معركة إدلب: المعارضة مستعدة وروسيا تصعّد عشية قمة تبريز

معركة إدلب: المعارضة مستعدة وروسيا تصعّد عشية قمة تبريز

28 اغسطس 2018
إدلب تنتظر قمة إيران (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -



رفعت المعارضة السورية المسلحة سقف التحدي لقوات النظام السوري وحلفائه، مع تصاعد استعدادات الطرفين لمعركة محتملة، يبدو أنها باتت تقترب في إدلب، شمال غربي سورية. وأكدت المعارضة أنها "ستنتقل إلى الهجوم"، في تحوّلٍ بارزٍ لموقف المعارضة التي تتحضر لمعركة مصيرية طويلة الأمد من شأنها حسم الصراع على سورية. وفي الوقت نفسه، يواصل النظام وحلفاؤه حرباً نفسية وإعلامية على فصائل المعارضة السورية التي تدرك أنها تملك مقومات الصمود في وجه قوات النظام التي تعتمد على عناصر من مناطق "المصالحات" ضمن معركة على جبهات متعددة مفتوحة، تمتد من ريف اللاذقية الشمالي وحتى ريف حلب الغربي، وتعد مجالاً رحباً أمام المعارضة لضرب قوات النظام وتكبيدها خسائر.

غير أن الحسابات تبدو مغايرة لدى الروس، إذ نقلت وكالة "تاس" عن وزارة الدفاع الروسية قولها إن "الولايات المتحدة تعزز قدراتها في الشرق الأوسط استعداداً لشن هجوم محتمل على قوات الحكومة السورية". وكلام وزارة الدفاع ليس الأول من نوعه، إذ أنه لليوم الثالث على التوالي تكرر روسيا روايتها، التي يعتقد كثيرون أنها ذريعة روسية لتبرير مجزرة في إدلب. ويأتي الكلام الروسي أيضاً في سياق تأكيد حصول المعركة، على أن موعدها قد يلي القمة التركية ـ الإيرانية ـ الروسية المشتركة، حول سورية، المنوي عقدها في 7 سبتمبر/أيلول، في تبريز، شمال إيران، بعد أن كانت مقررة سابقاً في طهران. وفي هذا الصدد، أعلن التلفزيون الرسمي التركي "تي آر تي"، أمس الإثنين، أن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيحضر القمة".

وتوعّد القائد العام لفصيل "جيش العزة" التابع للجيش السوري الحر، جميل الصالح مساء الأحد، قوات النظام، بالسيطرة على مدينة حماة، رابع المدن السورية أهمية، في حال قررت روسيا والنظام التقدم باتجاه شمال غربي سورية، حيث المعاقل الأبرز للمعارضة السورية. وذكر القيادي العسكري في تغريدة له على حسابه في "تويتر": "بإذن الله لن نخسر شبراً من المناطق المحررة وسندخل حماة وغيرها مع أول مغامرة للروس، ومرتزقة النظام".

من جانبه قال قائد العمليات في "جيش العزة" العقيد مصطفى البكور لـ "العربي الجديد"، إنه "حضّرنا لمعركة طويلة ونقل المعركة إلى حالة الهجوم". وأشار إلى أن "المعركة مع قوات النظام حتمية وقريبة حسب المعطيات الموجودة على الأرض". و"جيش العزة" من أبرز فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي، وهو من الفصائل التي يُعول عليها الشارع السوري المعارض كونه يضم عدداً كبيراً من الضباط المنشقين، ويُخضع مقاتليه لدورات تدريبية أكاديمية بشكل متكرر، فضلاً عن كون هذا الجيش لم يتدخل بحياة المدنيين، وفضّل البقاء على نقاط تماسه مع قوات النظام منذ تأسيسه. وهو ما أكسبه ثقة الحاضنة الاجتماعية للثورة. وانسحب "جيش العزة" من مسار أستانة كله مطلع العام الماضي، بسبب استهداف الطيران الروسي مقراته، والمناطق السكنية المحيطة بها في ريف حماة الشمالي، وبسب قيام المليشيات الإيرانية وقوات النظام في ذلك الحين بالتقدم إلى وادي بردى شمال غربي دمشق، وإجلاء سكان القرى عن بيوتهم والتغيير الديموغرافي السكاني، على الرغم من الوعود الروسية بأنه لن يتم اقتحام المنطقة.



بدوره، أكد المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" التابعة للمعارضة السورية، النقيب ناجي المصطفى، أن "الفصائل رفعت الجاهزية العسكرية لديها منذ بدء تهديدات النظام باجتياح محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها"، مؤكداً في تصريحات صحافية أن "المعارضة السورية المسلحة جاهزة لكل السيناريوهات المحتملة في معركة إدلب". وأشار إلى "وجود خطط للهجوم على مناطق العدو، لتحقيق مكاسب استراتيجية في حال قرر الأخير الهجوم العسكري على المنطقة".

