"قانون القومية" يغذي الاعتداءات العنصرية على فلسطينيي الداخل

"قانون القومية" يغذي الاعتداءات العنصرية على فلسطينيي الداخل

31 اغسطس 2018
تحرك ضد قانون القومية من فلسطينيي الداخل(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
لطالما كان فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948، وعلى مدار عقود، عرضة للانتهاكات وللحملات والاعتداءات العنصرية، من قِبل المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها المختلفة، وحتى من قبل مواطنين إسرائيليين. وجاء قانون القومية اليهودية الذي سنّه الكنيست الإسرائيلي في يوليو/تموز الماضي، ليغذي تلك الاعتداءات بشكل غير مسبوق، إذ ازداد استهداف هذه الشريحة من الشعب بفعل تبعات القانون، والتحريض المتواصل من قبل المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لتتوالى الاعتداءات بشكل كبير في فترة وجيزة نسبياً. وفي غضون أسابيع قليلة، كان فلسطينيو الداخل عرضة لاستهدافات عديدة، جاءت كترجمة لقانون القومية على أرض الواقع، ليصبح فلسطينيو الداخل لا يأمنون على حياتهم، لا في أماكن عملهم، ولا في المعابر، ولا حتى في الأماكن التي قد يقصدونها للترفيه.

من شفاعمرو إلى الطيبة

نحو شاطئ البحر في منطقة حيفا، انطلق ثلاثة شبان من مدينة شفاعمرو العربية، في عطلة عيد الأضحى، من دون أن يتوقّعوا أن تتحوّل رحلتهم إلى جحيم، فقط لمجرد كونهم عرباً. "رأينا الموت بأعيننا"، أكد كل من الطبيب محمد يوسفين والممرض معتصم أيوب والشاب معاذ أيوب، خلال مؤتمر عقدوه أخيراً في مدينة شفاعمرو، بحضور عشرات الداعمين لهم في محنتهم. وأضاف يوسفين: "ما تعرضنا له كان مؤلماً وعنصرياً بامتياز".
وشرح الضحايا الثلاث أن "الاعتداء كان وحشياً وغير مبرر، فخلال وجودنا على الشاطئ، توجّه إلينا شخص يهودي عرف أننا عرب، وبعدما غاب لبضع دقائق عاد مع مجموعة من اليهود وضربونا بلا رحمة بأدوات حادّة منها جنازير حديدية وسكاكين، وكأنهم عزموا على قتلنا، مما تسبّب في إدخالنا إلى المستشفى، ولولا تدخّل بعض من كانوا في المكان لربما كانت النتيجة أسوأ". كما تحدث الشبان عن تعرضهم لشتائم وعبارات عنصرية.

وفي الوقت الذي كانت واقعة الاعتداء على شبان شفاعمرو، لا تزال تتفاعل، وقع اعتداء عنصري آخر على عاملَين من مدينة الطيبة في 26 أغسطس/آب الحالي. حاولت شرطة الاحتلال إظهار الاعتداء على أنه نتيجة خلاف في العمل، لكن العاملَين وأحدهما الشاب معتز أبو حجاج، أكدا لوسائل الإعلام أن "الاعتداء علينا من قبل مجموعة من اليهود، كان لمجرد كوننا عرباً". وروى أبو حجاج تفاصيل ما حدث، قائلاً: "خلال عملنا في منطقة بنيامينا وصل مقاول يهودي إلى المكان، وطلب منا التوقف عن العمل، وفي الوقت ذاته لم يتح لنا المغادرة، إذ رفض تحريك سيارته من المكان. ثم بدأ بتهديدنا. عندها واصلنا عملنا، وبعد برهة وصلت مجموعة من اليهود وصرخوا بأننا عرب مخربون، وطعنني أحدهم في الظهر، عدا عن ضربنا بالحجارة والعصي. تمكنا من الهرب وإلا لكنّا في عداد الأموات. الأجواء باتت تحريضيّة وخطيرة".

