صراع أم عقاب رئاسي: هل دفع السيسي عرفان للاستقالة؟

صراع داخلي أم عقاب رئاسي: هل أجبر السيسي عرفان على الاستقالة؟

02 سبتمبر 2018
إبعاد عرفان (يمين) جاء مخالفاً للنصوص الدستورية (العربي الجديد)
+ الخط -
منح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الرئيس السابق لهيئة الرقابة الإدارية اللواء محمد عرفان، مساحة الحديث العلني في كل مناسبة رسمية وعن كل المجالات تقريباً، من الفقر المائي إلى مشاريع النقل والمواصلات، ومن تجديد البنية المعلوماتية للموانئ الجوية والبحرية إلى التباهي بإحصائيات تزعم أن مصر باتت من أعلى 20 دولة في مكافحة الفساد، قبل أن يُبعده عن رئاسة الهيئة وبالتالي يحرمه من هذه المساحة، على نحو مفاجئ، يوم الخميس الماضي، فيما أعلن رسمياً أمس السبت قرار تعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية للحوكمة والبنية المعلوماتية.

إبعاد عرفان، أياً كان منصبه الجديد، يخفي وراءه كثيراً من الأسرار التي لم يبح بها المحيطون بالسيسي وبعرفان حتى الآن، بل يمكن تصنيف هذا القرار بأنه الأغرب في سلسلة قرارات السيسي المتلاحقة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي بإبعاد شخصيات كانت لها حظوة واسعة في نظامه السياسي، والتي بدأت بصهره رئيس الأركان السابق محمود حجازي، وتواصلت مع وزير الدفاع السابق صدقي صبحي ومستشاره الشخصي إبراهيم محلب ومدير المخابرات السابق خالد فوزي.

فإبعاد كل شخص من سالفي الذكر كانت له ظروف معينة سواء تنفيذية، أو سياسية، أو حتى ما يتعلق بطموح السيسي الذي تحقق بإحكام السيطرة على المجلس الأعلى للقوات المسلحة. لكن إبعاد عرفان هو قرار يأتي من سياق مجهول، ولا يمكن للمتابعين الاقتناع بأنه مجرد تغيير للموقع الذي يؤدي منه خدماته للسيسي، كما حاول النائب مصطفى بكري إيهام الرأي العام بحديثه عن "أن عرفان سلّم الراية لخليفته شريف سيف الدين، بنفسٍ راضية بأن يكمل مسيرته كجندي مقاتل في موقع آخر".

المؤشرات على غرابة إبعاد عرفان كثيرة؛ أبرزها ذات طابع قانوني ودستوري، فالدستور المصري ينص في مادته 216 على أن "يُعيّن رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية، بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يُعفى أي منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة بالقانون، ويحظر عليهم ما يحظر على الوزراء".

وعرفان الذي كان يحتفظ بدرجة وزير، كان قد عُيّن رسمياً رئيساً للرقابة الإدارية في 5 إبريل/نيسان 2017، إذ صدر قرار السيسي بتعيينه في ذروة قوة عرفان وهيئته، كشريك للواء عباس كامل في إدارة الدائرة المحيطة بالسيسي من ضباط المخابرات والرقابة، وكحاكم باسم السيسي على أروقة الوزارات والهيئات الحكومية.
ليس هذا فحسب، بل إن تعيين السيسي لعرفان رئيساً للهيئة بعد عامين من توليه منصب "قائم بأعمال الرئيس"، اعتُبر في وقتها ترسيخاً لقوة شخصية عرفان وصلاحياته ونفوذه، ودفع به هذا التعيين إلى صدارة ترشيحات رئاسة الحكومة خلفاً لرئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل، في ظل رئاسة عرفان الفعلية لحكومة ظل تتمثّل في ضباط الرقابة الإدارية المتحكمين مباشرة في تصرفات الوزارات والمصالح الحكومية والمرتبطين بمكتبه الفني، الذي يشغل عضويته نجل الرئيس المصري، الضابط مصطفى السيسي.

ودائماً ما اعتُبر عمل نجل السيسي في الرقابة الإدارية دليلاً على الاهتمام الذي أولاه السيسي منذ وصوله لرئاسة الجمهورية بالرقابة الإدارية، إذ أجرى تعديلات واسعة على هيكلها دافعاً بأعداد كبيرة من ضباط المخابرات الحربية والمخابرات العامة للعمل بها بدلاً من ضباط الشرطة. ثم عيّن عرفان مديراً لها، وهو صديقه القديم الذي عمل معه منذ التسعينيات في المخابرات الحربية. بعدها بدأت حملة إعلامية ما زالت مستمرة، لإبراز دور الهيئة وضبطياتها ودورها في الرقابة على الأجهزة الحكومية ومشاركتها في بعض الحملات الخدمية والاجتماعية، وصولاً إلى إسناد اختصاص الإشراف على إدارة مشاريع بعيدة تماماً عن اختصاصها المحدد قانوناً، كالمشروع القومي للمعلومات المعروف بـ"بناء ذاكرة الأمة"، ومدينة دمياط للأثاث، وتطوير ميناء الإسكندرية وميناء سفاجا البحري، وتطوير القناة الأولى الحكومية، واستثمار أموال الهيئة في مشاريع استثمارية مختلفة.


