المصالحة الفلسطينية أبعد من أي وقت مضى

المصالحة الفلسطينية أبعد من أي وقت مضى

18 سبتمبر 2018
عباس لا يريد "الإضرار بالإسرائيليين" (عباس مومني/ فرانس برس)
+ الخط -
في الوقت الذي أصبحت فيه التهدئة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة "حماس" بعيدة المنال، بعد وقوف الرئيس محمود عباس بكل ثقله ضدها، لدرجة المجازفة بعلاقاته مع مصر، باتت المصالحة أيضاً أبعد من أي وقت مضى. وعليه، يبدأ وفد حركة "فتح" جولة جديدة من الحوار مع المصريين، اليوم الثلاثاء، في القاهرة، ويضمّ الوفد أعضاء مركزية "فتح" عزام الأحمد، وحسين الشيخ، وروحي فتوح، ومحمد اشتية.
وتشير المعطيات إلى أن حركة "حماس" لن ترسل وفدها إلى القاهرة، على الأقل حتى نهاية الشهر الحالي، وأنه لن يكون أي حوار مباشر بين طرفي الانقسام "فتح" و"حماس" على المدى المنظور.

في هذا الإطار، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، عضو مركزية حركة "فتح" عزام الأحمد، في تصريحات لإذاعة "فلسطين" الرسمية، إن "الوفد سيستمع للجانب المصري لردّ حركة حماس على الورقة المصرية، وكذلك لاستكمال المشاورات الخاصة بالمصالحة". وأضاف أنه "إذا كان هناك رد إيجابي لحماس، سيتم الاتفاق مع المصريين على الخطوة التالية".



 لكن مصادر فتحاوية مطلعة، تحدثت مع "العربي الجديد"، أفادت بأن "حماس لم ترد رداً إيجابياً على المصريين بشأن رد فتح ومقترحاتها، وأن هذه الجولة من الحوار بين فتح ومصر هدفها إحداث اختراق لتقريب وجهات النظر قبل خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة المقرر في 27 سبتمبر/ أيلول الحالي".

من جهته، رأى عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد اشتية في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بأن "هناك منظورين متوازيين للمصالحة لم يلتقيا حتى الآن: منظور حركة حماس للمصالحة المبني على التقاسم الوظيفي لقطاع غزة، ومنظور حركة فتح المبني على شرعية واحدة وسلطة واحدة ورجل أمن واحد، وموازنة واحدة، ومصدر نفقات واحد". وأضاف أن "منظور فتح يتمحور حول أننا نريد المصالحة الشاملة، لا معالجة ملف تلو الآخر، ونرى أن المصالحة هي أساس لبناء التهدئة وإعادة إعمار قطاع غزة عليه، فضلاً عن الحاجة إلى اتفاق سياسي حول البرنامج السياسي للفلسطينيين".

ولفت إلى أن "الأمر ليس متعلقاً فقط بقضايا فنية. الأمر بالنسبة لنا هو أساساً الاتفاق على برنامج سياسي، دولة فلسطينية وعاصمتها القدس وحق العودة للاجئين. هذا أساس البرنامج السياسي لمنظمة التحرير، وحتى هذه اللحظة لا يوجد اتفاق على مختلف هذه القضايا". وقال: "نحيي الجهد المصري، ونريد لمصر أن تبقى راعية المصالحة، لأن لها مصلحة في المصالحة، وإذا تعذّر التقاء وجهة النظر الفتحاوية مع وجهة نظر حماس، فنحن جاهزون للاحتكام إلى الشعب الفلسطيني بانتخابات حرة ونزيهة، كما هي العادة في فلسطين".



وجاء اللقاء بعد تعطّل واضح لكل جهود التهدئة بين حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي التي نشطت خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتي رفضها الرئيس محمود عباس رفضاً كاد يُحدث أزمة بينه وبين مصر.
وأشارت مصادر فلسطينية مطلعة على كواليس الاتصالات التي جرت مع القاهرة، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الرئيس وضع كل ثقله لإنهاء أي أمل لحركة حماس في إبرام تهدئة ثنائية مع الاحتلال الإسرائيلي عبر الوساطة المصرية".
ورغم أن القيادة الفلسطينية بجميع مستوياتها ما زالت تحافظ على تصريحات "الإشادة" و"الشكر" عبر الإعلام للقيادة المصرية، إلا أنها خلف الكواليس تتحدث عن "تنكر مصر للقيادة الفلسطينية الرسمية ممثلة بالرئيس عباس، وسعيها لإبرام التهدئة مهما كلّف الأمر، عبر الضغط عليه لإعطاء الشرعية لاتفاق التهدئة".