تمدد نحو القدس
شهر أغسطس الحافل بالاعتداءات العنصرية، طاول أيضاً مدينة القدس المحتلة وليس أراضي 48 فحسب، فشهد قيام مستوطنين من عصابات "تدفيع الثمن"، في 19 من هذا الشهر، بخط شعارات عنصرية على جدران منزل في بلدة العيساوية بالقدس المحتلة، وإعطاب إطارات عشرات المركبات. كذلك فإن الاعتداءات الأخيرة، والتي تزداد وتيرتها، لم يسلم منها حتى نشطاء سلام إسرائيليون، وُجدوا في منطقة نابلس يوم السبت 25 أغسطس/آب، لرصد وتوثيق التوسع الاستيطاني، ليجدوا أنفسهم عرضة لاعتداء من قِبل مستوطنين، ونُقل عدد منهم لتلقي العلاج في المستشفى. ووصف محللون إسرائيليون الاعتداء بـ"الدموي". وقال ناشطون لوسائل إعلام إسرائيلية، إن جنود الاحتلال الذين وُجدوا في المكان "لم يُبعدوا المستوطنين ولم يحاولوا حمايتنا".

قبل القانون وبعده

قبل المصادقة النهائية على قانون القومية من قبل الكنيست، كان فلسطينيو الداخل أيضاً عرضة لاعتداءات تغذّت على التحريض المستمر ضد العرب من قِبل نتنياهو ورموز الحكم الإسرائيليين، إذ تعرّض سائقا حافلة لاعتداء من قبل إسرائيليين. في 5 يونيو/حزيران الماضي، رفض متطرف يهودي دفع أجرة الحافلة التي كان يقودها سائق عربي في مدينة صفد، واعتدى عليه ووجّه له الشتائم، كما هدده بالقتل، قبل أن يفر هارباً. قبل ذلك بأيام، في 22 مايو/أيار الماضي، تعرّض أدهم بدير، وهو سائق حافلة من مدينة كفر قاسم في الداخل الفلسطيني، للضرب ورش غاز الفلفل على وجهه من قبل ثلاثة شبان يهود من الحريديم، خلال عمله في خط يصل بين كفر قاسم ومدينة بيتح تكفا المقامة على أنقاض مدينة ملبس العربية، بعد اعتراضه على محاولتهم الصعود إلى الحافلة بطريقة غير قانونية.

مسلسل الاعتداء على سائقي الحافلات من فلسطينيي الداخل، تواصل بعد إقرار قانون القومية، فيوم الجمعة 3 أغسطس الحالي شهد اعتداء على سائق حافلة من قرية دبورية، هو محمد مصالحة، في مدينة العفولة. وقال مصالحة لوسائل الإعلام، إن "شاباً يهودياً بدأ يشتمني ويشتم العرب لمجرد طلبي منه عدم الصعود إلى الحافلة مع كأس القهوة التي كان يحتسيها. وبعد صعوده إلى الحافلة وخلال قيادتي، قام بسحب آلة النقود وضربني بها. توقفتُ جانباً لإنزال الركاب كي لا يتعرضوا للخطر وانتظرتُ وصول الشرطة، وفي هذه الأثناء وصل شاب يهودي آخر، على ما يبدو بعد تلقيه اتصالاً من الراكب الذي اعتدى عليّ، وقاما كلاهما بالإطاحة بي أرضاً ورشّوني بغاز الفلفل".

تمييز متمادٍ
تبعات قانون القومية والتحريض العنصري، لا تتوقف عند الاعتداءات الجسدية على العرب، ولكنها تطاولهم حتى في المعابر الحدودية، من خلال التمييز بينهم وبين المواطنين اليهود. في 27 أغسطس الحالي، أكد مسافرون عرب كانوا عائدين إلى أراضي 48، أن السلطات الإسرائيلية مارست ضدهم تمييزاً في التفتيش المشدد، مقارنة بمسافرين يهود مروا من المعبر نفسه بسهولة، وهو ما أكدته جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، من خلال بيان وصل إلى "العربي الجديد".

