"كامب ديفيد"... أربعون عاماً على "الكارثة"

"كامب ديفيد"... أربعون عاماً على "الكارثة"

17 سبتمبر 2018
تحلّ اليوم الذكرى الأربعون لتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" (Getty)
+ الخط -
كانت البداية في مثل هذا اليوم قبل 40 عاماً، في السابع عشر من سبتمبر/ أيلول عام 1978، عندما قرر الرئيس المصري الراحل، محمد أنور السادات، بشكل منفرد، ومن دون أي موافقة عربية، التوقيع على اتفاقية "كامب ديفيد"، التي كان طرفها الآخر رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي السابق مناحم بيغن.

فتحت تلك الاتفاقية الطريق فيما بعد إلى توقيع مصر اتفاقية "سلام" بينها وبين الكيان الصهيوني في مارس/ آذار من عام 1979، وضعت نهاية لدور مصر الريادي في الدفاع عن قضية العرب الأساسية فلسطين، وذلك بعد 5 حروب مع العدو الإسرائيلي دفعت فيها بلاد النيل من دماء أبنائها الكثير، والآن يقدر عدد الإسرائيليين الذين زاروا سيناء المصرية هذا العام بـ100 ألف، ولا يحتاج الإسرائيلي إلى تأشيرة دخول إلى سيناء بموجب اتفاقية "السلام". ليس ذلك فقط، بل إن إسرائيل، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، تقوم بغارات جوية في مصر بموافقة النظام المصري، وخلال العامين الماضيين نفذت القوات الجوية الإسرائيلية أكثر من مائة طلعة جوية داخل سيناء بموجب اتفاق سري بين القاهرة وتل أبيب.

وشكّل الاتفاق حلقة مفصلية من حلقات الصراع العربي الإسرائيلي، إذ إن معظم الحلقات اللاحقة حملت هزائم متتالية للعرب، سواء في الواقع الجغرافي أو السياسي بالمنطقة، حتى وصلنا اليوم إلى ما يسمى بـ"صفقة القرن".

أستاذ العلوم السياسية المصري، حسن نافعة، كان شاهداً على تلك الفترة من تاريخ مصر، وقال في الذكرى الأربعين لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، عبْر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "وقتها كان إعلام النظام يروّج لمقولة أن عصر السلام والازدهار بدأ في مصر، وكان رأيي أن السلام مع إسرائيل مستحيل، وأن عصر التفكك والهوان هو الذي بدأ (راجع كتابي المنشور عام 1984 مصر والصراع العربي الإسرائيلي من الصراع المحتوم إلى التسوية المستحيلة)".

بينما يقول الخبير العسكري، اللواء عادل سليمان، إنه مضت أربعون عاماً على انعقاد مؤتمر كامب ديفيد الشهير في عام 1978، الذي أصبح علامة فارقة في تاريخ الشرق الأوسط والعالم العربي، وطبيعة العلاقات الإقليمية والدولية، والأهم دخول القضية الفلسطينية في نفق شديد الغموض، حيث أفلت زمام الأمور فيها من يد العرب باعتبارهم طرفاً أساسياً في الصراع الدائر في المنطقة تحت عنوان "الصراع العربي الإسرائيلي"، وانتقل زمام الأمور إلى الطرف الآخر، العدو الإسرائيلي، منفرداً وبرعاية أميركية.

وذكر سليمان أن المهم أن اتفاقيات كامب ديفيد تلك، التي تم التوقيع عليها في 17 سبتمبر/ أيلول 1978، تضمنت ورقتين: إطار عمل من أجل السلام في الشرق الأوسط، وإطار عمل لعقد اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل. 


 

ويضيف، في مقال نشره "العربي الجديد"، أن "صفقة القرن ليست وهماً ولا خدعة، وضع كارتر أسسها في كامب ديفيد عام 1978"، وقد جرت في وديان العالم العربي مياه كثيرة، ودماء عربية أكثر، وتبدّلت مسميات، وتغيرت مفاهيم، فلم يعد اليوم هناك من يتحدث عن صراع عربي- إسرائيلي، ولا عن قضية فلسطينية. وتحوّل الأمر إلى مجرد مشكلة بين دولة إسرائيل ومجموعة من السكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة وقطاع غزة. ولأن الطرف الذي بيده زمام الأمور، وهو الطرف الصهيوأميركي، رأى أن الوقت قد حان لتصفية هذا الأمر، وإعلان دولة العدو الإسرائيلي عبرية يهودية، شرق أوسطية، وعاصمتها القدس. وبدأ تنفيذ السيناريو الموضوع منذ كامب ديفيد لتصفية القضية بطرح فكرةٍ غامضةٍ تحت عنوان "صفقة القرن"، يرعاها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. ولاقت الفكرة القبول من أكثر من زعيم عربي، حتى قبل الإفصاح عن مضمونها، على اعتبار أن الصفقة ستقدم حلاً لقضيةٍ مزمنةٍ يتطلعون إلى التخلص من تبعاتها.

