجلسوا في مقاهي تونس فستستمعون إلى تفاصيل وتحليل الصراع السياسي في أدق تفاصيله، وأحسن من "أجدعها" محلل. أول أمس السبت، قال المستشفى العسكري في تونس إنّ فريقاً من الجراحين أنجز بنجاح عملية زرع شريان حيّ تم استئصاله من أمّ وزرعه في جسم طفلها (9 سنوات)، وهي عملية أجراها 7 أطباء من المستشفى العسكري وتعدّ الأولى من نوعها في العالم.

يريد هذا الشعب أن "يهبّ على وجه الدنيا" كما يقول إخواننا المصريون، وأن يبدع ويتفوق ويذهب إلى تحقيق ما أراده عندما قام بثورة، أن يتعلم ويعلّم وينهض بالأرض التي دفع في سبيلها دماء، ويدرك هذا الشعب بالخصوص أنه قادر على ذلك ولديه كل الإمكانيات التي تمكّنه من تحويلها إلى جنة ومثال يحتذى ويتبعه الآخرون. ولكن بعض الساسة لا همّ لهم إلا أنفسهم، يقتلون هذه الإرادة ويفرملون هذا الطموح وينغصون على الناس حياتهم، فمن يفهم هذا الشعب وهل من بديل؟

دلالات