واشنطن تتحرك شرقي سورية: لا عودة للنظام قريباً

واشنطن تتحرك شرقي سورية: لا عودة للنظام قريباً

06 اغسطس 2018
جندي أميركي في مدينة منبج (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
لا تكاد تتوارى منطقة شرقي الفرات في سورية عن واجهة المشهد السوري، حتى تعود بزخم أكبر، وبتطورات سياسية وعسكرية تؤكّد مركزية هذه المنطقة الأهم اقتصادياً واستراتيجياً في إطار الصراع المعقد إقليمياً ودولياً على سورية. وفي هذا الإطار، بدأت الولايات المتحدة أخيراً تحركاً سياسياً لافتاً في ريف الرقة، بعد أيام قليلة من جولة تفاوض أولية بين "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) المدعومة من واشنطن، والنظام، لتحديد مصير المنطقة. ويؤكّد مسؤولون في الجناح السياسي لهذه القوات أنّ "المفاوضات مع النظام لا تعني على الإطلاق عودة قواته وأجهزته الأمنية إلى أماكن سيطرة هذه القوات"، مشيرين في الوقت ذاته إلى أنّ "قسد" تملك أوراق تفاوض "قوية"، وإلى أنّها تبحث عن "حكم ذاتي" في المناطق الكردية، ما يعني التخلّي نهائياً عن فكرة سورية الفيدرالية التي كانت تطالب بها أحزاب كردية سورية.

وزار السفير الأميركي السابق في البحرين، وليام روباك، الخميس الماضي، مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي، والتقى، وفق مصادر سورية كردية، بعدد من قيادات "قسد"، بينهم الرئيسان المشتركان لما يسمى بـ"المجلس التشريعي" في المدينة، والرئيسان المشتركان للمجلس التنفيذي، وأعضاء الإدارة المدنية في الطبقة. وأشارت المصادر إلى أنّ روباك قدّم شرحاً حول توجيهات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بإبقاء القوات الأميركية إلى جانب قوات "التحالف الدولي" في مختلف مناطق شمال سورية، بما فيها منطقة جنوب الفرات، وذلك منعاً لحصول أي فراغ عسكري في المنطقة، ولضمان عدم عودة تنظيم "داعش" إليها، ولدعم الأمن والاستقرار فيها.

وتوجه السفير الأميركي والوفد المرافق له عقب انتهاء الاجتماع إلى مشفى مدينة الطبقة الوطني، ومن ثمّ غادر المدينة نحو قاعدة "خراب العشق" بريف الرقة الشمالي، في زيارة هي الأولى من نوعها لسفير أميركي إلى مدينة الطبقة بريف الرقة. وتأتي زيارة روباك بعد أيام فقط من بدء مفاوضات بين "مجلس سورية الديمقراطية" والنظام السوري، لعودة الأخير إلى المنطقة التي تسيطر عليها هذه القوات، وهو ما اعتبر بمثابة استعادة النظام "وديعة" سبق له أن أعطاها لهذه القوات التي تشكّل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، وذلك في إطار استراتيجيته لمناكفة تركيا ولمنع تقدّم فصائل الثورة نحو المزيد من المناطق.


ومن الواضح أنّ زيارة المسؤول الأميركي تحمل العديد من الرسائل السياسية لأطراف الصراع في سورية، لعلّ أبرزها أنّ الوجود الأميركي في الشرق ذي الأهمية الاقتصادية، ليس طارئاً، وأنّ واشنطن ليست في وارد التخلي النهائي عن الكرد السوريين في الوقت الراهن. ودعمت الولايات المتحدة منذ عام 2014 الوحدات الكردية، وهي الذراع العسكرية لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، حتى باتت تسيطر على نحو ربع مساحة سورية. وتسيطر هذه القوات اليوم على أغلب منطقة شرق الفرات التي تعدّ "سورية المفيدة" بثرواتها المائية والزراعية والنفطية، كما انتزعت السيطرة من تنظيم "داعش" على أغلب محافظة الرقة، وكامل ريف دير الزور شمال نهر الفرات، إلى جانب سيطرتها على أغلب محافظة الحسكة، أقصى شمال شرقي سورية، باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة، وأجزاء من ريف المحافظة. كذلك تسيطر على أجزاء واسعة من ريف حلب الشمالي الشرقي، شرق نهر الفرات، وسلسلة قرى جنوب نهر الفرات تمتد من مدينة الطبقة غرباً وحتى مدينة الرقة شرقاً، على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً.

