صفقة الجنوب: شراكة روسية إسرائيلية لمستقبل سورية

صفقة الجنوب: شراكة روسية إسرائيلية لمستقبل سورية

03 اغسطس 2018
يراقب الإسرائيليون بارتياح تطورات الجنوب السوري (Getty)
+ الخط -
مع إنهاء روسيا والنظام السوري ملف الجنوب، بإعلان السيطرة الكاملة على المنطقة، لم تتأخر إسرائيل للإعراب صراحة عن ارتياحها لعودة نظام بشار الأسد إلى الحدود مع الأراضي التي تحتلها في الجولان، وذلك بعد رعاية موسكو انسحاب القوات الإيرانية لـ85 كيلومتراً من مواقعها السابقة في الجنوب لعدم إزعاج قيادة إسرائيل، وذلك بالتزامن مع تأمين روسيا عودة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة "أندوف" إلى المنطقة. كل هذه المعطيات تؤكد إنجاز الصفقة الروسية الإسرائيلية في سورية، القائمة على اعتراف تل أبيب بـ"شرعية" نظام الأسد والقبول باستمراره، بما يعني ذلك من قبول أميركي لوجود الأسد، مقابل تأمين "أمن إسرائيل"، عبر حراسة الأسد للحدود وإبعاد القوات الإيرانية وحلفائها عن المنطقة، مع إبقاء الحرية المطلقة لإسرائيل باستهداف الإيرانيين وأي قوات أخرى في سورية ترى أنها تشكّل خطراً على أمنها، مثلما حصل ليل الأربعاء، عندما استهدف جيش الاحتلال مسلحين على الحدود قرب الجولان يُعتقد أنهم من تنظيم "داعش".

وأكد وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، أمس الخميس، أن تقدّم قوات الأسد في جنوب سورية يصب في مصلحة بلاده. وقال أثناء تفقده بطاريات صواريخ باتريوت في شمال إسرائيل، إن "الوضع في سورية من وجهة نظرنا سيعود إلى ما كان عليه قبل الحرب الأهلية، ومن مصلحة الأسد ومن مصلحتنا أن يكون الوضع مثل سابق عهده". واعتبر أن المستوطنين في شمال إسرائيل بإمكانهم أن يعيشوا بهدوء بعد استقرار نظام الأسد وعودته للسيطرة على المناطق الحدودية، مضيفاً أن تحوّلاً إيجابياً طرأ على البيئة الأمنية الإسرائيلية بعد استقرار نظام حكم الأسد واستكمال سيطرته على الجنوب السوري. وعندما سئل إن كان قلق الإسرائيليين سيخف بشأن احتمال تصاعد الوضع في الجولان أجاب "أعتقد ذلك. أعتقد أن هذا هو ما يريده الأسد كذلك".

ولفت ليبرمان إلى "أننا لم نتدخل في الشؤون الداخلية السورية ولن نتدخل لضمان الهدوء شرط أن تتوفر ثلاث نقاط مهمة لنا، أولاً يتعين على سورية الالتزام الصارم باتفاقية وقف إطلاق النار عام 1974 التي تراقبها الأمم المتحدة والتي أقامت منطقة منزوعة السلاح في الجولان، وثانياً لا يمكن أن تكون الأراضي السورية بمثابة قاعدة أمامية لإيران ضد دولة إسرائيل، وثالثاً ألا تكون سورية محطة عبور لتهريب السلاح من إيران إلى حزب الله في لبنان". وحذر من أنه إذا لم تتوافر هذه الشروط فإن بلاده "ستتصرف وفق مصالحنا الأمنية"، بينما إذا تم الوفاء بهذه الشروط فإن إسرائيل لن تتدخل في سورية ولن تنفذ هجمات داخلها.

وفي تأكيد على الارتياح لعودة نظام الأسد إلى الحدود، قال ليبرمان إن الأمور باتت أفضل "فالآن يوجد عنوان داخل سورية، يوجد حكم مركزي وسيكون مسؤولاً أمامنا". وأضاف: "أعتقد أن الهدوء على الحدود يمثل مصلحة لنا ولنظام الأسد، فالنظام يعي تماماً ماذا يمكن أن يحدث في حال لم تعد الأمور إلى ما كانت عليه قبل العام 2011، وأنا متأكد من أن الأسد يأخذ ما أقول بعين الاعتبار".

ويعكس هذا الموقف نجاح موسكو في تأمين المصالح الإسرائيلية في سورية مقابل قبول الاحتلال ببقاء الأسد. وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرينتييف، أكد الثلاثاء انسحاب القوات الإيرانية لـ85 كيلومتراً من مواقعها السابقة في الجنوب برعاية روسيا بغية عدم إزعاج قيادة إسرائيل. كما أن السفير الروسي لدى تل أبيب، أناتولي فيكتوروف، شدد الإثنين على أن روسيا ملتزمة بضمان أمن إسرائيل.


