تركة ثقيلة للبرلمان التونسي: محكمة دستورية وموازنة و100 قانون

تركة ثقيلة للبرلمان التونسي: محكمة دستورية وموازنة و100 قانون

28 سبتمبر 2018
يتخبّط البرلمان في بحر من الخلافات (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -
أيام قليلة تفصل النواب في تونس عن العودة إلى البرلمان، محمّلين بتركة ثقيلة وتحدّيات كبيرة مع انطلاق الدورة الخامسة والأخيرة من ولاية مجلس الشعب. ويستعدّ مكتب البرلمان لافتتاح الدورة البرلمانية الأخيرة التي تنطلق الأسبوع المقبل، مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول القادم، من خلال ترتيب بيته الداخلي وضبط حجم الكتل، وتوزيع المناصب والمسؤوليات على مستوى رئاسة اللجان وأعضاء المكتب، لا سيما بعد تغيّر المشهد البرلماني وبروز كتلة جديدة وحلّ كتلتين، ونزيف من الاستقالات هزّ كتلة "نداء تونس".

ويعدّ تكريس المحكمة الدستورية التي نصّ عليها دستور عام 2014، أكبر تحدّ أمام البرلمان التونسي الذي عجز في دورات متتالية عن انتخاب أربعة قضاة يختارهم البرلمان، حتى يتسنى للرئيس، الباجي قائد السبسي، والمجلس الأعلى للقضاء تعيين بقية الأعضاء (أربعة يعيّنهم الرئيس وأربعة آخرين يعيّنهم المجلس الأعلى للقضاء)، وإنهاء الفراغ القانوني الذي يثير قلقاً في الأوساط السياسية في البلاد.

ولم يفوّت السبسي في حواره التلفزيوني الأخير، الفرصة لتوجيه رسالة إلى البرلمان للإسراع بانتخاب المحكمة الدستورية، مشيراً إلى أنّه "لا ديمقراطية من دون مؤسسات تعمل على إنجاح الانتقال الديمقراطي". ويتخبّط البرلمان في بحر من الخلافات، إذ عجز رؤساء الكتل عن التوافق حول ثلاثة مرشحين آخرين لعضوية المحكمة الدستورية، بعد أن تمكّن بشقّ الأنفس من تمرير المرشحة الوحيدة، القاضية روضة الوسغيني. ولانتخاب بقية الأعضاء، يحتاج كل مرشّح للحصول على أغلبية لا تقلّ عن ثلثي أعضاء البرلمان، أي 145 صوتاً. لكنّ أيّ طرف لا يملك حالياً القدرة على جمع هذا العدد الذي يفترض وجود توافق واسع وإجماع، وهو غير متوفّر في ظلّ تعكّر الوضع السياسي ونهاية حقبة الوحدة الوطنية.

وفي هذا الإطار، أكّد المتحدّث باسم البرلمان التونسي، محمد بن صوف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "البرلمان يستعدّ للعودة من خلال ترتيب أولوياته وضبط برنامج عمل الجلسات العامة في افتتاح الدورة البرلمانية المقبلة، ليكون الانطلاق بانتخاب المحكمة الدستورية والنظر في قانون هيئة حقوق الإنسان، إلى جانب البتّ في قوانين واتفاقيات مستعجلة أخرى"، مشيراً إلى أنّ "المجلس وضع في برنامجه أيضاً مسألة سدّ الشغور في هيئة الانتخابات وانتخاب رئيس لها".


ولفت بن صوف إلى أنّ رئيس البرلمان محمد الناصر "سيعقد قبل انطلاق الدورة، جلسة مع رؤساء الكتل للتوافق حول النقاط الخلافية، ولتعبيد الطريق أمام الجلسة العامة الانتخابية، ولتمرير القوانين ذات الأولوية"، موضحاً أنّه "تمّ الاتفاق بين رئيس الحكومة ورئيس البرلمان حول أولويات الحكومة التشريعية، ليتم في ضوئها تعديل أولويات المجلس للفترة المقبلة".

من جهة أخرى، يقبع قرابة مائة قانون على رفوف البرلمان، بحسب الموقع الرسمي لمجلس الشعب، وغالبيتها قوانين مالية واقتصادية تعنى بإصلاح الاقتصاد ودفع التنمية في البلاد، وتستعجلها حكومة يوسف الشاهد. وتحتاج هذه القوانين لدراسة من اللجان المختصة وإلى أغلبية مريحة لتمريرها، خشية إسقاطها.

وتلقى على عاتق مجلس نواب الشعب كذلك، تركة ثقيلة من المسؤوليات والالتزامات، في مقدّمتها إرساء الهيئات الدستورية، التي عجز البرلمان التونسي مع اقتراب نهاية ولايته، عن تشكيل واحدة من بين الهيئات الأربع المنصوص عليها في دستور عام 2014.

وبقي مجلس الشعب طيلة أربع سنوات، يتخبّط في الخلافات السياسية والأزمات الداخلية للأحزاب التي نقلت حمى انشقاقاتها وصراعاتها إلى قبة البرلمان، ليقف المجلس عاجزاً أمام إتمام إرساء هيئة حقوق الإنسان وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهيئة التنمية المستدامة وهيئة الاتصال السمعي البصري. حتى أنّ الهيئة الدستورية الوحيدة القائمة، وهي هيئة الانتخابات، أُقحمت في دائرة التجاذبات السياسية، لتعصف بها الاستقالات والصراعات، وهو ما أدى إلى تعطّلها واستقالة رئيسها.

وازداد حمل البرلمان التونسي ومسؤوليته مع سقوط اتفاق قرطاج، ونهاية التوافق وحقبة الوحدة الوطنية، ليجد المجلس نفسه ملاذاً أخيراً لإدارة الحوار السياسي ولتجاوز الأزمة الخانقة.

وينتظر البرلمان أكبر امتحان مع بداية دورته الأخيرة، وهو مناقشة الموازنة وقانون المالية لسنة 2019، عقب واحدة من أحلك السنوات (2018) التي عرفتها تونس منذ الاستقلال، مع تزايد حجم المديونية وتهاوي الدينار التونسي وعجز المالية العمومية، وسط واقع اجتماعي وشعبي محتقن وآيل للانفجار.

كما ينتظر من البرلمان، على حدّ تقدير الأمين العام لـ"الاتحاد التونسي للشغل"، نور الدين الطبوبي، أن يحسم في الإصلاحات الاقتصادية الكبرى والقضايا الاجتماعية الهيكلية، باعتباره الفضاء الأنسب للحوار اليوم بعد نهاية وثيقة قرطاج.

إلى ذلك، يرى مراقبون أنّ العودة البرلمانية ستكون ساخنة، حيث ستطبخ القرارات والقوانين في غياب توافق سياسي ووسط تنافر برلماني بين كتلة "نداء تونس" والكتل الوليدة والمنسلخة عنها (الائتلاف الوطني)، وخصوصاً بعد إعلان الرئيس السبسي القطيعة مع "حركة النهضة".