التهدئة مع "حماس" تفاقم الاستقطاب داخل الحكومة الإسرائيلية

التهدئة مع "حماس" تفاقم الاستقطاب داخل الحكومة الإسرائيلية

19 اغسطس 2018
نتنياهو وليبرمان يتصدّران الداعين إلى التهدئة (فرانس برس)
+ الخط -

أسهم الحراك الإقليمي والدولي الهادف إلى دفع إسرائيل والمقاومة الفلسطينية للتوافق على مسار تهدئة، إلى تعاظم مظاهر الاستقطاب داخل الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال الذي يقوده بنيامين نتنياهو.

ويعود هذا الاستقطاب، الذي أفضى إلى تبلور اصطفافات جديدة داخل الائتلاف الحاكم، إلى حقيقة أن أعضاء الحكومة الأكثر يمينية وتطرفًا في تاريخ إسرائيل، يشعرون بغير قليل من الحرج من حقيقة أنه على الرغم من تعهداتهم السابقة أمام الجمهور الإسرائيلي باجتثاث حركة "حماس" في أول اختبار يتلو حرب 2014، فإن الحكومة التي تضمهم هي تحديدًا التي تبدو مستعدة للتوصل لتفاهم على مسار تهدئة يضمن إحداث تحول كبير على الواقع الإنساني والاقتصادي في القطاع.

ونظرًا لأن وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، هو المسؤول المباشر عن تطبيق السياسة الإسرائيلية تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد أطلق عليه ممثلو اليمين الديني في الحكومة والإعلام سهام انتقاداتهم اللاذعة، واتهموه بالجبن في مواجهة "حماس"، والتفريط بمصالح إسرائيل الأمنية من خلال التوصل لمسار التهدئة، وذلك بعد تذكيره بتعهده عندما كان في المعارضة، بأنه سيقوم بتصفية رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، بعد 48 ساعة من توليه منصب وزير الحرب.

وقد أفضت هذه الحملة إلى جعل ليبرمان أكثر حساسية تجاه أنماط المقاومة الشعبية الفلسطينية، حيث إنه أمر، صباح اليوم الأحد، بإغلاق معبر بيت حانون (إريتز) ردًا على مظاهرة نظمها الشباب الفلسطيني الجمعة الماضية بالقرب من الخط الحدودي، قريبًا من المعبر.


وعلى الرغم من أنه سبق للفلسطينيين أن نظموا مظاهرات أكثر صخبًا في المكان، إلا أن ليبرمان، تحت ضغط قوى اليمين الديني، أمر بإغلاق المعبر، الذي يمثل شريان الحياة لآلاف المرضى الذين يشقون طريقهم عبره لتلقي العلاج في الخارج، في ظل تدهور أوضاع الجهاز الصحي الفلسطيني في القطاع.

لكن على الرغم من قرار ليبرمان، فإن هناك ما يدلل على أن موازين القوى داخل الائتلاف الإسرائيلي باتت تميل للأطراف المتحمسة للتوصل لمسار التهدئة، وضمنهم ليبرمان ونتنياهو. فقد اصطف وزير الأمن الداخلي الليكودي، غلعاد أردان، إلى جانب ليبرمان وفي مواجهة معارضيه، سيما وزير التعليم، نفتالي بنيت، حيث انتقد خطة الأخير، التي زعم أنها تصلح للقضاء على قوة "حماس" العسكرية من خلال حملة قصف جوي متواصل، دون الحاجة لشن حملة برية في قلب القطاع.

وفي مقابلة أجرتها معه صباح اليوم الأحد إذاعة الجيش الإسرائيلي، قال أردان إن حملة قصف جوي ستجبر إسرائيل في النهاية على شن حملة برية تنتهي باحتلال القطاع، على اعتبار أن حركة "حماس" سترد على هذا القصف الجوي بإطلاق الصواريخ، وهذا يعني أن إسرائيل ستكون عندها مضطرة لشن عمل بري واسع في القطاع.

وأضاف: "عندما نحتل غزة، فإننا سنعود لطرح السؤال الرئيس: ماذا يحدث في اليوم التالي للاحتلال؟ هذا احتلال سيكلفنا حياة الكثير من الجنود، لذا يتوجب المضي في مسار التهدئة في حال تم تجنب مسار الحرب".

وقد ساندت وزيرة الثقافة الليكودية، ميري ريغف، الجهود الهادفة للتوصل لتهدئة مع "حماس"، بشرط أن تكون تهدئة طويلة الأمد.

ونقل موقع صحيفة "معاريف"، اليوم الأحد، عن ريغف قولها إن أي مسار للتهدئة يجب أن يتضمن حلًا لمشكلة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين. ولمّحت ريغف إلى أنها تؤيد دفع ثمن جدي لقاء عودة الجنود المفقودين، حتى لو كانوا مجرد جثث، مشيرة إلى أنها التزمت أمام عائلتي الجنديين هدار غولدين وشاؤون أورون بالعمل على ذلك.


وعلى الرغم من أن هذا ليس خيارًا، إلا أن ريغف شددت على رفضها إجراء أي اتصالات مباشرة مع حركة "حماس"، مشيرة إلى أنها تدعم التوصل لاتفاق حول مسار التهدئة بواسطة التدخل المصري، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تلعب دورًا مهمًا في الجهود الهادفة للتوصل لهذا المسار.

من ناحيته، قال رئيس جهاز المخابرات الداخلية السابق، يورام كوهين، إن مصلحة إسرائيل تقتضي عدم خوض أي مسار يفضي إلى إعادة احتلال قطاع غزة. وفي مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الإسرائيلي، اليوم، حذر كوهين من منح حركة "حماس" أي إنجاز كبير يمكن أن يمثل دليلًا على أن إسرائيل قابلة للابتزاز وتكون مستعدة لتقديم تنازلات تحت الضغط.

واعتبر أن هذا السلوك سيضر بمصداقية السلطة الفلسطينية، وسيعريها أمام الجمهور الفلسطيني، قائلًا: "رجل الشارع الفلسطيني سيكتشف عندها أنه بالإمكان الرهان على خيار القوة الذي تتبناه حركة حماس، على اعتبار أنه رهان مجدٍ في النهاية".

أما إيلي بن مائير، القائد الأسبق للواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، فقد توقع ألا يسهم التوصل لمسار التهدئة في حل "المعضلة" التي تمثلها غزة لإسرائيل في غضون السنوات القادمة. وفي مقابلة مع صحيفة "معاريف"، قال بن مائير إن كلًا من إسرائيل و"حماس" يعمل حاليًا على كسب الوقت، مشيرًا إلى أن الجهد الحربي الإسرائيلي في القطاع لا يتجاوز توقعات حركة "حماس"، وأن الحركة تعي أن إسرائيل غير معنية بشن حرب جديدة على القطاع.