وكان نائب رئيس حركة فتح عضو اللجنة المركزية محمود العالول، قد ذكر خلال ندوة سياسية في نابلس، في 11 سبتمبر/ أيلول الحالي أن "العلاقات مع المصريين كادت تصل إلى حالة من القطيعة، لكن هناك مساعي لترميم العلاقة مع مصر، وهناك وفود واجتماعات قريبة ستعقد في رام الله والقاهرة في سبيل ذلك".

وأفادت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" بأن "الوفد الأمني المصري الذي التقى عباس في رام الله في الأول من الشهر الحالي، وما سبقه من اتصال هاتفي بين عباس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كلها كانت جهود لإبقاء قناة الحوار مفتوحة بين الطرفين، أي مصر وعباس".

من جهته تمسّك الرئيس الفلسطيني بموقفه قائلاً "لن أعطي شرعية لأي تهدئة مباشرة مع حماس والمصالحة أولاً"، أما مصر، وعبر وفدها، فأكدت: "أن مصلحتها في حدود آمنة مع غزة أولاً، ولن ننتظر انفجار القطاع في وجهنا، وليست هناك مشكلة في العمل على التهدئة والمصالحة بشكل متوازٍ".

الوفد المصري الذي ترأسه الوكيل عمرو حنفي، وليس مسؤول الاستخبارات عباس كامل، أعطى تطمينات لعباس حول إبرام تهدئة حسب صيغة 2014، أي بقيادة منظمة التحرير، وفي الوقت ذاته أصرّ على أخذ تعهدات منه أنه "لن يقوم بفرض إجراءات عقابية جديدة على قطاع غزة".



وهدّد عباس وقيادات في اللجنة المركزية لحركة "فتح" بفرض عقوبات غير مسبوقة على قطاع غزة في المرحلة المقبلة، في حال بقيت "حماس" على موقفها الرافض للرؤية الفتحاوية لإنهاء الانقسام، وتمسكت بالتهدئة.

وفي هذا السياق، قال عضو مركزية "فتح"، وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، إن "حماس غارقة بمشروع التهدئة وأنجزت منه 90 في المائة، ويريدون شرعية عباس، والأخير رد عليهم: على قطع رقابنا هذا المشروع لن يمر"، على حد وصفه. وأضاف الشيخ في لقاء له على تلفزيون "فلسطين" أنه "لن نبقى في الوضع الراهن للأبد، سيكون هناك سقف زمني للتعاطي الإيجابي من جانبنا، وإن لم تتعاط حماس إيجاباً مع توجهنا الوطني بالرعاية المصرية وفقاً لمجموعة الأفكار المطروحة للتداول والبحث على الطاولة، وغالت بموضوع الانسياق بمربع التهدئة بالمقياسين الإسرائيلي والأميركي، سيكون لنا رد واضح وعلني وليس ببعيد".

في اليوم الثاني للقاء الوفد المصري، أي في الثاني من سبتمبر/ أيلول الحالي، بدأت رسائل عباس تصل إلى الجميع بشكل مباشر، لكن هذه المرة عبر الإعلام العبري، فاستقبل وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية "وفا": "بمقر الرئاسة في مدينة رام الله، وفداً من حركة (السلام الآن) الإسرائيلية، ضمّ السكرتير العام للحركة شاكيد موراغ، وعضوي الكنيست موسى راز عن حزب ميريتس، وعن المعسكر الصهيوني كسينيا سفيتلوفا، ونشطاء سلام من حزب الليكود، ونشطاء من حراك (نقف معاً)".

ونشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرنوت" تأكيد عباس أنه "يتفق مع رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية (الشاباك)، نداف أرغمان على 99 في المائة من المواضيع"، مشدداً في الوقت ذاته على أنه "حريص على عدم إلحاق الضرر بالإسرائيليين". ووفق ما ترجمه موقع "ألترا فلسطين" الإلكتروني فإن "عباس أبلغ الوفد الإسرائيلي بأنه يلتقي دائماً بأرغمان، وأنه يختلف مع بنيامين نتنياهو، وليس مع حزب (الليكود) بأكمله"، مؤكداً أن "التنسيق الأمني مستمر على مدار الساعة، حتى لا يلحق الأذى بالإسرائيليين".

وفي سياق إنهاء أي مساعٍ للتهدئة التي تتجاوز عباس وفصائل منظمة التحرير، جاء تحرك القيادة الفلسطينية ضد مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، الذي اتهمته بـ"تجاوز دوره"، وطالبت بـ"إنهاء مهمته في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وعدم تجديد مهمته مرة أخرى". وفي هذا السياق قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني لـ"العربي الجديد"، إن "ملادينوف تجاوز صلاحيته ودوره، وطلبنا من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إنهاء دور ملادينوف، وعدم تجديد مهمته التي تنتهي في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل". وتابع: "لقد قام وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، بتكليف من القيادة، بتبليغ غوتيريس هذا الأمر أخيراً".