الكاتب الصحافي المصري الناصري عبد الله السناوي نقل، في مقال له أمس، شهادة الوزير المستقيل من حكومة السادات محمد إبراهيم كامل، في كتابه "السلام الضائع"، أن "السادات أقدم على تنازلات جوهرية عديدة لإرضاء الرئيس الأميركي دون اعتبار لأية مصالح مصرية".

وأضاف السناوي أنه "رغم ذلك كله فهناك من يحتفي اليوم بمنح السادات ميدالية الكونغرس الأميركي في أربعينية الكارثة التي حلت بنا"، ثم أضاف: "بمُضي الوقت استقرت حقائق المشروع المضاد ووقعت اتفاقيات مماثلة نزعت عن العالم العربي اعتباره ومناعته.. وأسس تفكيك نظرية الأمن القومي باسم السلام مع إسرائيل لتراجع المكانة المصرية في محيطها وقارتها وعالمها الثالث".

السناوي عاد في مقاله الذي نشرته "الشروق المصرية" الأحد إلى يوم الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1977، وتحديداً اجتماع مجلس الأمن القومي المصري الذي دعا إليه الرئيس السادات، ووصف ذلك اليوم قائلاً: "ران صمت كامل على الاجتماع.. وكانت المفاجأة صاعقة والسادات يقول: أنا مستعد أن أذهب إلى القدس، وأن ألقي خطاباً في الكنيست الإسرائيلي، إذا كان ذلك يمكن أن يحقن دم أولادي".

ويؤكد السناوي أنها "كانت المرة الأولى التي ترِد على لسانه هذه العبارة الفارقة، قبل أن يرددها بحذافيرها بعد أربعة أيام في خطاب ألقاه أمام مجلس الشعب".

وبحسب مذكرات إسماعيل فهمي، فإن وزير الدفاع المصري آنذاك، الفريق أول عبد الغني الجمسي، قطع الصمت المطبق من فرط الصدمة وصاح فجأة وهو يلوّح بذراعيه: "لا كنيست.. لا كنيست.. ليس هذا ضرورياً". وكان الجمسي كما وصفه إسماعيل فهمي، من الرجال الذين يلتزمون النظام بصورة تامة، فلم يكن يتدخل في الحديث، أو يشعل حتى سيجارته، قبل الحصول على إذن، لكنه في هذه اللحظة خشي أن يكون السادات يعني ما يقول.

تجاهل السادات الجمسي ولم ينطق بكلمة واحدة رداً عليه، ومضى يتكلم في موضوعات أخرى وكأنه لم يسمع ما قاله وزير الدفاع إطلاقاً.

يواصل السناوي سرْد الحكاية قائلاً: "عندما أعلن السادات ذات العبارة مرة أخرى من على منصة مجلس الشعب، تصادف أن الجمسي كان بجوار إسماعيل فهمي، على مقاعد الوزراء، فمال على وزير الخارجية هامساً "ها هو يقولها مرة أخرى!".. وزير الخارجية مع ذلك كله لم يأخذ الأمر جدياً.. وبعد أن انتهى السادات من إلقاء الخطاب توجه إلى البهو الملحق بالمجلس، وهناك قال بصوت مرتفع أمام الجميع: لقد كانت زلة لسان.. أرجوك يا إسماعيل أن تحذف هذه الجملة من الخطاب". ونفذ إسماعيل فهمي التعليمات فوراً، وطلب من رؤساء تحرير الصحف أن يتجاهلوا هذه العبارة الخاصة بزيارة القدس والكنيست، غير أن السادات عاد فور نشر وكالات الأنباء والمحطات التلفزيونية العالمية الخبر، وطلب من نفس رؤساء التحرير أن يتجاهلوا تعليمات وزير الخارجية، الذي استقال من منصبه بسبب ذلك.

وقّع السادات على اتفاقية "كامب ديفيد" بعد 12 يوماً من المفاوضات في منتجع كامب ديفيد في ولاية ميريلاند القريبة من العاصمة الأميركية واشنطن. 

وكانت المفاوضات والتوقيع على الاتفاقية تحت إشراف الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر. ونتجت عن هذه الاتفاقية تغييرات سياسية عدة، إذ تم تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية من عام 1979 وحتى عام 1989، ومن جهة أخرى حصل السادات وبيغن مناصفة على جائزة نوبل للسلام عام 1978، لـ"الجهود الحثيثة في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط".