وفاة جون ماكين تفضح المستوى الذي بلغته السياسة الأميركية

وفاة جون ماكين تفضح المستوى الذي بلغته السياسة الأميركية

واشنطن

فكتور شلهوب

avata
فكتور شلهوب
29 اغسطس 2018
+ الخط -

لا تخلو السياسة في أي مكان، من تصفية الحسابات والمناكفات والمهاترات، حتى الرخيصة منها. لكن عندما تتحول إلى نمط من الممارسة الانتقامية والكيدية الشخصية، وسط أجواء مأزومة وفي بلد مثل الولايات المتحدة، تصبح اللعبة خطيرة.

ليس فقط على الداخل بل أيضاً على الخارج. فإذا كانت "كل السياسات محلية" في منطلقاتها، فإنّ الداخلي منها ينسحب في نهجه وتوجهاته على صياغة ورسم سياسة أميركا الخارجية. هذه الأخيرة تنعكس عليها، وإلى حدّ بعيد، مناخات وسمات الوضع السياسي المحلي، لا سيما إذا كان هذا الوضع على ما هو عليه الآن من ضحالة وفردية متقلّبة، وأجواء موتورة لم يسبق أن عرفت مثلها أميركا.

رحيل السناتور الجمهوري جون ماكين، جاء ليكشف عمق هذه الضحالة. لم يجمع بين الراحل، والرئيس دونالد ترامب، من البداية، غير النفور المتبادل، رغم انتمائهما لـ"الحزب الجمهوري" الواحد. واستمرّت الكراهية بينهما حتى في الموت، الذي تسيّس في واشنطن في هذا الزمن، كما قال أحد المراقبين.

السناتور أوصى بعدم مشاركة ترامب في جنازته. والرئيس وجد في هذه الوصية، ذريعة للغياب عن هذه المشاركة غير الراغب أصلاً فيها. اكتفى بعد إعلان الوفاة، بتعزية فاترة عبر حسابه على "تويتر" من غير إصدار بيان رئاسي بالمناسبة؛ جرياً على العادة. كما اكتفى بتنكيس نصفي للعلم الأميركي فوق البيت الأبيض، ولمدة 24 ساعة فقط، في حين بقي منكساً فوق مبنى الكونغرس.

الخروج بهذه الصورة الفجة عن البروتوكول، أثار حالة واسعة من التأفف والاعتراض، حتى في صفوف العاملين في البيت الأبيض، لا سيما وأنّ السناتور المحسوب على جناح الصقور في السياسة الخارجية يحظى، بشعبية ومقبولية واسعتين، من باب أنّه وقع في الأسر بحرب فيتنام، ومتحدّر من عائلة عسكرية شغلت أعلى المراتب في سلاح البحرية، وقضى أكثر من ثلاثين سنة في مجلس الشيوخ، مارس خلالها دوره كرجل التسويات مع الديمقراطيين، وفق التقاليد المتوارثة في الكونغرس، والتي لم يبق لها أثر في هذه الأيام.

لكن الضجة والانتقادات حملت ترامب على التراجع عن موقفه البارد، حيث وافق بعد 72 ساعة من الوفاة، على صدور بيان تعزية باسم البيت الأبيض، مع تنكيس العلم من جديد، لتقليل الخسائر السياسية، خاصة وأنّه سيجري تكريم السناتور، في أواخر الأسبوع، بمأتم رسمي غير اعتيادي في واشنطن، بين مبنى الكونغرس والكاتدرائية الوطنية، وبغياب ترامب.


ما كشفت عنه هذه المناسبة، أبعد من خرق أصول ولياقات وبقايا كراهية شخصية. جذوره تكمن في الخلل المتفاقم في الحياة السياسية الأميركية. وثمة من يضع هذا الخلل بمنزلة التهديد ليس للديمقراطية الأميركية فحسب، بل أيضاً لأميركا نفسها.

"الخطر اليوم على البلاد أفدح مما كان عليه أيام ووترغيت" يقول جون دين، أحد كبار مساعدي الرئيس ريتشارد نيكسون، وأول المتعاونين مع المحقق الخاص آنذاك في تلك الفضيحة. كلامه كثيراً، ما يتردد هذه الأيام، بصيغة أو بأخرى، وعلى لسان خبراء ومؤرخين ومسؤولين سابقين؛ من أمثال جون برينان المدير السابق للاستخبارات الأميركية "سي أي إيه" الذي يحذر من خطورة "الأزمة الراهنة" التي تمر بها الولايات المتحدة، ويدعو إلى نوع من الاستنفار الوطني للإنقاذ. البيت الأبيض يزداد تفرّده بالقرارات، والكونغرس "يتفرّج" ويغض النظر عن دوره الدستوري في كبح جماح الشطط، وسط جو من الفساد المالي والسياسي الذي فضحته المحاكمات الأولية في القضايا المتعلقة بالتحقيقات الروسية أو المتفرعة عنها.

وما تكشّف منها حتى الآن ليس سوى "رأس جبل الجليد"، عشية انتخابات حاسمة للكونغرس، وتراشق عنيف بين البيت الأبيض وخصومه، تسود فيه عقلية الخصومات العشائرية التي تقزمت معها العملية السياسية، لتتحوّل إلى ممارسة منفلتة همّها تصفية الخصم السياسي بأي ثمن. واشنطن اليوم مدينة ملوثة سياسياً أكثر من أي وقت مضى.

ذات صلة

الصورة

سياسة

عزل مجلس النواب الأميركي، يوم الثلاثاء، رئيسه الجمهوري كيفن مكارثي في سابقة في تاريخ الولايات المتحدة تجسّد مدى الانقسامات التي يعاني منها الحزب الجمهوري
الصورة

سياسة

ذكر تقرير لموقع "أكسيوس" الإخباري، اليوم الثلاثاء، أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، وحملته الانتخابية يعملون على مشروع جد حساس بالنسبة إلى إعادة انتخابه في المنصب الرئاسي، والمتمثل بتفادي تعثره أو سقوطه في أثناء مشاركته في الأنشطة العامة.
الصورة
ترامب (كريس دلماس/فرانس برس)

منوعات

بعدما أصبح أول رئيس أميركي سابق توجه له تهم جنائية، بات دونالد ترامب الأول أيضاً الذي تلتقط له صورة جنائية تنضم إلى مجموعة مماثلة تاريخية لصور مشاهير.
الصورة

سياسة

يواجه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من بين عدة تهم أسندت إليه، تهمة انتهاك قانون مكافحة الجريمة المنظمة، المعروف باسم "ريكو"، والذي قد يصل حد عقوبته إلى ما بين 5- 20 سنة في السجن.

المساهمون