باجولي... السر والرسول والرسالة

باجولي... السر والرسول والرسالة

25 سبتمبر 2018
تمتلك باريس يقين الأزمة الصحية لبوتفليقة (فرانس برس)
+ الخط -
في الغالب تعتمد الدول على كبار الشخصيات العسكرية والسياسية الموجودة خارج المؤسسة الرسمية ولا تمارس وظائف حكومية، وعلى رجال الأعمال البارزين، ضمن أدوات الاتصال السياسي وتوجيه الرسائل الدبلوماسية وجسّ نبض دول أو جماعات، على اعتبار أنّ هؤلاء لا يمثّلون المؤسسة الرسمية ولا تحسب تصريحاتهم وتحركاتهم على الدولة في حال ساء وضع أو حاد موقف، لكنها تعبّر بشكل عام عن وجهة نظر أقرب ما تكون إلى وجهة نظر المؤسسة السياسية الرسمية.

من خلال هذا الزقاق السياسي، يمكن فهم تصريحات المدير السابق للمديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي والسفير الأسبق لدى الجزائر، برنارد باجولي، بشأن وضع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إذ قال "الرئيس بوتفليقة، مع كل الاحترام الذي أكنّه له، يبقى على قيد الحياة بشكل مصطنع". خطوة فرنسية بملامح غير رسمية، لوضع الملف الطبي وحقيقة الوضع الصحي لبوتفليقة على طاولة مكشوفة للجميع. مرض الرئيس ليس سراً منذ أبريل/نيسان 2013، لكنّ السرّ في حجم وكلفة المجهود الذي يبذل لأجل إبقائه حياً بشكل "اصطناعي"، وعلاقة ذلك باستمرار مجموعته النافذة في الحكم، وتنفيذ رجله العسكري لسلسلة تغييرات باسم الرئيس في عمق المؤسسة العسكرية والأمنية، ومن ثم ترتيبات الاستحقاق الرئاسي المقبل.

أكثر من غيرها، تمتلك باريس يقين الأزمة الصحية لبوتفليقة، فقد عولِج الأخير في مستشفى "فال دوغراس" العسكري في ضواحي باريس، وفي مصحّة في غرونوبل الفرنسية أيضاً. وعندما تبوح باريس، التي تتحدّث أحياناً باسم أوروبا، بالسرّ الطبي عبر رجلها الأمني الأول سابقاً، فهي تحاول أن تضع يدها في القدر الجزائرية التي تغلي، قبل ستة أشهر من انتخابات الرئاسة، وهي ترسل إشارات سياسية بأنها تستعجل حدوث انتقال للسلطة في الاستحقاق المقبل. بمعنى أنّها لم تعد تحتمل استمرار العلاقة مع بلد مهم بالنسبة لها ولأوروبا كالجزائر، ترتبط معه بحبل طويل من الذاكرة، وكذلك الشراكات السياسية والاقتصادية والأمنية، وهو في حالة شلل على صعيد المخاطب الرسمي الأول وسيّد القرار في البلد.

إلى حدّ ما، يمكن فهم القلق الفرنسي والدولي إزاء الغياب اللافت ولفترة طويلة لرئيس الدولة، في بلد مهم وله دور حساس طاقوياً وأمنياً إزاء دول شمال المتوسط والساحل خصوصاً. لكنّ الحقيقة أنّ باريس التي تجاوزتها الأحداث السياسية وأفلتت منها عقارب الساعة الجزائرية وباتت تدور بأكثر استقلالية وأقلّ تأثيراً من اللوبي الفرنسي، تلقّت هزائم اقتصادية مُرّة في الجزائر خلال السنوات الأربع الأخيرة. إذ تراجعت من موقع الشريك الاقتصادي والتجاري الأول للجزائر، لصالح الصين وتركيا، مع حضور اقتصادي لافت للغريم الألماني. تريد باريس أن تنتقم لنفسها وتستبق الأحداث. ومن هنا، يمكن وضع تصريحات باجولي في سياق اعتراض سياسي على استمرار بوتفليقة في الحكم في عام 2019 المقبل. غمزة تشكيك في ما يتخذ من قرارات باسم ما تعتبره "الرجل الذي يعيش اصطناعياً"، وأخيراً وهو الأهم، عرض باريسي مفتوح لتفاهمات ما بعد 2019.