وأوضحت الجمعية في بيانها، أن "بعض الشبان اليهود وصلوا إلى المعبر الحدودي عائدين من سيناء، وبعد عبور الحدود المصرية إلى الجانب الإسرائيلي، وأثناء انتظارهم في طابور التفتيش، تم التوجّه إليهم من قبل موظّفة المعبر طالبة منهم التوجّه إلى طابور جانبي، غير مكتظّ وسريع التقدّم، كان قد خصص، على ما يبدو، لليهود فقط". وطالبت المحاميتان من الجمعية، رغد جرايسي، وتال حاسين، مدير سلطة الموانئ، يعكوف غانوت، بفحص شكاوى مواطنين حول نظم التفتيش وفحص الجوازات المختلفة للمواطنين اليهود والعرب عند معبر طابا الحدودي. كما طالبتا بـ"إنهاء أي استخدام لعلامات تفرقة لدى تنفيذ عمليات تفتيش المسافرين والأمتعة، على أساس الدين أو العرق أو اللون".

كذلك، فإن السنوات الأخيرة شهدت حوادث كثيرة بمنع فلسطينيي الداخل من دخول برك سباحة في إسرائيل. منها على سبيل المثال، حادثة وقعت يوم 4 أغسطس الحالي، حين اشتكى أسعد عزب من قرية عرعرة، من منعه وعائلته من دخول بركة سباحة في جان شموئيل قرب بلدته، ومن "تلقي معاملة عنصرية وغير لائقة في البركة فقط لكوننا عرباً". وفي تعقيبٍ على ذلك، قال مدير ائتلاف مناهضة العنصرية، نضال عثمان، إن "موضوع التمييز عند الدخول لبرك السباحة ينتشر في هذه الفترة بشكل كبير، فهناك الكثير من المواطنين العرب الذين يخرجون للاستجمام في برك السباحة وغيرها من الأماكن العامة".
وبعد تلك الواقعة، أعلن مدير مركز ضحايا العنصرية، تساحي مزومان، في بيان، أنه "في الأسابيع الأخيرة اهتممنا بثلاثة توجّهات عنصرية في برك السباحة، في بركتين تم إعلامنا أن القوانين ستتغير، في حين أنه في البركة الثالثة باشرنا بالمسار القضائي أمام المسؤولين فيها".

مسؤولية نتنياهو وحكومته

رداً على الاعتداءات المتواصلة والأجواء المشحونة، اعتبر عدة محللين إسرائيليين، من خلال مقالات في الصحف الإسرائيلية أخيراً، أن "رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يتحمّل مسؤولية الأجواء التحريضية والعنصرية، خصوصاً بعد سنّ قانون القومية". ورأت المحاضرة في العلوم السياسية، رفيطال عميران، في مقال بصحيفة "معاريف"، بعد الاعتداء على الشبان الثلاثة من شفاعمرو، أن "الروح التي تغلغلت عميقاً في المجتمع الإسرائيلي، والتي تزجّ بالعرب في مكانة مواطنين من الدرجة الثانية، ستفضي إلى تحويلهم وتحويل كل من يتضامن معهم إلى فريسة بالنسبة للمجرمين الذي يرتكبون جرائم الكراهية".

أما رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الأراضي المحتلة عام 1948، محمد بركة، فاعتبر في بيان عمّمته اللجنة، أن "الاعتداء الدموي الإرهابي"، الذي تعرّض له الشبان من شفاعمرو قرب حيفا، وناشطو سلام إسرائيليون في الضفة، أخيراً، "هو مؤشر إلى طبيعة المرحلة المقبلة، فهؤلاء الإرهابيون يستمدون جرأتهم لينفلتوا، من سياسة اليمين الاستيطاني، التي يقودها بنيامين نتنياهو، وهذا ما تعزز أكثر في أعقاب إقرار قانون القومية الاقتلاعي العنصري، وما رافقه من خطاب عنصري استعلائي أشد".
وأكد بركة أن "هناك رابطاً وثيقاً بين الجريمتين في الضفة وحيفا، فهؤلاء الإرهابيون يستمدون جرأتهم من عربدة حكومتهم وعنصريتها. ومن هنا، نحن نحمّل بنيامين نتنياهو شخصياً، كونه المسؤول الأول عن حكومته، ولكن بالذات لكونه المحرّض الأساس وقائد جوقة التحريض ضد العرب، المسؤولية عن هذه الجرائم، فرغم مرور أيام عليها، إلا أنه لم ينبس ببنت شفة، ليطلق موقفاً مما يجري".