ومن اللافت إطلاق وسائل إعلام روسية تسمية "الكبرى" على المعركة المنتظرة في إدلب، وذلك في سياق حرب نفسية وإعلامية للنظام  وحلفائه على المعارضة السورية المسلحة، وارتفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة.

ولم تتوقف تهديدات النظام عند حدود المعارضة السورية، بل وصلت إلى تركيا الداعم الرئيسي لفصائل المعارضة في الشمال والشمال الغربي السوري، فظهر وزير الخارجية في حكومة النظام وليد المعلم في مقطع فيديو، أمس الإثنين، مؤشراً بيده نحو أراضي "لواء إسكندرون" على ساحل المتوسط، وهو ضمن حدود الدولة التركية منذ ثلاثينات القرن الماضي.

وقال المعلم في المقطع، الذي صُوّرَ أثناء وجوده في قرية السمرا بريف اللاذقية، وتداولته صفحات سورية على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم الأحد، إن "لواء إسكندرون أرض سورية، وستعود لنا". وكانت تسريبات قالت بأن "الأسد الأب، تخلى نهائياً عن اعتبار الدولة السورية، بأن إسكندرون أرض تابعة لها، واعترف بتبعية الإسكندرون لتركيا في اتفاق أضنة الشهير الذي أُبرم في تسعينيات القرن الماضي، للحيلولة دون اقتحام الجيش التركي لشمال سورية على خلفية دعم النظام السوري لحزب العمال الكردستاني".



وواصلت صحف تابعة للنظام حملة إعلامية بدأت منذ نحو شهر باتجاه شمال غربي سورية، فأكدت صحيفة "الوطن" يوم الأحد، أن "قوات النظام تواصل إرسال التعزيزات إلى ريف حماة الشمالي استعداداً لمعركة إدلب"، فيما أكدت مصادر في الجنوب السوري لـ"العربي الجديد" أن "قوات النظام نقلت مئات الشباب من مناطق المصالحات في درعا إلى ريف حماة لزجّهم في المعركة". وأشارت إلى أن "عدداً كبيراً من شباب درعا رفضوا الانخراط في المعركة رغم الترغيب والترهيب الروسيين"، لافتة إلى أن "الجانب الروسي يعرض على الشباب التطوع بالفيلق الخامس مقابل 200 دولار شهرياً، في حين يتقاضى المتطوع في الفرقة الرابعة وقوات النمر أقلّ من 100 دولار".

ولم يعد يملك النظام القوة الكافية للدخول في معركة على جبهات عدة، إثر تعرّض قواته على مدى سنوات لخسارة جسيمة وفقدانها عشرات آلاف الضباط والعناصر. كما أن عدداً كبيراً من الشباب السوريين فرّوا من الخدمة الإلزامية في هذه القوات، ومن ثم لم يعد أمام النظام إلا إجبار الشباب في مناطق المصالحات على الانخراط في قواته، خصوصاً في الجنوب السوري والغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي.

وفشل النظام في إجبار أكثر من 30 ألف "متخلف عن الخدمة" في محافظة السويداء لوحدها على الالتحاق بقواته، ما يعني أن موازين معركة إدلب في حال حدوثها ليست لصالحه، لأن عليه مواجهة أكثر من 100 ألف مقاتل تمرّسوا في القتال منذ سنوات. ولكن المعارضة تخشى من الطيران الروسي، خصوصاً لاتباعه سياسة "متوحشة" تفتك بالمدنيين وهو ما يعد نقطة ضعف المعارضة الأبرز.

ومن المتوقع أن تضع فصائل المعارضة السورية خلافاتها خلف ظهرها مع أول رصاصة في المعركة، لأنها تدرك أن مصيرها متعلق بنتائج هذه المعركة المتوقعة في الشهر المقبل، في حال ما لم تعمل أطراف الصراع على تفاديها وهو ما لا يلوح في الأفق القريب، فالروس ماضون في خطط القضاء على "هيئة تحرير الشام" في شمال غربي سورية سلماً أو حرباً وإعادة النظام إلى هذه المنطقة.

من ناحية أخرى تدرك قوات النظام صعوبة المعركة المقبلة حيث الجبهات المتعددة والمفتوحة في ريف اللاذقية الشمالي وفي ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي والجنوبي الغربي، في ظل حديث عن رفض حزب الله اللبناني الانخراط في المعركة، إذ لم تعد له مصلحة مباشرة بعد إخلاء بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين بالقرب من مدينة إدلب  أخيراً. وهو ما يزيد من متاعب قوات النظام التي تدرك أن الحرب النفسية لن تستطيع لوحدها إسقاط إدلب، رغم أن المعركة قد تكون جزئية مع محاولة القوات المهاجمة فيها، قضم المناطق وتقسيمها لمربعات.