سورية: تثبيت مواقع قبل معركة إدلب

سورية: تثبيت مواقع قبل معركة إدلب

13 سبتمبر 2018
مدنيون يختبئون في ملجأ بمحافظة إدلب(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
تعمل القوى المؤثرة في ساحة الصراع بالشمال السوري، على تثبيت مواقفها تجاه الصراع هناك وفي محافظة إدلب تحديداً، فتركيا تواصل الدفع بالمزيد من التعزيزات العسكرية إلى داخل الأراضي السورية، والتي ضمت لأول مرة في مناطق سيطرة المعارضة بالشمال دبابات وآليات ثقيلة، بالتوازي مع التهديدات المتواترة من النظام روسيا بشأن شنّ عملية عسكرية في المنطقة، في وقت تتواصل فيه المشاورات السياسية لإيجاد مخرج للوضع في إدلب يجنّبها الحرب، مع تصاعد التحذيرات من كارثة إنسانية. وفي هذا السياق، أفادت وزارة الخارجية الروسية، بأن الوضع السوري سيحضر في لقاء الوزير سيرغي لافروف مع نظيره الألماني هايكو ماس في برلين اليوم الجمعة.

وفي التطورات الميدانية، قالت مصادر محلية في الشمال السوري، إن رتلاً تركياً جديداً يضم للمرة الأولى دبابات، دخل إلى نقطة المراقبة التركية شرق مدينة مورك في محافظة حماة. وضم الرتل وفق ناشطين قاموا بتصويره، خمس ناقلات جند ودبابتين وسيارة ذخيرة، وذلك بمرافقة خمس سيارات من "الجبهة الوطنية للتحرير". ولتركيا 12 نقطة مراقبة في محافظات حلب وإدلب وحماة، ضمن إطار تنفيذ اتفاق "خفض التصعيد" المتفق عليه في محادثات أستانة بين روسيا وتركيا وإيران. من جهتها، قالت وكالة "الأناضول" إن الجيش التركي واصل إرسال تعزيزات عسكرية لدعم وحداته المنتشرة على طول الحدود مع سورية، مؤكدة وصول قافلة تعزيزات جديدة ضمّت مركبات عسكرية وشاحنات محملة بالمدافع والذخائر. وفي وقت سابق أمس، أرسل الجيش التركي تعزيزات عسكرية إضافية إلى ولايتي هطاي وكلس الحدوديتين في الإطار ذاته.

على الجبهة الأخرى، استهدفت قوات النظام بالمدفعية بلدة الخوين وقرية الزرزور من مقراتها في قرية شم الهوى في ريف إدلب الجنوبي الشرقي. كما قصفت قوات النظام بقذائف الهاون الأطراف الجنوبية لمدينة اللطامنة شمال حماة من مقراتها في حاجز زلين.
من جهتها، شنّت "الجبهة الوطنية للتحرير" حملة اعتقالات طاولت العديد من الأشخاص الذين يروّجون للمصالحات مع النظام. وقال المجلس المحلي لبدة أورم الكبرى إن حملة الاعتقالات جاءت بالتنسيق مع المجلس العسكري في أورم الكبرى والشرطة الحرة، مشيراً إلى أن الحملة طاولت أكثر من عشرين شخصاً.

وتأتي التطورات الحالية بعد أسبوع من فشل القمة الثلاثية في طهران، والتي تبعتها تأكيدات تركية بعدم الانسحاب من إدلب، كونها ترتبط بالأمن القومي التركي. ومع استمرارها في بذل الجهود السياسية لتجنيب إدلب الحرب، عمدت أنقرة إلى بعث رسائل لموسكو والنظام بشأن جاهزيتها لكل الاحتمالات بما في ذلك الحرب. وكانت وكالة "رويترز" قد نقلت عن قادة عسكريين ممن تدعم فصائلهم تركيا قولهم إن تركيا زودت فصائلهم بالمزيد من السلاح والذخيرة في الفترة الأخيرة.

وفي السياق، حذر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، من أن محافظة إدلب "على شفا أزمة جديدة"، وأن بلاده تعمل مع روسيا وإيران وحلفائها لمنع وقوع مأساة إنسانية. وأضاف الوزير التركي، أن "أي عملية عسكرية على إدلب ستقود إلى كارثة في المنطقة التي تعاني بالأساس من مشاكل"، وتسعى بلاده لـ"إحلال السلام والاستقرار ومنع حدوث أي مأساة".

كذلك أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن بلاده تخشى ارتكاب "جرائم حرب" في سورية. وقال لودريان أمس في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الصيني وانغ يي، في بكين، إن "فرنسا تحذر، من أخطار جرائم حرب" في سورية، مضيفاً "هذا يعني أن (فرنسا) ترى من الضروري ملاحظة هذا الأمر" في حال حصوله، مجدداً التحذير من استخدام السلاح الكيميائي. كما حذر من أن "أي تجاوز لهذا الخط الأحمر ستكون له التداعيات نفسها التي شهدناها في شهر إبريل/نيسان"، في إشارة إلى الضربات الأميركية والبريطانية والفرنسية التي نفذت رداً على هجوم كيميائي في مدينة دوما.


من جهته، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، استعداد موسكو للبحث عن سبل للتفاهم والتعاون بين صيغة أستانة وما يسمى بـ"المجموعة الدولية المصغرة" حول سورية. ورأى لافروف في تصريح لوكالة "د. ب. أ." الألمانية، أن أي تعاون "يجب أن يقوم على أساس القانون الدولي والقرارات السابقة التي تؤكد ضرورة احترام وحدة سورية واستقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها". وتضم المجموعة المصغرة كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية والأردن.

