بعد "زوبعة بنعلا".. قضية أخرى تُضعفُ الرئيس الفرنسي

بعد "زوبعة بنعلا".. قضية أخرى تُضعفُ الرئيس الفرنسي

09 اغسطس 2018
مشاكل ماكرون تزيد مع المحيطين به (جاك ديمارتون/فرانس برس)
+ الخط -

يواجه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قضية جديدة قد تضعفه أكثر وتستهدف كبير مستشاريه، ألكسي كوهلر، ولا أحد يعلم، على وجه الدقة، مدى تأثيرها، وهي اتهامات يرفض الإليزيه التعليق عليها لحد الآن، بسبب "فتح تحقيق قضائي" في الموضوع.


وقد سبق للصحافة الفرنسية، العام الماضي، أن تحدثت عن علاقات كوهلر الوثيقة مع مالكي مجموعة السفن الإيطالية (MSC)، لكن الخبر لم ينتشِرْ خلافاً للصدى الذي استتبع مقال موقع "ميديا بارت" الأخير.

وسبب الإثارة راجعٌ إلى وجود علاقات عائلية بين كوهلر ومالكي السفن، والذي يطرح سؤالاً واحداً، سيحدده القضاء الفرنسي، ويتعلق بمدى دور، (أو عدم وجوده)، الأمين العام للإليزيه في تسوية ملف مُعقَّد لصالح عائلته، وإن كان، له تأثيرٌ على نتائج المفاوضات مع "Fincantieri"، وهو منافس إيطالي لمجموعة "MSC".

ولا أحد يشكك في أهمية هذه المخاوف التي تعتبر حساسة واستراتيجية على السياسة الصناعية الفرنسية، والتي دفعت الحكومة الفرنسية في نهاية الأمر، إلى التخلي عن الإيطاليين، وتأميم مؤقت لصناعة السفن.

ولكن هذه التساؤلات لا تَرد في اتهامات موقع "ميديا بارت" الذي يركّز فقط على مشاركة كوهلر، وكان حينها ممثٍّلاً عن وزارة الاقتصاد والمالية في مجلس الإدارة في ميناء لوهافر، في التصويت المتعلق بالشراكة ما بين الميناء وفرع من شركة (MSC) في فرنسا.

ولا يختلف أحدٌ حول كون عدم "تغيّب" الموظف السامي كوهلر عن التصويت يعتبر خطأ، ولكن هل هو بالخطيئة الكبرى، التي تتحدث عنها "ميديا بارت"؟ خصوصاً وأن تبني الشراكة كان سيتم حتى لو لم يصوّت هذا الموظف السامي. فهل كان عدم مشاركته سيغيّر من الأمر شيئاً؟

كما أنه لا شيء يؤكد على أن كوهلر كان المبادر إلى الدفاع عن هذا الأمر. بل كان من اقتراح الميناء، ويتناسب مع استراتيجية تطوير هذا الميناء الفرنسي.

وإن تقديم "ميديا بارت" للقضية بعنوان "دلائل كذب ألكسي كوهلر، الرقم 2 في الإليزيه"، رغبة يرى فيها الكثيرون من أنصار الرئيس محاولة لإظهار الرئيس وكأنه "مُحاطٌ بكاذبين وفاسدين".

كما أن الاتهامات التي تُوجَّه اليومَ لكوهلر ترمي إلى إثارة البلبلة في العقول حول نزاهة مجموعة الرئيس، خاصة وأنه لم يخرج بعد من آثار "قضية بنعلا".

وتجدر الإشارة إلى أن الانفتاح الفرنسي على الجيران الأوروبيين في مجال صناعة السفن، كان ينمّ عن رغبة في خلق ما يشبه مجموعة "إيرباص" للطيران فيما يخص أحواض بناء السفن، حتى يتسنى البقاء في الأسواق الدولية ومواجهة المنافسة، وإذن كان يتوجّب إخضاع الصناعة الفرنسية الرائدة في هذا المجال إلى مجموعة أوروبية كبرى، قبل أن يتم التراجع عن هذا الانفتاح، في انتظار انبثاق شروط أفضل.

ومن أجل تسليط الحقيقة على الدور الذي يفترض أن يكون قد لعبه الأمين العام للإليزيه، تقدمت جمعية "أنتيكور"، وهي منظمة غير حكومية، تعمل على "مكافحة الفساد ومن أجل الأخلاق في السياسة"، بشكوى ثانية، يوم 8 أغسطس/ آب بخصوص "تضارب مصالح"، وتتمثل في إخفاء هذا المسؤول علاقات القربى مع مالكي السفن (MSC)، التي أسسها وأدارها أقرباء من والدته، ثم المشاركة في التصويت على صفقات بين الشركة الإيطالية-السويسرية وميناء لوهافر.

وكانت نفس الجمعية قد تقدمت بشكوى، في نهاية شهر مايو/ أيار الماضي، لدى النيابة العامة المالية ضد كوهلر، بتهم "تضارب المصالح" و"فساد سلبي" و"استغلال النفوذ"، وهي تُهَم ثقيلة ترتَّبَ عنها فتح تحقيق قضائي.

وتنتقد جمعية "أنتيكور" حضور كوهلر، باعتباره ممثلاً للدولة الفرنسية، ابتداءً من سنة 2010، في مجلس إدارة "STX" فرنسا، هي حوض صناعة السفن في سان-نازير، والتي تعتبر (MSC) من أهم زبائنها، دون الإفصاح عن علاقات القرابة مع مالك السفن، الذي أصبح كوهلر مديراً مالياً لفرع MSC كروز في أكتوبر/ تشرين الأول 2017.
كما ترتكز الجمعية في شكواها على مَحاضر مجلس الرقابة في ميناء لوهافر البحري، حيث عمل كوهلر، ما بين 2010 و2012، ممثّلاً لوكالة مساهمات الدولة، إلى جانب عمدة مدينة لوهافر، رئيس الحكومة الحالي، إدوار فيليب.

كما تتحدث أنتيكور عن تصويت كوهلر، في 30 سبتمبر/ أيلول 2011، "ضد رأي مفوض الحكومة"، لصالح توسيع حضور الشركة في "ميناء 2000".

ويلوم محاميا جمعية "أنتيكور"، جان-بابتيست سوفرون وباتريك ريزّو، كوهلر على إخفائه هذه "القرابة" العائلية، حتى أعلن عنها موقع "ميديا بارت"، وهو سرٌّ اعترف العديد من الأعضاء السابقين في مجلس مراقبة ميناء لوهافر بجهله.

وتجدر الإشارة إلى أنّ موقع "ميديا بارت" التجأ إلى "لجنة النفاذ إلى الوثائق الإدارية"، من أجل الحصول على وثيقة "إعلان عن المصالح" لكوهلر أثناء تعيينه في ميناء لوهافر.



وما يزال الإليزيه يلتزم الصمت إزاء هذه القضية التي حرّكت تعليق الكثيرين، فقد رأى أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة أورليان، جان كاريغ، أنها قضية "إن ثبتت صحتها، فهي أخطر من قضية بنعلا". وكان زعيم حزب "الوطنيون"، فلوريان فيليبو، عنيفاً، حين تحدث عن "اشتغال عائلي في رئاسة ماكرون"، ولام "وجود مرتزقة في السلطة، من أجل خدمة فئة، فئة مصالحهم".