الاستقلالية في زمن الفقر

الاستقلالية في زمن الفقر

05 اغسطس 2018
مفوض سياسة الجوار الأوروبي يوهانس هان في تونس (الأناضول)
+ الخط -
هل يمكن أن تكون مستقلاً فعلاً بقرارك وأنت فقير ومرتهن لبنوك ودول، تتهدّدك الديون والملاحقات والضغط الداخلي وطموحاتك في السلطة؟ سؤال لا تبدو الإجابة عنه صعبة جداً، ولا يمكن أن تكون الأمثلة من نوع "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها" مقنعة في هذه الحالة.

الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، قال السبت الماضي "إنّ مكانة الدولة تكمن في استقلال قرارها الوطني وسيادتها"، مشيراً مرّة أخرى إلى أنّ عدداً من السفراء يرتعون في كل مكان، وأنّ "بعضهم كان لهم شرف لقاء مجرّد موظف، أصبحوا اليوم يفتحون أبواب مؤسسات الدولة من دون إذن ومن دون رقيب. وهناك مقيم عام (تسمية لممثل الاستعمار الفرنسي في تونس) تقريباً يقيم في تونس، وهذه معرة على تونس".

كلام ليس بالجديد، فكثيرون تذمّروا من تحركات السفراء الأجانب في تونس وتدخّلهم في تفاصيل الأمور. ويستفحل هذا الأمر بقوة في كل مرة تعود فيها البلاد إلى أزماتها السياسية… يساند هؤلاء طرفاً على آخر وينصحون أحزاباً وشخصيات، إذ لم يعد الأمر خافياً ولا مستتراً، بل أصبح في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع الجميع.

وليس الخطأ خطأ السفراء فقط، فمنهم من يبادر وحده، ولكن هناك من يلجأ إليهم ويتوهّم الاحتماء بهم أو انتزاع تأييدهم والحصول على غطاء بلدانهم، وهو ليس إلاً وهماً وسراباً.

ما لا يجيب عنه الطبوبي وكل المدافعين عن استقلالية القرار التونسي، هو قدرة تونس وحكّامها على دفع هذه التدخلات ورفضها ومواجهتها. فقد صرّح المسؤولون التونسيون أكثر من مرة أن لا قدرة لديهم على مجابهة الصعوبات الاقتصادية من دون تدخّل "صندوق النقد الدولي"، الذي أصبح ممثّلوه يأتون كل ثلاثة أشهر لمراقبة "التلميذ" والتدقيق في نتائج امتحانه، وإذا ما كان جديراً بسلفة جديدة للأشهر الموالية. وهو ما يعني أنّ حكم الشبع والجوع أصبح بيد الأجنبي وممثليه، لا بيد أبناء البلد، الذين دمروا بلادهم بأيديهم بسبب خلافاتهم التي لا تنتهي حتى وإن كان سقف البيت سيسقط على رأس الجميع.

ولا يقتصر الأمر على الديون والاقتصاد وما يتعلّق بالأموال فقط، فالأوروبيون لا يخفون تدخّلهم في شؤون تتعلّق بثقافة البلد وتراثه وعاداته، ويبدون نصحهم/إملاءاتهم في قضايا مجتمعية دقيقة وخطيرة على وحدة التونسيين، بشكل يوحي بأنه مقايضة دنيئة لا رفعة فيها.

وبرغم كل النجاحات التي حقّقها التونسيون التي لا ينكرها إلا جاحد، وبرغم كلّ الطريق الطويل الذي قطع إلى حدّ الآن، إلا أنّ تواصل الخلافات بهذا الشكل يسرّع السقوط نحو القاع، من دون أن تثبت النخبة وعياً بضرورة وضع حدّ لهذا الانحدار سريعاً، قبل أن يعود "المقيم العام" فعلياً هذه المرة.