خطوة صحيحة

فُتح أخيراً، بعد أن تأخر كثيراً، أوّلُ معبر بري بين الجزائر وموريتانيا. وللمرة الأولى، بعد خمسة عقود من استقلال البلدين، صار بالإمكان العبور براً من تندوف الجزائرية إلى الزويرات الموريتانية. بقدر ما كان الحدث مفرحاً إلى حد السرور في علاقة باستشراف ما سيدره هذا المعبر من ازدهار في التبادل التجاري بين البلدين والإسهام في تنمية المناطق الحدودية وتعزيز الروابط بين الشعبين والبلدين، بقدر ما يظل التساؤل معلقاً عن مبررات كل هذا التأخر في إقامة هذا الجسر البري، في علاقة بهدر فترة طويلة تغاضت فيها الحكومات في الجزائر وموريتانيا عن تنظيم الحدود وتوفير المعابر البرية لتسهيل تنقل الأشخاص وعبور السلع.

وبمعزل عن أي إسهام اقتصادي أو تبادل وحركة تجارية، ظلت الحدود بين الجزائر وموريتانيا ضمن قراءة في اتجاه واحد، يحدده مسار طويل من التحديات الأمنية خلال سنوات متقطعة من التوتر في العلاقات بين البلدين على خلفية قضية الصحراء، بعد اتفاقية مدريد في العام 1974، حيث انضمت موريتانيا إلى اتفاقية التقسيم وهو ما أغضب الرئيس الجزائري الراحل، هواري بومدين حينها. ثم قضت التهديدات الإرهابية في العقدين الأخيرين على ما تبقى من هشاشة حدودية. والحقيقة أن الفراغ هو العامل الأبرز الذي أتاح للمجموعات الإرهابية استيطان المنطقة الصحراوية.

وبقدر اتساع الجغرافيا بقدر ما تباعدت موريتانيا عن الخيال العام في الجزائر، إذ لا يعرف الجزائريون عن موريتانيا الكثير، اقتصاداً وسياسةً ومجتمعاً، ولذلك تأخر انتباه الجزائريين إلى نواكشوط، بخلاف الموريتانيين الذين استفاد قطاع كبير من الكوادر والنخب الأكاديمية من التكوين في الجامعات والمعاهد الجزائرية، والذين يتوقون إلى شراكة فاعلة مع الجزائر. تأخر فتح معبر بري بين الجزائر وموريتانيا ليس سوى جزء من إخفاق مغاربي شامل في التكامل الاقتصادي. فمنذ الإعلان عن ميلاد الاتحاد المغاربي، في العام 1986، لم يتجاوز الاتحاد حدود الحلم، إذ أخفقت الحكومات في وضع المشروع موضع التنفيذ، عدا اتفاقيات ظلت حبراً على ورق، فيما أخفقت الشعوب في الدفاع عن حلمها، واستسلمت لمصيرها الذي تصنعه حكومات فاشلة. الأرقام أكثر إيلاماً، إذ لم تتجاوز نسبة التبادل التجاري بين دول المنطقة المغاربية حدود الـ3 في المائة. وبرغم ذلك، فإن ما تم بين موريتانيا والجزائر خطوة صحيحة في الاتجاه الصحيح.