يترافق ذلك مع إعلان الأمم المتحدة أمس، أن أعمال العنف في شمال غرب سورية دفعت أكثر من 38 ألفاً و500 شخص إلى النزوح في سبتمبر/أيلول الحالي. وقال مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة "بين 1 و12 سبتمبر، أفادت المعلومات المتوافرة بأن ازدياد العمليات القتالية في شكل كبير والمخاوف من تصعيد جديد أدت الى نزوح أكثر من 38 ألفاً و500 شخص". وقدّرت الأمم المتحدة أن أكثر من 4500 منهم عادوا إلى منازلهم بين 10 و12 سبتمبر. وبحسب المكتب، فإن معظم النازحين قدموا من محافظة إدلب. واتجهت غالبية الأشخاص إلى الشمال حيث مخيمات للنازحين على طول الحدود مع تركيا.
من جهة أخرى أعلن المنسق الإنساني الإقليمي لدى الأمم المتحدة للأزمة السورية بانوس مومتزيس، خلال مؤتمر صحافي، أن المنظمة الدولية تستعد لمساعدة 900 ألف شخص. وقال مومتزيس "في الوقت الراهن، وبصفتنا نعمل في المجال الإنساني وفيما نأمل بتحسن الوضع، إلا أننا نستعد للأسوأ". وأضاف "لقد وضعنا خطة استعداد. ونفكر في تلبية احتياجات ما يصل إلى 900 ألف شخص يمكن أن يفروا ونأمل في ألا يحصل ذلك أبداً".

ويرى مراقبون أن مستقبل إدلب يمثل تحدياً حقيقياً للعلاقة بين شركاء أستانة الثلاثة، وخصوصاً العلاقة بين روسيا وتركيا. وقال المحلل السياسي التركي اوكتاي يلماظ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن قضية إدلب حساسة لتركيا كونها تقع على حدودها مباشرة وتضم ملايين السكان، فضلاً عن وجود عناصر متطرفة فيها قد يتسربون إلى داخل تركيا. ورأى أن "الوضع في إدلب يشكل تحدياً للعلاقة بين موسكو وأنقرة، التي تمر الآن بأزمة حقيقية، ويبدو أن روسيا أدركت ولو متأخرة جدية الموقف التركي بهذا الصدد، ما دفعها إلى التراجع نسبياً عن موقفها المتشدد، ومنحها فرصة إضافية لتركيا من أجل التعامل مع المجموعات المتطرفة في محافظة إدلب". وأضاف يلماظ أن "إصرار الروس على عملية واسعة في إدلب يهدد مسار أستانة وهو ما سيؤثر على العلاقة بين البلدين خصوصاً في جانب التنسيق العسكري"، مشيراً إلى احتمال توافق الطرفين على حل وسط، وهو القيام بعمليات محدودة ضد المجموعات المتطرفة، مؤكداً الحاجة إلى تعاون جميع الدول في هذا الأمر.

وحول ما يمكن أن تفعله تركيا خلال هذه المهلة، قال يلماظ إن تركيا تبذل جهودها مع كل الأطراف لإيجاد مخرج يجنّب المدنيين عواقب العمل العسكري، وحتى الآن فإن هذه الجهود لم تثمر عن نتائج عملية، لكنها مستمرة. وبشأن هدف أنقرة من الدفع بالمزيد من قواتها إلى داخل الأراضي السورية، أعرب يلماظ عن اعتقاده بأن تركيا لا تسعى لخوض القتال مع أحد، بقدر ما تسعى لإقناع النظام وروسيا بأنها مستعدة لهذا الاحتمال، بهدف ردعهما عن مهاجمة إدلب. كما أن تعزيز النقاط التركية يستهدف حمايتها من أي هجوم من النظام أو المجموعات المتطرفة، وهو تأكيد من تركيا بأنها لن تنسحب من هذه النقاط، وستحميها، وتحمي ما جاورها، من أي هجوم، بحسب المحلل التركي.

من جهته، قال العقيد فاتح حسون، عضو وفد المعارضة لمفاوضات أستانة، إن "شروط الحرب على إدلب التي هددت بها روسيا لم تصل إلى مستوى استعدادات وحجم قوات الثورة السورية ولمستوى المواجهة التي يمكن أن تحدث، خصوصاً أن تهديداتها وقصفها قوبل بتعزيز عسكري تركي غير مسبوق كمّاً ونوعاً لنقاط المراقبة التي تنتشر في محيط المنطقة، وبنجاح تركي سياسي ودبلوماسي بالحشد ضد المعركة".

وأضاف حسون في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الهجوم على إدلب يحتاج إلى تغطية كافة الجبهات الواقعة على تماس، وهذا يستلزم تأمين أعداد هائلة للطرف المهاجم تصل لأضعاف أعداد المدافع، وهو غير متاح لدى روسيا والنظام وإيران مجتمعين، ويحتاج لشرعية دولية أو تغاضٍ في الحد الأدنى، ولتأييد من الحاضنة الشعبية الموالية للنظام، ولتأمين المقاتلين المدربين اللازمين لذلك، وهذا ما لم تستطع روسيا تأمينه حتى الآن، إضافة إلى الاصطدام بالموقف التركي الثابت والمتصاعد، والتفاف الحاضنة الشعبية للثورة حول الفصائل العسكرية بعد تنظيف صفوفها من العملاء".
وأشار حسون إلى أن روسيا غيّرت من لهجتها في مجلس الأمن تجاه معركة إدلب والوضع في الشمال السوري عموماً، ليس عودة للصواب أو تحملاً للمسؤولية الأخلاقية، بل "مكر سيئ تحاول أن تجني ثماره لاحقاً، وإن استطعنا كقوى ثورة ومعارضة سورية أن ندير أوراقنا بشكل احترافي فلن تكون تلك الثمار إلا بمرارة الحنظل"، حسب تعبيره.