وكانت روّجت وسائل إعلام تابعة للنظام أنّ الوحدات الكردية سلّمت مشفى الطبقة وسدّ الفرات في المدينة لقوات النظام، ولكن مصادر محلية مطلعة أكدت في اتصال مع "العربي الجديد" أنّ هذا الكلام "عار من الصحة"، مشيرةً إلى أنّ الحوار في بدايته، ولن يتم تسليم النظام المنطقة في المدى المنظور. وكان عُقد في العاصمة السورية أخيراً لقاء بين وفد من "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، ومسؤولين في النظام. وقالت الرئيسة التنفيذية لـ"مسد"، إلهام أحمد، في حديث تلفزيوني يوم الجمعة عن هذا الموضوع، إن هذا اللقاء يأتي "في إطار معرفة جهوزية دمشق للبدء بمرحلة التفاوض والحوار لحلّ الأزمة في سورية بالكامل"، مشيرةً إلى أنّه "تمّ الاتفاق مع دمشق على تشكيل لجان مشتركة من الطرفين مهمتها بالأساس بحث مسائل تتعلّق بنظام الحكم والإدارة في مناطق سورية المختلفة وخصوصاً في مناطقنا، إذ لم نلحظ أي اعتراض من جانب الحكومة في اتجاه الإبقاء على إدارة الحكم الذاتي في المناطق الكردية في البلاد"، وفق تعبيرها.

وشددت أحمد على أنّ "الملف الأمني لم يكن مطروحاً على طاولة المفاوضات مع وفد النظام"، لافتةً إلى أنّ غالبية الأحزاب الكردية المنضوية تحت "الإدارة الذاتية" ستكون ممثلة في الحوار مع دمشق. وأكدت أنّ "مسألة تسليم مناطق لدمشق غير واردة حالياً في المفاوضات"، وأن "معظم المسائل التي طرحت في اللقاء الأول مع وفد الحكومة السورية سيتم مناقشتها في مراحل مقبلة"، موضحةً أنّ "غالبيتها تتعلّق بالحكم في مناطق الحكم الذاتي وحقوق القوميات في سورية، وخصوصاً حقوق الشعب الكردي، وكذلك مسائل المكونات والقوميات الأخرى"، وفق أحمد التي رأست وفد "سورية الديمقراطية".

وحول الموضوع ذاته، أكّد بسام اسحق، عضو "مجلس سورية الديمقراطية"، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "جرت جولة مفاوضات واحدة بطلب من النظام"، موضحاً أنها "تناولت المواضيع الخدمية كخطوة أولى، وتمّ الاتفاق على متابعة التفاوض، وتناول الملفات السياسية". ونفى اسحق أن تكون نتيجة المفاوضات عودة قوات النظام إلى المناطق التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية"، قائلاً "لو كان الأمر سيصل إلى تسليم شرقي الفرات للنظام، لما جرت مفاوضات ولا احتاج الأمر للتفاوض".

وأضاف أنّ مفاوضات "مجلس سورية الديمقراطي" مع النظام "لا تجري حسب مفاوضات أستانة وسوتشي التي انتهت بتسليم مناطق للنظام. وتابع أن هذا المجلس ذو الغالبية الكردية "يملك أوراقاً قوية في التفاوض، فهو يسيطر على مساحة واسعة شرقي الفرات اكتسبها ليس بمحاربة النظام، بل بمحاربة تنظيم إرهابي مارق (داعش)، وبمساندة تحالف دولي. مسد يريد سورية جديدة، أي دستور جديد، ونظام سياسي جديد يعبّر عن تطلعاته لسورية تعددية تشاركية لا مركزية"، بحسب اسحق وهو رئيس المجلس السرياني الوطني السوري المنضوي سابقاً في المجلس الوطني قبل أن ينخرط في صفوف "قسد".

وحول مخاوف المدنيين في محافظة الرقة من عودة قوات النظام وأجهزته الأمنية للمنطقة نتيجة المفاوضات، شدّد اسحق على أنّ مجلس سورية الديمقراطية "لن يقبل بدخول النظام إلى الرقة أو أي منطقة شرق الفرات ويكون له يد مطلقة كما حصل في المناطق الأخرى"، وفق قوله.

ولا يخفي الأكراد السوريون مخاوفهم من انفراط عقد تحالفهم مع واشنطن، ما يعني تركهم وحيدين في مواجهة الجيش التركي المتحفّز للانقضاض على منطقة شرقي الفرات لوأد أي مسعى لفرض إقليم ذي صبغة كردية في شمال سورية تعتبره أنقرة مساساً مباشراً بأمنها القومي. ومن هنا جاءت اندفاعة الأكراد لنسج خيوط تفاهم مع النظام ربما يجنّبهم تدخلاً عسكرياً تركياً شبيهاً بالتدخل في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية شمال غربي حلب، والذي انتهى بسحق الوحدات الكردية، ومهّد الطريق أمام تفاهم تركي أميركي حول مدينة منبج غربي الفرات ومن المتوقّع أن ينهي أي وجود عسكري فعّال للأكراد غربي نهر الفرات، وهو ما يعني تلاشي أي حلم كردي في تشكيل إقليم في سورية شبيه بإقليم كردستان العراق.