25 عاماً من إقامة الفلسطينيين في "برزخ أوسلو"

25 عاماً من إقامة الفلسطينيين في "برزخ أوسلو"

13 سبتمبر 2018
لم تتضمن "أوسلو" إنهاء الاحتلال أو إنهاء الاستيطان (Getty)
+ الخط -


يصادف اليوم 13 سبتمبر/أيلول، مرور 25 عاماً على توقيع "منظمة التحرير الفلسطينية" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في العاصمة الأميركية واشنطن، على إعلان مبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي المرحلي، أو ما يُعرف بـ"اتفاقية أوسلو"، نسبة للعاصمة النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وفي حين لم تتضمن "أوسلو" إنهاء الاحتلال، أو إنهاء الاستيطان، أو أيّ ذكرٍ لقيام دولة فلسطينية، فإن الفترة الانتقالية التي كان يجب أن تستمر خمس سنوات، أي أن تبدأ في 13 سبتمبر 1993، وتنتهي عام 1999، أصبحت برزخاً، يقيم فيه الفلسطينيون حتى اليوم، ويلتزمون به من طرفٍ واحدٍ فقط.

وتبع توقيع اتفاقية "إعلان المبادئ" أو"اتفاقية أوسلو" عام 1993، اتفاقيات عدة لا تقل كارثية عنه، لكنها أقل صيتاً، وهي بحسب موقع دائرة شؤون المفاوضات كالتالي: "اتفاق أوسلو 2" - القاهرة في الرابع من مايو/أيار 1994، "اتفاق طابا" - 28 سبتمبر 1995، اتفاقية واي ريفر "واي بلانتيشن" - 23 أكتوبر/تشرين الأول 1998، مذكرة تفاهم شرم الشيخ الموقعة في الرابع من سبتمبر 1999، اتفاقية الحركة والعبور في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، تفاهم مشترك حول المفاوضات: أنابوليس/ مريلاند في 27 نوفمبر2007.

وفيما أجّلت الاتفاقية ملفات الحلّ النهائي، مثل الحدود واللاجئين والاستيطان والقدس والمياه، إلى المفاوضات الأخيرة التي لم تأت بعد، تمّ تذويب هذه الملفات خلال الـ25 عاماً الماضية، عبر تهويد ممنهج للقدس، وتضاعف الاستيطان والمستوطنين مرات عدة، والسيطرة على كل مصادر المياه الجوفية، ببناء جدار الفصل العنصري، أو إقامة مستوطنات جديدة عليها.

ووجّهت الإدارة الأميركية الجديدة على يد رئيسها دونالد ترامب ضربات قاضية لملفات الحلّ النهائي، عبر الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها، ومحاولات موجعة لإزاحة ملف اللاجئين عن طاولة المفاوضات، عبر إنهاء عمل وكالة الغوث "أونروا"، وشرعنة الاستيطان باعتباره "مشاريع إسكانية"، ما جعل كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات يردد في مؤتمر صحافي حول استنتاج 25 عاماً من فشل أوسلو، قائلاً "أصبحنا سلطة بلا سلطة واحتلالاً بلا كلفة".

ويرى الكاتب والمحلل هاني المصري، في مقال، أنه "بعد ربع قرن على أوسلو، فإن الأعمال بنتائجها، والنتائج الماثلة أمامنا بعد ربع قرن، لا مجال للخطأ في الحكم عليها بأنها كارثية، إذ بات السلام أبعد مما كان، وبتنا أقرب بكثير إلى إقامة إسرائيل الكبرى من تجسيد الدولة الفلسطينية".

ويتابع: "أوسلو كان فخّاً، ولا ينفع محاولة التمرد عليه بعد الوقوع بين أنيابه إلا إذا تمّ الخروج منه كليًا. فأوسلو كان اتفاقاً انتقالياً وخطأً تاريخياً وقعت فيه القيادة الفلسطينية، ولا حل إلا بالخروج منه كليّاً".


وإلى جانب كل مساوئ أوسلو الكارثية، كان الأداء الفلسطيني السياسي الداخلي لا يقل كارثية، حيث أعطت القيادة الفلسطينية الأمن والتنسيق الأمني المنصوص عليه في الاتفاقيات، أولويات على مستوى العمل والموازنة، حيث تعتبر موازنة الأمن الأعلى في الموازنة الفلسطينية بنسبة تبلغ 27 في المئة مقارنة بواحد في المئة للزراعة، وما جعل الأمور تزداد سوءاً هو الانقسام الفلسطيني عام 2007، الذي أدى إلى شرذمة القرار الوطني الفلسطيني، وإنهاك النظام السياسي المنهك أصلاً، وعدم تجديد شرعياته بالعودة إلى صناديق الاقتراع.

وخلال الـ25 سنة الماضية، تعاقب على دولة الاحتلال 10 حكومات إسرائيلية، بينما لم يشهد الفلسطينيون سوى رئيسين فقط حتى الآن، هما الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي استشهد عام 2004، والرئيس الحالي محمود عباس (83 عاماً) الذي انتهت ولايته منذ سنوات، ومجلس تشريعي معطل منذ 2007 وحتى اليوم.

