انتخابات ولاية بافاريا: كارثة تنتظر "الاجتماعي المسيحي" وزعيمه

انتخابات ولاية بافاريا: كارثة تنتظر "الاجتماعي المسيحي" وزعيمه

24 سبتمبر 2018
علاقة زيهوفر (يمين) بسودر مضطربة حالياً (كريستوف ستاش/فرانس برس)
+ الخط -
تظهر استطلاعات الرأي أن الحزب "الاجتماعي المسيحي" في ولاية بافاريا، بزعامة وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، سيفقد الأغلبية المطلقة في انتخابات برلمان الولاية المقررة في النصف الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لينضم طيف من الأحزاب الصغيرة إلى برلمان الولاية، بعدما تميّزت هذه الأحزاب باستقرار سياسي استثنائي ولأمد طويل، بينما كان "الاجتماعي" غالباً ما يحقق أغلبية الثلثين من أصوات الناخبين.

وبعد انتكاسة "الاجتماعي المسيحي" في الانتخابات البرلمانية العامة التي أجريت الخريف الماضي، يبدو أن الأمور هذا العام ذاهبة نحو كارثة تاريخية للحزب، وتفيد الأرقام بأنه لن ينال أكثر من 35 في المائة من الأصوات، فيما يعمل على لملمة صفوفه ورأب الصدع بين قيادييه، في ظل التفرد والتعليقات التي صدرت أخيراً عن زعيمه، والمناكفات التي أرساها مع شريكيه في الائتلاف الحاكم في برلين.

لكن خطوة "الاجتماعي" وزعيمه زيهوفر تأتي في وقت متأخر، وقبل 3 أسابيع فقط من موعد الانتخابات، إذ يُرجَّح وصول سبعة أحزاب إلى برلمان الولاية، ما يحتّم عليه البحث عن حلفاء لتشكيل ائتلاف حكومي محلي، قد يكون حزب "الخضر" أحد شركائه، الأمر الذي كان مستبعداً سابقاً، نظراً للطروحات المتباعدة بين الحزبين وفهمهما المغاير للسياسة، لتتزايد التكهنات بلمّ شمل أحزاب "الخضر" و"الاشتراكي" و"الليبرالي الحر" و"اليسار".

حياة زيهوفر السياسية الطويلة شهدت العديد من الانتكاسات، إلا أن حضوره في مؤتمر الحزب الذي انعقد في ميونخ، في 15 سبتمبر/أيلول الحالي، جاء ليبرهن أن الأسوأ بالنسبة لزيهوفر قد حان منذ أن تبوأ زعامة الحزب قبل 10 سنوات. وبدا أن غالبية المندوبين فقدوا كل الاحترام لرئيسهم، وذلك بعد أن أخفق من خلال تعليقاته ومشاكساته في برلين حول سياسة الهجرة وترحيل اللاجئين إلى أفغانستان، وعدم استنكاره لأحداث كيمنتس وما قام به اليمين المتطرف من شغب ومطاردة وتعقب للاجئين، لتسقط كل النجاحات التي تحققت في بافاريا. كما توقف المندوبون عند الرسالة المفتوحة التي وجّهتها منظمات حقوقية ألمانية أخيراً إلى زيهوفر، حمّلته فيها مسؤولية تشجيعه للأفعال التي يقوم بها اليمين المتطرف واتهام اللاجئين بالمسؤولية عن المشاكل في ألمانيا، ومن أنه لا يتصرف بمسؤولية تجاه مصالح جميع الألمان وأمنهم وعليه الاستقالة من منصبه.

وظهر مندوبو الحزب أيضاً متعبين من زيهوفر، وبدأت تساق الاتهامات ضده انطلاقاً من أنه قام بضرب صدقية الحزب والناخبين البافاريين المحتملين بفعل مواقفه ومساندته لرئيس المخابرات الداخلية هانس غيورغ ماسن، على الرغم من تأكيد الفيديوهات ملاحقة المتطرفين للاجئين والأجانب في كيمنتس، علماً أن حزب "البديل" المتطرف أعلن صراحة أن مسؤولين منه التقوا ماسن الذي أدلى ببعض المعلومات، وهذا ما يتعارض مع دوره الوظيفي، عدا عن انفتاح زيهوفر على الأفكار المتشددة للمستشار النمساوي سيباستيان كورتز ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان تجاه الهجرة واللاجئين.

