هادي بالرياض مجدداً: عدن غير قادرة على احتواء الشرعية

هادي في الرياض مجدداً: عدن غير قادرة على احتواء الشرعية

17 اغسطس 2018
بقاء هادي خارج البلاد لا يمثّل رغبة بالنسبة إليه(Getty)
+ الخط -

جاءت عودة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى العاصمة السعودية الرياض، بعد الزيارة التي قام بها إلى مصر، لتمثّل تطوراً روتينياً اعتاد عليه اليمنيون على مدى ما يزيد عن ثلاث سنوات، ظلّ هادي ومسؤولو الحكومة أغلب شهورها خارج البلاد. غير أنّ العودة في هذه الظروف تحمل العديد من الدلالات التي تسلّط الضوء مجدداً على فشل التحالف والحكومة اليمنية في إيجاد موطئ قدمٍ آمن لقيادة الشرعية في المناطق التي تُوصف بأنها "محررة" من جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) منذ سنوات.

وأفادت مصادر حكومية، طلبت عدم تسميتها، لـ"العربي الجديد"، بأنّ "عودة هادي إلى الرياض كانت مقررة كمحطة تالية قبل زيارته إلى العاصمة المصرية القاهرة". ومع ذلك، فقد بدا الجانب الحكومي اليمني مرتبكاً بسبب ما تثيره مغادرة هادي إلى السعودية مجدداً من دلالات وانطباعات سلبية لدى الداخل اليمني، وحتى بالنسبة لمسؤولي الحكومة والرئيس هادي نفسه. وانعكس كل ذلك على التغطية الإعلامية، إذ أعلنت الرئاسة اليمنية ظهر الأربعاء الماضي، أنّ هادي سيغادر القاهرة من دون أن تحدّد الوجهة التي سيغادر إليها، وكأنما التوجّه إلى الرياض بات أمراً ثقيلاً يخجل المسؤولون من التصريح عنه على الفور.

ومثلما كان الاستقبال الذي حظي به هادي في القاهرة، بالتمثيل المتدني، مثار تعليقات يمنية ناقدة، لم يذكر الخبر الذي أوردته وكالة "سبأ" الحكومية اليمنية عن وصول هادي إلى الرياض، أي تفاصيل حول الاستقبال أو الهدف من الزيارة. إذ إنه عاد عملياً إلى مقر إقامته المؤقّت منذ سنوات، حيث يتواجد أغلب المسؤولين، في حين أنّ بقاء هادي خارج البلاد لا يمثّل رغبة بالنسبة إليه، بقدر ما بات يبدو مصلحة للتحالف السعودي الإماراتي، كما ظهر خلال أزمة الشرعية مع الإمارات في الأشهر الماضية على الأقل.


ويتمثّل البعد الأهم المتعلّق بعودة الرئيس اليمني من زيارة مصر إلى السعودية، بكونه يسلّط الضوء مجدداً على الوضع الذي تعيشه المحافظات والمدن اليمنية الخاضعة لسيطرة الشرعية (شكلاً)، غير أنّها عملياً تقع تحت وصاية أمنية وعسكرية للقوات الإماراتية والسعودية. وتأتي في مقدمة هذه المدن مدينة عدن، "العاصمة المؤقتة" بوصف الحكومة، والتي بقي فيها هادي لما يقرب من شهرين في عودته الأخيرة، على ضوء التفاهمات التي جرى إبرامها بين الحكومة اليمنية والجانب الإماراتي. فأبوظبي هي صاحبة القرار الأول في عدن، وهي المسؤولة عن منع هادي من العودة إلى المدينة لأشهر طويلة، وفقاً للاتهامات التي أطلقها مسؤولون يمنيون رفيعو المستوى، بمن فيهم نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية، أحمد الميسري. وكان الأخير أطلق تصريحاً شهيراً قبل أشهر، قال فيه إنّ هادي "ليس سفيراً لليمن لدى السعودية حتى يبقى في الرياض"، وأكّد في السياق، أن عدم عودته هي نتيجة لعدم رغبة الطرف المسؤول عن أمن عدن، ممثلاً بالإمارات.

ولا تقتصر التطورات في السياق ذاته، على العودة إلى الرياض فقط، بل إن الاجتماع الذي عقده هادي مع قيادات "حزب المؤتمر الشعبي العام" في القاهرة، والذي كان الملف الأهم في زيارته، يمثّل دليلاً آخر على تعذّر عقد الاجتماع في المناطق اليمنية غير الخاضعة للحوثيين، والتي لا تتوقف وسائل إعلام السعودية والإمارات عن القول إنها تمثّل ما يقرب من 80 في المائة من مساحة اليمن.

في الإطار ذاته، جاءت التسريبات عن تحضيرات لعقد جلسة برلمانية هي الأولى من نوعها بالنسبة للشرعية، والتي تسعى من خلالها إلى سحب ورقة مجلس النواب من الحوثيين، لافتة، وذلك بسبب الأنباء التي تحدّثت عن أنّ الاجتماع قد يُعقد في العاصمة المصرية، وهو الأمر الذي تعزّز بزيارة هادي إلى مقرّ البرلمان المصري في القاهرة، برفقة العديد من البرلمانيين اليمنيين، بمن فيهم نائب رئيس مجلس النواب، محمد الشدادي. وإذا ما تمّ عقد الاجتماع في القاهرة، فإنه قد لا يخلق انطباعاً تكسب من خلاله الشرعية ورقة جديدة كانت أهم ما تفتقد إليه في الفترة الماضية، بقدر كونه أيضاً مؤشراً على فشلها في إيجاد موطئ قدم آمن لانعقاد جلسة كهذه داخل البلاد، إذا ما تمت بالفعل في القاهرة.

يذكر أنّ سلسلة من الاغتيالات والحوادث الأمنية شهدتها عدن بالتزامن مع وجود هادي خلال الشهرين الماضيين في البلاد. وعكست هذه الأحداث مجدداً، جوانب الاختلال الأمني الذي تعيشه المدينة، حيث السطوة الأمنية في الغالب للقوات المدعومة إماراتياً والتي ترفع راية الانفصال وتطلق التهديدات ضدّ الحكومة الشرعية. وجعلت كل هذه الأمور من عودة هادي إلى الرياض مجدداً، أياً كانت المدة التي سيبقى فيها هناك، أمراً منطقياً طوال الفترة الماضية، ليبقى شاهداً حياً على حجم الفشل السعودي الإماراتي بدعم تأمين المدن اليمنية غير الخاضعة للحوثيين، والتي ما إن انسحب مسلحو الجماعة منها خلال العام 2015 بالغالب، حتى دخلت بدوامة من الأزمات مع المجموعات المسلحة ورغبات التحالف بعدم تمكين الحكومة فعلياً من إدارة تلك المناطق.