تهدئة غزة مؤجلة: على الأرض كأن شيئاً لم يكن

تهدئة غزة مؤجلة: على الأرض كأن شيئاً لم يكن

19 اغسطس 2018
عباس لن يوافق على تهدئة تقوي حماس(عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -

تعرضت مباحثات التهدئة الفلسطينية الإسرائيلية، برعاية مصرية، إلى هزة شديدة قد تعرقلها تماماً، مع إصرار السلطة الفلسطينية، وحركة "فتح"، على استبعاد نفسها من المشاورات حتى الآن، والضغط باتجاه تنفيذ شروطها ورؤيتها للمصالحة الداخلية مع حركة "حماس" قبل الاتفاق الشامل على تهدئة طويلة.

ورغم أنّ بعض التصريحات، التي خرجت أخيراً من غزة، أعطت دفعة معنوية للفلسطينيين بفترة هدوء وارتياح اقتصادي، غابت عنهم طوال السنوات الماضية، لكنّ على الأرض "كأن شيئاً لم يكن"، بعد الموقف الرسمي الفلسطيني. ولا تعارض السلطة الفلسطينية التهدئة من حيث المبدأ، لكنها تعتقد وفق الظروف الحالية أنها ستثبت حكم "حماس" للقطاع الساحلي، وهي التي تحارب في السنة الأخيرة لإنهائه بطرق شتى، ومنها فرض العقوبات، التي أحدثت أزمة حقيقية في الاقتصاد والواقع المعيشي. وتتخوف السلطة الفلسطينية كذلك من أنّ تكون المرحلة التي تلي التهدئة تهدف إلى فصل القطاع عن الدولة الفلسطينية الموعودة. ووفق الناطق باسم "فتح" في غزة، عاطف أبو سيف، فإنّ حركته "لن تسمح بانجرار غزة بعيداً عن المشروع الوطني تجسيداً لمدخل صفقة القرن"، مشيراً إلى أنهم "سيناضلون من أجل عدم فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية والمشروع الوطني كما تسعى الإدارة الأميركية وإسرائيل".

وإلى جانب ذلك، فإنّ تجاهل مصر منذ البداية للسلطة الفلسطينية وحركة "فتح" في هذا الملف، أثار حفيظة القيادة الفلسطينية التي اعتبرته تجاوزاً غير مسبوق، وتعاملت معه بشكل سريع، ووجهت له انتقادات واضحة، علنية وفي الغرف المغلقة. غير أنّ حركة "حماس" المتهمة بمحاولة تعزيز حكمها لغزة بمثل هذه الاتفاقيات، تنفي ذلك جملة وتفصيلاً. ووفق عضو وفدها إلى القاهرة، حسام بدران، فإنّ الحركة ناقشت مع المسؤولين المصريين والفصائل، خلال زيارتها الأخيرة، ضرورة إنجاز المصالحة الفلسطينية على قاعدة الشراكة الوطنية الكاملة، بما يحقق وحدة الشعب الفلسطيني ويعزز صموده في وجه المحتل الغاصب. وأوضح بدران أنّ المباحثات تناولت سبل بناء بيئة فلسطينية مناسبة لتحقيق المصالحة، وفي مقدمتها رفع الإجراءات العقابية المفروضة على قطاع غزة، وتطبيق اتفاق المصالحة الشامل الموقع في عام 2011، ومخرجات اتفاق بيروت في يناير/ كانون الثاني 2017. وركزت المباحثات، وفق بدران، على آليات تثبيت وقف إطلاق النار المعلن في عام 2014، بما يحقق كسر الحصار عن قطاع غزة، ويضمن رفع المعاناة عن شعبنا الصامد، واتسمت المباحثات بالجدية والحرص الكبير على تحقيق طموحات شعبنا وآماله.

ورغم اختلاف الروايتين للمباحثات، إلا أنّ مصر أخذت علماً، وفق مصادر لـ"العربي الجديد"، أنّ الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لن يُبقي على التعامل مع قطاع غزة إذا تمت التهدئة بعيداً عنه، وإذا ما استمرت القاهرة في "سياستها الحالية تجاه حماس وغزة". ويُعتقد أنّ عباس سيوقف دفع رواتب موظفي السلطة والدعم الصحي ودعم الكهرباء المدفوع شهرياً من قبل السلطة لغزة، وإنّ حصل ذلك فإنّ مصر لن تستطيع تغطية هذا الأمر، ولا يوجد طرف عربي وافق على دفع ذلك حتى الآن، وهو ما سيوصل غزة حتماً إلى خيارات صعبة، ربما تكون الحرب مع إسرائيل أحدها. وتحدثت لـ"العربي الجديد" مصادر فلسطينية في القاهرة، لتؤكد أنّ مصر سترسل، بعد إجازة عيد الأضحى، وفداً رسمياً إلى رام الله للحديث مع الرئيس الفلسطيني حول الأمر برمته، وعرض ما تم التوصل إليه مع الفصائل والاحتلال الإسرائيلي، ومحاولة تحصيل موافقة منه على هذه الخطة. ومن المقرر كذلك أنّ تعود الفصائل الفلسطينية إلى القاهرة بعد إجازة عيد الأضحى لتلقي الموقف النهائي، ورد الرئاسة الفلسطينية على طروحات التهدئة والمصالحة وغيرها من الملفات التي يجري النقاش فيها.

لكنّ تحقيق اختراق في هذه الجهود يبدو صعباً، فعباس لن يوافق على تهدئة مع إسرائيل تقوي "حماس"، فيما يستمر هو بدفع رواتب الموظفين والقطاعات الحيوية من دون سيطرة حقيقية على القطاع، ما يعني أنّ التهدئة ستبقى تراوح مكانها إلا إذا حدث اختراق في ملف المصالحة الفلسطينية، وهو أمر مستبعد وفق تضارب الرؤيتين بين "حماس" و"فتح"، أو وجدت مصر من يتبنى غزة مالياً وحينها سيكون الانفصال قد تعزز. أما قطاع غزة، الذي تنفس مواطنوه الصعداء قليلاً مع تقدم مفاوضات التهدئة الأخيرة، فإنّ المستقبل القريب لا يبدو "وردياً كما تخيلوا وتمنوا". لكن مليوني فلسطيني يعيشون في "السجن الكبير" يعتقدون أنه "لن يمر عليهم أسوأ مما كان" في ظل وصول الأوضاع إلى الانهيار شبه التام.