روسيا والأسد يعلنان حرب إدلب... ودي ميستورا يبررها ضمنياً

روسيا والأسد يعلنان حرب إدلب... ودي ميستورا يبررها ضمنياً

31 اغسطس 2018
يتمسك النظام وروسيا بمبرر "النصرة" لاستهداف إدلب (Getty)
+ الخط -
دلّت كل المعطيات أمس الخميس على أن الهجوم على إدلب السورية بات مسألة وقت، مع تصاعد حديث روسيا عن ضرورة القضاء على "بؤرة الإرهاب" هناك، وإعلانها عن تدريبات عسكرية في البحر المتوسط وربطها بالوضع في إدلب، بالتوازي مع تشديد نظام بشار الأسد على أن قراره هو "مكافحة جبهة النصرة في إدلب مهما كانت التضحيات". ولم يكن ينقص الروس ونظام الأسد إلا حديث المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، عن وجود حوالى 10 آلاف مقاتل في إدلب "من القاعدة والنصرة، الذين لا يشكك أحد في أنهم إرهابيون يتعيّن هزمهم"، مع تأكيده ضرورة إقامة "ممر إنساني" لإجلاء السكان المدنيين، وإتاحة مزيد من الوقت لروسيا وإيران وتركيا لمحاولة تجنّب حدوث تصعيد عسكري كبير في تلك المنطقة. وتبقى المحاولات التي تقوم بها أنقرة لحل "هيئة تحرير الشام"، فرصة أخيرة لتجنيب المحافظة هجوماً دموياً، على الرغم من حديث النظام وحلفائه عن وضع اللمسات الأخيرة للمرحلة الأولى للهجوم.

وبدا أن السباق بين الجهود السياسية والمعركة العسكرية بدأ يميل أكثر لهجوم مرتقب من روسيا والنظام، مع شبه اعتراف أطراف دولية بأنه واقع، مثل ما جاء على لسان المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا. فعلى الرغم من دعوته لإتاحة مزيد من الوقت لروسيا وإيران وتركيا لمحاولة تجنّب حدوث تصعيد عسكري كبير في إدلب، إلا أنه تحدث عن وجود "إرهابيين"، متحدثاً عن "حوالى 10 آلاف رجل، بالإضافة الى عائلاتهم" عدد مقاتلي "القاعدة" و"النصرة" في تلك المنطقة، "الذين لا يشكك أحد في أنهم ارهابيون يتعين هزمهم"، بما بدا كتبرير للهجوم، مع وضع المبعوث الأممي ما يشبه الشروط بالقول "لا يمكن أن يتوافر أي مبرر لاستخدام أسلحة ثقيلة في مناطق مزدحمة بالسكان، حتى لقتال إرهابيين"، وتشديده على ضرورة "تجنّب استخدام الأسلحة الكيميائية من جانب الحكومة السورية وجبهة النصرة، فكلاهما لديه القدرة على استخدام غاز الكلور". في مقابل ذلك، عرض المبعوث الأممي، خلال مؤتمر صحافي في جنيف أمس، التوجّه إلى إدلب لتأمين إقامة "ممر إنساني" من أجل إجلاء المدنيين، قائلاً "أنا مستعد للمساهمة شخصياً وجسدياً، في تأمين ممر إنساني يتيح للسكان المدنيين الخروج إلى منطقة أكثر أماناً". وحذر من الثمن المرتفع الذي يمكن أن يدفعه المدنيون هناك.

على الضفة الأخرى، كان النظام وموسكو يوجّهان رسائل عدة بقرب هجومهما على إدلب، كان أبرزها ما نقلته وكالة "رويترز" مساء الأربعاء عمن قالت إنه "مصدر مقرّب من الحكومة السورية" الذي أعلن أن قوات النظام تستعد لهجوم على مراحل في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها. وقال المصدر، وهو مسؤول في التحالف الإقليمي الداعم للأسد، إن الهجوم سوف يستهدف في البداية الأجزاء الجنوبية والغربية من الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، وليس مدينة إدلب نفسها. وأضاف "اللمسات الأخيرة لأول مرحلة ستكتمل بالساعات المقبلة"، من دون أن يذكر متى سيبدأ الهجوم.