تراجع "الاجتماعي" أظهرته الأرقام والمؤشرات الانتخابية، ليبدو أمام كارثة انتخابية. ويرى محللون ألمان أن السبب الرئيسي لذلك قد يكون التخبّط الذي يعيشه الحزب، فلم يعد هناك من خط واضح يمكن أن يعرّف عن نهجه السياسي، وبات المنافسون من الأحزاب الأخرى يلحقون به وبفارق أقل من 20 في المائة، وهذا مؤشر سلبي انطلاقاً من أن "الاجتماعي" لم يحصل منذ ستة عقود على أقل من 40 في المائة من الأصوات. حتى أنه بين أعوام 1970 و2003، حصل الحزب على أكثر من 50 في المائة من الأصوات، وفي انتخابات 2008 السيئة بالنسبة له، لم تنخفض نسبة مؤيديه عن 43 في المائة.


وحاول زيهوفر في الفترة الأخيرة تغيير استراتيجيته، بعدما حيّد سابقاً "البديل" في تصريحاته، فقام أخيراً بالتصويب على اليمين الشعبوي واتهامه بأنه مدمر للدولة، حتى أن الأمين العام للحزب ماركوس بلوم، قال "نحن بحاجة إلى أحزاب شعبية لا قومية". لكن متابعين يرون أن الخشية تبقى من أن يحرج الهجوم على "البديل" الحزب "الاجتماعي" في معقله، بعد النقمة على السياسات العامة التي اتّبعها، وتراجع اهتماماته بالقضايا الاجتماعية التي تهم مواطنيه، ومنها التعليم الأفضل والحد من كلفة النظام الضريبي وتحسين التقاعد والخدمات الطبية ومساندة المزارعين وأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة، مشيرين إلى أن المجتمع البافاري يعيش على مستوى من الثقة المضمونة تاريخياً وسياسياً. في المقابل، هناك وجهة نظر تقول إن سعي "الاجتماعي" لرفع معنويات مناصريه وإقناع المترددين بانتخابه، يعود إلى واقع أن الولاية، الواقعة جنوب البلاد، ما زالت الأكثر أماناً في ألمانيا وسيكون لديه ما يكفي من الحجج ليس فقط لمحاربة اليمينيين الشعبويين، بل لدحض الشعارات والاتهامات التي تساق بحقه.

وفي السياق نفسه، يقول باحثون سياسيون ألمان، إن ما أوصل "الاجتماعي" إلى هذه الحال، يعود إلى محاولته تحقيق توازن بين مجموعات لها اهتمامات مختلفة، فأصبح من دون مصداقية، ناهيك عن أن الزمن تغير، والبرجوازية لدى مناصري "الاجتماعي" لم تعد كما في السابق تتبع الكنيسة، إضافة إلى النظرة غير المريحة من قبل الممولين لمقاربة المستشارة أنجيلا ميركل، زعيمة "الاتحاد المسيحي" الذي يضم "الاجتماعي المسيحي"، لسياسة اللجوء، وسلوك زيهوفر اللاعقلاني في برلين.

وفي حين عارض رئيس الحكومة المحلية والمرشح الرئيسي للحزب في الانتخابات، ماركوس سودر، مسيرة اليمين المتطرف، قال زيهوفر إنه لو لم يكن وزيراً لانتقل إلى شوارع كيمنتس وانضم إلى صفوف المتظاهرين من اليمين الشعبوي والمتطرف. وبدلاً من معالجة الحزب للقضايا المهمة المتعلقة بالمستقبل والمجتمع بطريقة جدية، كرس وقته لمعاندة ميركل في ملف الهجرة، علماً أنه دخل الائتلاف الحكومي بإطار ورقة موحّدة مع شريكيه حزبي "الاشتراكي" و"المسيحي الديمقراطي"، والتي تضمّنت استقبال عشرات الآلاف سنوياً من اللاجئين، مع إعادة العمل بلمّ شمل أسر اللاجئين الذين يتمتعون بالحماية الثانوية، إلا أنه عاد لنغمة إقامة مراكز لجوء على الحدود، تكون أشبه بمعسكرات اعتقال.

وطغى حضور "الاجتماعي" عبر زعيمه، وتناقضاته السياسية، على نجاح سياسة الحزب في بافاريا، في حين هناك الكثير من الإشادة بسودر، والذي تقول أوساط الحزب إنه على علاقة مضطربة بزيهوفر نتيجة تفرّد الأخير بالقرارات وابتعاده عن السياسة العامة للحزب.
في المحصلة، يمكن القول إن هناك قناعة لدى محازبي "الاجتماعي" بأن زيهوفر بدأ يطوي صفحته السياسية الأخيرة، فبعد المؤتمر الأخير للحزب تعزز الانطباع بأن رحيل زيهوفر من منصبه لن يكون محزناً، بعد أن أجّج عمداً النزاع مع ميركل حول اللجوء، وأعرب عن تفهّمه لأعمال الشغب من قِبل اليمين المتطرف والشعبوي، إلى دفاعه أخيراً أمام المندوبين عن سياساته تجاه اللاجئين.