أما على صعيد إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بحسب رؤية القيادة الفلسطينية، فقد أصبح الحلم اليوم مستحيلاً، في ظل استيطان شرس يمزق الضفة الغربية المحتلة.

وفي هذا السياق، يقول خليل تفكجي، مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق، إن الاحتلال الإسرائيلي نجح في غضون ربع قرن، أي منذ توقيع اتفاقية أوسلو وحتى الآن، في إحداث تغييرات جوهرية على الأرض والسكان في الضفة الغربية، بما فيها القدس، جعلت حلم الفلسطينيين في قيام دولة لهم أمراً مستحيلاً.

وفي تفاصيل تلك المتغيرات، أوضح تفكجي في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أنه بينما كانت أعداد المستوطنين في الضفة الغربية عام 1992 لا تزيد عن 200 ألف مستوطن، وصلت اليوم إلى 450 ألفاً، وهذا لا يشمل القدس الشرقية المحتلة، التي ارتفعت أعداد المستوطنين فيها من 153 ألف مستوطن، الى 220 ألف مستوطن اليوم.

أما المتغير الثاني، فكان بناء حكومات الاحتلال المتعاقبة عدداً من المستوطنات، من أشهرها مستوطنة جبل أبو غنيم المعروفة بـ"هارحوما" جنوب القدس عام 1996، حتى باتت واحدة من كبرى المستوطنات جنوب المدينة المقدسة، والتي عزلتها عن مدينة بيت لحم.

في حين حدث تطورٌ ثانٍ في الاستيطان بالقدس الشرقية وهو انتقال الثقل الاستيطاني إلى قلب الأحياء الفلسطينية المحيطة بالبلدة القديمة، خاصة في راس العامود، الشيخ جراح، جبل الزيتون، وجبل المكبر.

أما في الضفة الغربية، فقد أقام الاحتلال خلال ربع قرن على اتفاق أوسلو عشرات البؤر الاستيطانية الضخمة، حيث ازدادت وتيرة الاستيطان اليهودي في مختلف مناطق الضفة على نحو غير مسبوق، ولم تقتصر على البناء في الكتل الاستيطانية والمناطق المعزولة حولها، بل لوحظ توغل الاستيطان في مناطق الأغوار، ومنطقة "ج" التي تقدر مساحتها بـ62 في المئة من أراضي الضفة، وبات الاحتلال يحكم سيطرته الاستيطانية والأمنية الكاملة عليها.


وفي تفاصيل أشمل لتلك المتغيرات، أوضح تفكجي أن الاحتلال قام خلال العقدين الماضيين بتنفيذ برنامجين استيطانيين كبيرين، الأول في العام 1997، والمعروف ببرنامج نتنياهو دروبلس، والقاضي بتوطين مليون مستوطن، حيث تقترب أعداد المستوطنين تدريجياً من هذا الرقم، من خلال البناء الاستيطاني الكثيف الذي بات يتعمق في كل الأرض الفلسطينية.

أما البرنامج الثاني، فشرع بتنفيذه عام 1994، أي بعد عام واحد فقط من توقيع اتفاق أوسلو، في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، في ما عُرف بمخطط القدس 2020، والقائم على بناء مستوطنات جديدة وتوسيع المستوطنات القائمة.

أما المتغير الآخر فتمثل، كما يقول تفكجي، في قيام الاحتلال بإقامة بنية تحتية في أراضي الضفة الغربية، منفصلة عن مثيلتها في الجانب الفلسطيني، إضافة إلى الأمر العسكري رقم 50 لسنة 1980، القاضي بإقامة شبكة معقدة من الطرق العرضية والطولية، بحيث تتحول كل التجمعات الفلسطينية إلى منازل وغيتوات، وهذا ما حدث فعلاً بعد أوسلو، وعرفت بالطرق الالتفافية، ويمكن اليوم ملاحظة كيف أن الربط بين جميع هذه التجمعات يتمّ من خلال الأنفاق، وتحيط بها من جميع الجهات المستوطنات اليهودية، التي ساهمت في تحقيق العزل بين المدن الفلسطينية، وهو ما ظهر جلياً في مطلع الانتفاضة الثانية، حين عزل الاحتلال شمال الضفة عن جنوبها، وعزل المدن بعضها عن بعض.

أخيراً، أوضح تفكجي، أن متغيرات كانت الأخطر أحدثها الاحتلال خلال السنوات الـ25 الماضية، من أبرزها إقامة جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية الذي اقتطع أكثر من 10 في المئة من أراضيها، وإقامة مئات الحواجز العسكرية، ومن بينها عشرات نقاط العبور، إضافة إلى عزل القدس عن الضفة الغربية عزلاً تاماً، كما عزل الضفة الغربية عن فلسطين التاريخية، وجعل حركة التنقل للفلسطينيين رهناً بقرار جيش الاحتلال.

وختم حديثه بالقول إن "هذه المتغيرات جميعاً أبعدت الفلسطينيين عن تحقيق حلمهم بالحرية وبإقامة دولتهم، حيث لم يبق لهم سوى ما أعطاهم من سيطرة على داخل مدنهم" .

المساهمون