من جهته، قال وزير خارجية النظام وليد المعلم، من موسكو بعد محادثات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن قوات النظام ستمضي إلى النهاية في محافظة إدلب. وأعلن أن "قرار القيادة السورية هو مكافحة جبهة النصرة في إدلب مهما كانت التضحيات"، مضيفاً "نحن جاهزون لبذل كل جهد ممكن لتفادي الإصابات بين المدنيين". وتابع المعلم "تمكّنا من تحقيق إنجازات ميدانية كبرى وأصبحنا قريبين من إنهاء الإرهاب في سورية". وإذ جدد القول إن نظامه لا يمتلك أسلحة كيميائية، ادعى أن "الدول الغربية تعد لهجوم جديد على غرار ما حدث في دوما لإنقاذ إرهابيي النصرة في إدلب"، مؤكداً "أننا سنرد على أي عدوان يستهدف سورية، والتبعات ستطاول التسوية السياسية وكل شيء". من جهته، قال لافروف إنه "من غير المقبول أن تستخدم "جبهة النصرة" منطقة إدلب لمهاجمة مواقع حكومية وقاعدة حميميم"، مضيفاً "حذرنا شركاءنا الغربيين من دعم الاستفزازات الكيميائية الجديدة في إدلب".

وكانت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قالت إن مباحثات المعلم مع لافروف تتناول التسوية السياسية في سورية وقضية عودة اللاجئين. وأوضحت زاخاروفا في إيجاز صحافي أن لافروف والمعلم سيركّزان على سير تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، "لا سيما تلك المتعلقة بتشكيل وبدء عمل لجنة صياغة الدستور في جنيف بمساعدة المبعوث الأممي الخاص لسورية ستيفان دي ميستورا". وزعمت زاخاروفا أن الظروف "تهيأت في سورية لتحقيق نقلة نوعية نحو الأفضل والعودة إلى النشاط الاقتصادي والقضاء نهائياً على الإرهابيين"، معتبرة أن "الاستفزازات الغربية والعدوان العسكري المحتمل على سورية ستمثل ضربة قوية ليس لجهود التسوية السياسية في البلاد فحسب، بل وللأمن العالمي عامة". وفيما يتعلق بالوضع حول إدلب، أكدت زاخاروفا أن "هناك قوات سورية كبيرة تتمركز على حدود المنطقة، وهي قادرة على هزيمة الإرهابيين المتواجدين هناك وبسرعة".

جاء تهديد موسكو والنظام بعد ساعات قليلة من إعلان روسيا عن إجراء مناورات عسكرية كبيرة في المتوسط مطلع سبتمبر/أيلول المقبل، رابطة إياها بالوضع في إدلب. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن المناورات الكبيرة في المتوسط التي تبدأ مطلع سبتمبر/أيلول المقبل، تشارك فيها 25 سفينة حربية وغواصة و30 طائرة تشمل مقاتلات وقاذفات استراتيجية، وبموجب خطة المناورات، ستتدرب القوات المشاركة فيها على تنفيذ مهام تتعلق بالدفاع الجوي ومكافحة الغواصات والعمليات التخريبية، إضافة إلى مكافحة الألغام.

وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف في معرض رده على سؤال عما إذا كانت المناورات تجري بسبب الأوضاع السورية، إن "التقاعس حول الوضع في محافظة إدلب، حيث تشكلت بؤرة للإرهاب، لا يبشر بالخير"، مضيفاً: "الوضع في سورية قابل للتفاقم. إن الوضع في إدلب ليس في أفضل حالاته. بالفعل، بؤرة الإرهاب، التي تشكلت هناك، لا تبشر بالخير في حال استمرار هذا التقاعس، لذلك، بالطبع، فإن الاحتياطات المتزايدة هنا مبررة".


في غضون ذلك، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أنه بحث أزمة إدلب خلال اتصال هاتفي مع رئيس الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة السورية، نصر الحريري. وقال بوغدانوف، إنه يجب حل مشكلة تمركز المسلحين في إدلب، لافتاً إلى أن "موسكو تجري اتصالات مع المعارضة السورية المعتدلة حول أوضاع إدلب". وتابع "لا يجب السماح لإرهابيين في إدلب باستخدام المدنيين كدروع بشرية"، مؤكداً أن موسكو مستعدة لبحث مبادرة إنشاء ممر إنساني لإخراج المدنيين من إدلب بالتفصيل مع مكتب دي ميستورا. واعتبر أن "المعارضة المعتدلة المستعدة للاتفاق مع دمشق حول الأوضاع في إدلب تتعرض للاضطهاد من قبل المسلحين".

من جهتها، أبلغت المعارضة السورية الجانب الروسي تمسكها بعملية الانتقال السياسي كعنوان لأي تحرك سياسي. وقال المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض يحيى العريضي، إن رئيس الهيئة نصر الحريري تلقى اتصالاً هاتفياً أمس الخميس من بوغدانوف، أكد خلاله أن أي دستور سوري مقبل لا معنى له من دون تحقيق انتقال سياسي وفق ما نصت قرارات دولية، مشيراً إلى أنه لا عودة للاجئين السوريين إلى بلادهم من دون حل سياسي شامل.

وأضاف العريضي في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجانب الروسي أكد تواصل الاتصالات مع الجانب التركي بشأن محافظة إدلب، مشيراً إلى أن الشهر المقبل سيشهد اجتماعات في جنيف تتعلق بالمسار السياسي، وأكد المسؤول الروسي التزام بلاده بقرار مجلس الأمن 2254. ولفت العريضي إلى أن نصر الحريري "شدد على تنفيذ هذا القرار بكل جوانبه، مؤكداً للمسؤول الروسي أن سياسات النظام القمعية هي التي تسبّبت بخروج ملايين السوريين من بلادهم، ومن ثم لا عودة للمهجرين إلا بعد توفير ظروف آمنة، وبيئة مناسبة". وأشار العريضي إلى أن الحريري طالب الجانب الروسي بفتح ملف المعتقلين في سجون النظام، وضرورة الإفراج عن كل المعتقلين. وقال إنه تم إبلاغ الجانب الروسي أن أي دستور جديد "مهما كان عصرياً لن يكون له معنى من دون حسم سلال التفاوض الأخرى، وأبرزها الانتقال السياسي الذي يتضمّن تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات تشرف على مرحلة انتقالية لخلق جو سياسي مناسب"، وفق العريضي.

على المقلب الآخر، تواصل تركيا اتصالاتها مع روسيا لإيجاد صيغة حل "مناسب" لكل الأطراف في إدلب، بالتوازي مع تعزيز قواتها في الشمال السوري، ومحاولة إقناع "هيئة تحرير الشام" بحل نفسها. وفي هذا السياق، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، إن "المفاوضات لا تزال مستمرة بين المخابرات التركية وهيئة تحرير الشام والفصائل الجهادية". وترغب روسيا، في تفكيك الهيئة، بحسب ما قال عبد الرحمن لوكالة "فرانس برس". وأضاف "هذا هو الشرط الذي فرضته موسكو لتجنب عملية عسكرية واسعة النطاق التي يبقى شنها أو تعليقها رهينة فشل أو نجاح المحادثات مع هيئة تحرير الشام".

وفي تصريحات نشرتها وكالة "إباء" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام"، قالت الهيئة إن "موضوع حل الهيئة - إن صح - فهو أمر داخلي يناقش داخل مجلس شورى الهيئة... وليس عبر إملاءات داخلية او خارجية". وأضافت "نحن في هيئة تحرير الشام نسعى جاهدين للوصول الى حل ناجع في الشمال المحرر يحفظ أهلنا من عدوان محتمل للنظام المجرم وحلفائه".

وفي السياق نفسه، بحث وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس الخميس، مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، خلال اتصال هاتفي "قضايا تتعلق بالأمن الإقليمي، والوضع في سورية" بحسب وكالة "الأناضول" التركية. وخلال كلمة ألقاها أمس في مقر رئاسة الأركان التركية، في العاصمة أنقرة، قال أكار، إن بلاده تسعى إلى ضمان سلامة حوالى 4 ملايين شخص قبل انهيار وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، وإيصال المساعدات من دون عوائق، ووقف الهجمات على المنطقة. وقال إن النظام السوري الذي قتل ما يتجاوز المليون من مواطنيه، يواصل هجماته في الآونة الأخيرة من البر والجو على مناطق يسكنها الأبرياء في إدلب، مشيراً إلى أن أنقرة ستواصل "المباحثات اللازمة حيال هذا الأمر على المستويين الدبلوماسي والعسكري"، مشدداً على أن الدولة التركية تبذل جهوداً لمنع الهجمات على إدلب بتدابيرها التي ستتخذها من خلال التباحث والتحدث مع الدول المعنية، "وإن شاء الله سنمنعها".

وتعليقاّ على ذلك، قال المحلل السياسي السوري، عبد الوهاب العاصي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تركيا وروسيا على الأرجح لم تتوصلا حتى الآن إلى اتفاق حول مصير الشمال السوري، مستبعداً أن تقدّم أنقرة تنازلات في محافظة إدلب ومحيطها مقابل مكاسب غير مضمونة تُمنح لها على شكل وعود في شرق سورية. ورأى العاصي أن حديث "الجبهة الوطنية للتحرير" عن استعدادها التام لأي هجوم مقبل على محافظة إدلب ومحيطها وتجهيز التحصينات الهندسية الدفاعية اللازمة إلى جانب الخطط الهجومية المتناسقة، ما هي إلا "رسالة تركية من الميدان إلى الأطراف الفاعلة الأخرى، لأن الجبهة قالت حين تشكيلها إن لديها مرونة كبيرة في التعامل مع أنقرة التي تقدّم دعماً لوجستياً واستشارياً لها ومالياً بشكل غير مركزي عبر مكوناتها".