وفي مؤشر على أن إسرائيل ستبقى تتصرف وفق ما تراه مناسباً لحماية أمنها داخل سورية، برضى روسي، أعلن الجيش الإسرائيلي أمس قتل "سبعة نشطاء إرهابيين مسلحين" في مرتفعات الجولان ليل الأربعاء. وقال المتحدث باسم الجيش رونين مدليس، إن محطات رصد تابعة للاستخبارات العسكرية تعقبت تحركات السبعة الذين كانوا يتواجدون على بعد 200 متر من الحدود لمدة من الزمن قبل أن تقوم طائرة من دون طيار بإطلاق عدة صواريخ وتصفيتهم. وأشار إلى أن قوة خاصة توغلت فجر أمس داخل سورية وعثرت في المكان الذي تمت فيه التصفية على خمس بنادق رشاشة من طراز "كلاشينكوف" وأجهزة "إيباد" مفخخة وقنابل وأحزمة ناسفة. وشدد الجيش الإسرائيلي في بيان صادر عنه أنه يرى في نظام الأسد "المسؤول الوحيد عن الأوضاع الأمنية في المناطق الحدودية بعد استكمال سيطرته على الجنوب والجولان السوري، وسنعمل ضد كل خرق يتم عبر الحدود مع سورية". بينما ذكر موقع صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إلى أنه على الرغم من بيان الجيش إلا أنه لا توجد أدلة تثبت أن المجموعة كانت في طريقها لتنفيذ عمل ضد إسرائيل، مشيراً إلى أنه تمت تصفية السبعة بناء على قواعد عمل التزم الجيش بالعمل بها وتقوم على مهاجمة كل أي طرف يقترب من الحدود. وأوضحت الصحيفة أن جيش الاحتلال حرص في الأعوام الأخيرة على تكثيف عمليات الرصد في المنطقة التي كان يتحرك فيها عناصر "داعش" على اعتبار أنها منطقة مرشحة لتكون نقاط انطلاق لتنفيذ عمليات تسلل بهدف تنفيذ عمليات.

بالتوازي مع ذلك، كان الجيش الأردني يعلن أمس أن قواته "قصفت وقتلت" عناصر لتنظيم "داعش" حاولوا الاقتراب من الحدود الأردنية قادمين من سورية الثلاثاء.

تطورات الجنوب السوري تتزامن مع بسط قوات النظام سيطرتها على كل المنطقة، إذ أعلنت وكالة "سانا" التابعة للنظام أمس الخميس أن قوات الأخير سيطرت على القصير، آخر قرية كان يسيطر عليها فصيل "جيش خالد" التابع لتنظيم "داعش" في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي. وأشارت الوكالة إلى أن قوات النظام اشتبكت مع آخر تجمّعات الفصيل المذكور في قرية القصير بعد سيطرتها خلال اليومين الماضيين على بلدة الشجرة وقرى عابدين ومعربة وكويا وبيت آره. في هذه الاثناء، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أمس استسلام أكثر من 160 من مسلحي فصيل "جيش خالد" في جنوب غرب سورية، مؤكدة إنهاء وجود تنظيم "داعش" و"هيئة تحرير الشام" في السويداء ودرعا والقنيطرة بشكل كامل. كما أكد الجيش الروسي أن النظام استعاد السيطرة على محافظات درعا والقنيطرة والسويداء وعلى الحدود مع الأردن بشكل كامل.

وبعد أن أمّنت روسيا سيطرة النظام على المنطقة، تسعى لفرض ذلك كأمر واقع، عبر إعادة الأوضاع إلى ما كنت عليه قبل انطلاق الثورة. فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن موسكو ستنشر قوات من الشرطة العسكرية في هضبة الجولان وتقيم ثمانية مواقع للمراقبة، "لتجنّب أي استفزازات محتملة ضد مواقع الأمم المتحدة على امتداد خط برافو".
ويأتي ذلك كتطمين لعودة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (أندوف) التي توقف عملها في هضبة الجولان قبل سنوات، وهو ما تأكد أمس بإعلان وزارة الدفاع الروسية أن هذه القوات نظّمت أمس، بمساعدة القوات الروسية أول دورية في المنطقة. وتوقفت مهمة حفظ السلام في سورية عام 2014 عندما اختطفت "جبهة النصرة" 45 من عناصر حفظ السلام، قبل أن تطلق سراحهم بعد أسبوعين، لتقوم الأمم المتحدة بسحب بعثتها لحفظ السلام من الجولان فور وقوع الحادث.