وبعد تعيين عرفان رئيساً للهيئة، منحه السيسي صلاحية أخرى، هي العمل على تعديل القانون المنظّم للهيئة بما يضمن توسيع صلاحياتها واختصاصاتها بتوسيع سلطة التحري والكشف والضبط في جرائم الاستيلاء ومحاولة الاستيلاء على المال العام، والتربّح مقابل تحقيق المنفعة بالنسبة للموظفين العموميين وجميع شاغلي المناصب العامة بالجهات المدنية. وكذلك الجرائم المذكورة في قانون البنك المركزي بما في ذلك جرائم تهريب النقود الأجنبية، والجرائم المنصوص عليها في قانون زرع الأعضاء البشرية وقانون مكافحة الاتجار بالبشر، وغيرها من الملفات التي لم تكن تدخل في اختصاص الرقابة الإدارية من قبل.

وعلى الرغم من اعتراض بعض الدوائر الأمنية والقانونية داخل النظام على ذلك التوسع، إلا أن السيسي ضرب بالاعتراضات عرض الحائط، وأيّد توجّه عرفان وأصدر التعديلات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ومن بين المواد الجديدة التي صدرت في ذلك القانون، المادة 12 التي تنص على أن "يعيّن رئيس هيئة الرقابة الإدارية بدرجة وزير لمدة واحدة مدتها 4 سنوات، بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه".
أما في حالة رغبة رئيس الجمهورية في عزل رئيس الهيئة، فيُطبّق عليه قانون تحديد حالات إعفاء رؤساء الهيئات الرقابية، الذي أصدره السيسي في يوليو/تموز 2015، واستخدمه مرة واحدة فقط لعزل المستشار هشام جنينة من رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو ينص على وجوب توافر حالة واحدة من أربع حالات ليصدر رئيس الجمهورية قراراً بعزل رئيس الهيئة الرقابية؛ وهي: "إذا قامت بشأنه دلائل جدية على ما يمس أمن البلاد وسلامتها، أو إذا فقد الثقة والاعتبار، أو إذا أخلّ بواجبات وظيفته بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو مصلحة إحدى الشخصيات الاعتبارية العامة، وإذا فقد أحد شروط توليه منصبه لغير الظروف الصحية".

ومن استعراض النصوص الدستورية والقانونية السابقة، يتضح أن السيسي تجاهلها كلها لدى إبعاده عرفان وتعيين مدير سلاح المشاة في الجيش اللواء شريف سيف الدين بدلاً منه. فمن جهة، لم ينتظر السيسي انعقاد البرلمان ليحصل على موافقته على التعيين، وأدى الرئيس الجديد للهيئة اليمين الدستورية من دون أن يوافق مجلس النواب على ذلك، بالمخالفة للمادة 12 من قانون الرقابة الإدارية. ومن جهة أخرى، غادر عرفان منصبه بعد مضي سنة واحدة من فترته الرسمية كرئيس للهيئة، على الرغم من أن الدستور يحظر عزله إلا في حالات معينة حددها القانون، ولم تطبق عليه أي منها بحسب الظاهر من بيانات الرئاسة وقرارات السيسي المنشورة في الجريدة الرسمية.

وتحيط هاتان المسألتان قرار السيسي بغموض استثنائي، فلا يُعرف حتى الآن سبب استعجال السيسي لإبعاد عرفان واختيار رئيس غيره قبل شهر واحد من عودة البرلمان للانعقاد. كما أن مؤهلات رئيس الهيئة الجديد مثيرة للتساؤل، فعرفان أيضاً كان ضابطاً في الجيش لكنه كان متخصصاً في الملفات المالية والإدارية وحاصلاً على الدكتوراه في التجارة، مقابل سيرة ذاتية عسكرية عادية لخليفته شريف سيف الدين، الذي تقتصر علاقته بالمحاسبة بحصوله على بكالوريوس تجارة من جامعة عين شمس بنظام الانتساب.

وترجح مصادر حكومية بناء على هذه المعطيات، أن يكون السيسي قد أرغم عرفان على الاستقالة، حتى لا يكون قراره بعزله غير قانوني. كما ترجح المصادر أن يكون الأمر وليد أزمة حدثت خلال الأسبوع الماضي فقط، ربما تكون ناتجة عن صراع على قيادة دائرة السيسي بين عباس كامل وعرفان، وربما تكون على خلفية تخطي عرفان للسيسي في بعض الأمور التنظيمية داخل هيئته، مشيرة إلى أن عرفان كان حاضراً لإحدى فعاليات السيسي في وقت سابق خلال أغسطس/آب الماضي، وكان يبدو "مرتاحاً وواثقاً كالعادة".

وكان عرفان مشرفاً على تنفيذ خطة السيسي للدفع بعشرات ضباط الرقابة الإدارية داخل دواوين الوزارات لأداء عدة أدوار مهمة من شأنها بسط رقابة الهيئة ومن خلفها دائرة السيسي الخاصة على القرارات التنفيذية والتعاملات المالية المختلفة في دواوين الوزارات وإدارات المصالح الحكومية، لتحل هذه السيطرة الرقابية تدريجياً بدلاً من التحكم الأمني في القيادات التنفيذية والذي كان معمولاً به في العقد الأخير من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

المساهمون