تهدئة غزة مؤجلة: على الأرض كأن شيئاً لم يكن
تعرضت مباحثات التهدئة الفلسطينية الإسرائيلية، برعاية مصرية، إلى هزة شديدة قد تعرقلها تماماً، مع إصرار السلطة الفلسطينية، وحركة "فتح"، على استبعاد نفسها من المشاورات حتى الآن، والضغط باتجاه تنفيذ شروطها ورؤيتها للمصالحة الداخلية مع حركة "حماس" قبل الاتفاق الشامل على تهدئة طويلة.
ورغم أنّ بعض التصريحات، التي خرجت أخيراً من غزة، أعطت دفعة معنوية للفلسطينيين بفترة هدوء وارتياح اقتصادي، غابت عنهم طوال السنوات الماضية، لكنّ على الأرض "كأن شيئاً لم يكن"، بعد الموقف الرسمي الفلسطيني. ولا تعارض السلطة الفلسطينية التهدئة من حيث المبدأ، لكنها تعتقد وفق الظروف الحالية أنها ستثبت حكم "حماس" للقطاع الساحلي، وهي التي تحارب في السنة الأخيرة لإنهائه بطرق شتى، ومنها فرض العقوبات، التي أحدثت أزمة حقيقية في الاقتصاد والواقع المعيشي. وتتخوف السلطة الفلسطينية كذلك من أنّ تكون المرحلة التي تلي التهدئة تهدف إلى فصل القطاع عن الدولة الفلسطينية الموعودة. ووفق الناطق باسم "فتح" في غزة، عاطف أبو سيف، فإنّ حركته "لن تسمح بانجرار غزة بعيداً عن المشروع الوطني تجسيداً لمدخل صفقة القرن"، مشيراً إلى أنهم "سيناضلون من أجل عدم فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية والمشروع الوطني كما تسعى الإدارة الأميركية وإسرائيل".
لكنّ تحقيق اختراق في هذه الجهود يبدو صعباً، فعباس لن يوافق على تهدئة مع إسرائيل تقوي "حماس"، فيما يستمر هو بدفع رواتب الموظفين والقطاعات الحيوية من دون سيطرة حقيقية على القطاع، ما يعني أنّ التهدئة ستبقى تراوح مكانها إلا إذا حدث اختراق في ملف المصالحة الفلسطينية، وهو أمر مستبعد وفق تضارب الرؤيتين بين "حماس" و"فتح"، أو وجدت مصر من يتبنى غزة مالياً وحينها سيكون الانفصال قد تعزز. أما قطاع غزة، الذي تنفس مواطنوه الصعداء قليلاً مع تقدم مفاوضات التهدئة الأخيرة، فإنّ المستقبل القريب لا يبدو "وردياً كما تخيلوا وتمنوا". لكن مليوني فلسطيني يعيشون في "السجن الكبير" يعتقدون أنه "لن يمر عليهم أسوأ مما كان" في ظل وصول الأوضاع إلى الانهيار شبه التام.