لماذا يستعجل بوتين احتواء التصعيد مع إسرائيل؟

لماذا يستعجل بوتين احتواء التصعيد مع إسرائيل؟

20 سبتمبر 2018
نتنياهو وبوتين خلال اجتماع في الكرملين(ميخائيل سفيلتوف/Getty)
+ الخط -
سارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لنسف الرواية التي قدمها وزير دفاعه سيرغي شويغو، وتبرئة إسرائيل من سقوط الطائرة الروسية "إيل 20" في اللاذقية بعدما أصيبت بمضادات تابعة للنظام السوري انطلقت رداً على قصف إسرائيلي، ليل الاثنين الماضي، في دلالة واضحة على رغبة الكرملين في إغلاق هذا الملف، على اعتبار أن تفجر أزمة مع إسرائيل لا يخدم المصالح الروسية.

ولم تتمكن إسرائيل من تفنيد الاتهامات التي وجهتها وزارة الدفاع الروسية والتي جاء فيها أن سقوط 15 جندياً روسياً، كنتيجة غير مباشرة للقصف الإسرائيلي في منطقة اللاذقية، يعد تجاوزاً للخطوط الحمراء الروسية، التي استند إليها التنسيق بين إسرائيل وروسيا، والتي تقوم على محددين أساسيين، وهما ألا تتسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية بالمسّ بالقوات الروسية، وألا تسهم في إسقاط نظام بشار الأسد. في المقابل، اختار بوتين القول إن سقوط الطائرة "مرده على الأرجح إلى سلسلة ظروف عرضية مأساوية".

يوجد العديد من العوامل التي دفعت بوتين لاحتواء الأزمة مع إسرائيل وتجاوزها. العمليات العسكرية التي تنفذها إسرائيل في سورية، والتي كان آخرها استهداف مرافق عسكرية في محيط اللاذقية، والهادفة إلى منع تمركز إيران عسكرياً هناك، ربما تمثل مصلحة روسية أيضاً، بحسب الرأي الذي يعتقد بوجود خلاف روسي إيراني في سورية.
وبعد تأمين استقرار نظام الأسد وتراجع الحاجة إلى المليشيات الشيعية، كقوة مشاة تكمل الجهد الجوي الروسي، برز الخلاف الإيراني الروسي بشأن مستقبل سورية. روسيا متحمسة للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع الدائر تمكنها من إضفاء شرعية على مكتسباتها من التدخل العسكري، وتضمن لها تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة من خلال احتكار مشاريع إعادة الإعمار هناك. لكن روسيا غير معنية بأن تتخذ إسرائيل والولايات المتحدة من الوجود العسكري الإيراني مسوغاً لزيادة وتيرة تدخلهما هناك، بشكل يقلّص من فرص التوصل لتسوية سياسية للصراع.
إلى جانب ذلك، فإن بوتين، يعي أن أية مواجهة مع إسرائيل، على خلفية العمليات التي تشنها الأخيرة لاستهداف الوجود العسكري الإيراني والشيعي بشكل عام في سورية ستؤدي إلى تصعيد كبير للأزمة الحالية بين واشنطن وموسكو، لا سيما على خلفية الجدل الدائر في الولايات المتحدة بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وما سيزيد من دافعية واشنطن للتدخل، في حال تم التصعيد بين تل أبيب وموسكو على خلفية الوجود العسكري الإيراني في سورية، حقيقة أن هذا التصعيد يتزامن مع قرب وصول التحرك الأميركي ضد طهران إلى أوجه في أعقاب انسحاب إدارة دونالد ترامب من الاتفاق النووي وشروعها في سلسلة من العقوبات الاقتصادية ضد إيران.
يوجد أساس للاعتقاد بأن الروس يخشون أن تقدم إسرائيل والولايات المتحدة، في حال تعاظم التوتر بين موسكو وتل أبيب، على استهداف نظام الأسد وليس فقط الوجود العسكري الإيراني والمليشيات الشيعية. ويعنيّ هذا الأمر المسّ بأهم أهداف موسكو في سورية المتمثل في ضمان استقرار هذا النظام.

كما أنه ليس من مصلحة موسكو التصعيد مع تل أبيب تحديداً في الوقت الذي يعود فيه الجدل داخل واشنطن حول الوجود العسكري الأميركي في سورية، والحديث مجدداً عن نية الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من هناك. يضاف إلى ذلك أن إسرائيل وروسيا تقرّان بأنهما مرتبطتان بتعاون استخباري وأمني في مواجهة "التشكيلات الإرهابية"، كما وصف ذلك نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، في زيارته الأخيرة لإسرائيل.
كما أن بوتين معني باختبار تلميحات إسرائيل بأنه بإمكانها المساعدة في التوصل لصفقة بين موسكو وواشنطن تهدف إلى تسوية الخلاف بين الطرفين بشأن الأزمة الأوكرانية وتضع حداً للعقوبات الأميركية التي أرهقت روسيا.
وعلى الرغم من أن تبعات التحقيقات التي يجريها المحقق الخاص روبرت مولر في قضية التدخل الروسي بالانتخابات الأميركية لا تساعد على توفير بيئة تضمن التوصل لهذه الصفقة حالياً، إلا أن الروس يأملون أن تطرأ تحولات على الواقع السياسي الأميركي الداخلي بشكل يسهّل هذه المهمة على إسرائيل. ويقلّص هذا الأمر مستوى الدافعية الروسية للانخراط في مواجهة مع إسرائيل.

دلالات