غياب السلطة يقلص فرص نجاح مسار التهدئة في غزة

غياب السلطة يقلص فرص نجاح مسار التهدئة في غزة

16 اغسطس 2018
مقاتلون من حماس في تأبين شهداء سقطوا أخيراً(محمود عيسى/Getty)
+ الخط -

على الرغم من إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الثلاثاء، بشكل لا يقبل التأويل، عن أنه "سيتم العمل على إنجاز ترتيبات التهدئة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل، سواء كانت السلطة الفلسطينية طرفاً فيها أم لا"، إلا أن قدرة هذه الترتيبات على الصمود والبقاء ستكون متدنية إلى حد كبير في حال لم تشارك السلطة فيها.

فحتى قبل أن يتم الإعلان بشكل رسمي عن مركبات مسار التهدئة الذي اقترحته مصر والأمم المتحدة، فإن غياب السلطة عنه سيجعل من الصعب على الأطراف الإقليمية والدولية تضمين هذا المسار مركبات تسهم في إحداث تحول جذري وطويل المدى على الواقع الاقتصادي والإنساني في القطاع، وهو التطور الذي يحول دون تفجر مواجهة شاملة بين إسرائيل والمقاومة في غزة.

فمركبات مسار التهدئة المقترح توفر حلولاً لبعض المشاكل الاقتصادية والإنسانية التي يواجهها القطاع، ولا سيما مشاريع تطوير قطاع الطاقة، الصحة، المياه، إلى جانب تدشين مشاريع توفر فرص عمل مؤقتة. إلى جانب أن المسار المقترح يضمن تقليص القيود على إدخال البضائع لقطاع غزة وتحسين حرية الحركة عبر معبر رفح.

لكن في المقابل، فإنه من الصعب أن يحل مسار التهدئة المشاكل الناجمة عن الإجراءات العقابية التي فرضها رئيس السلطة محمود عباس على قطاع غزة، والتي تضمنت تقليص رواتب الموظفين التابعين لحكومة رام الله في قطاع غزة بنسبة 50 في المائة، وتقليص الموازنات التشغيلية للوزارات والدوائر المختلفة.

ومما يفاقم الأمور تعقيداً حقيقة أن عباس يمكن أن يلجأ إلى فرض عقوبات اقتصادية جديدة، في مسعاه لإحباط مسار التهدئة الجديد، مثل توقف السلطة عن دفع الرواتب وتقديم الموازنات التشغيلية بشكل مطلق. ومن غير المستبعد أن يلجأ رئيس السلطة إلى فرض قيود على الجهاز المصرفي في القطاع ذات أثر عميق وواسع، مثل منع التحويلات المالية عنه.

إلى جانب ذلك، من الصعب تصور أن المسار المقترح يتضمن حلولاً لمشكلة موظفي حكومة غزة، الذين يقدّر عددهم بعشرات الآلاف، ولا سيما منتسبي الأجهزة الأمنية. فاستناداً إلى تسريبات سابقة، فإن أكثر ما يطرح لمعالجة مشكلة هؤلاء الموظفين هو أن تتولى دول إقليمية دفع مخصصات مالية غير ثابتة لهم.



وإن كان بالإمكان إسناد الإشراف على تنفيذ مشاريع البنى التحتية المختلفة ومشاريع التشغيل المؤقت إلى الأمم المتحدة، كما نصّ المسار المقترح، فإن دفع رواتب موظفي حكومتي رام الله وحماس في غزة لن يكون ممكناً بسهولة إذا لم يتم عبر أطر السلطة الإدارية.

ومن أجل دفع الرواتب للموظفين في ظل غياب السلطة، يجب توفير بنى مؤسساتية وإدارية محلية جديدة يتم عبرها دفع الرواتب أو تقديم الإعانات للموظفين، لكن تدشين بنى مؤسساتية وإدارية جديدة يحمل في طياته مخاطر سياسية كبيرة، ولا سيما إمكانية أن تصبح هذه البنى نواة لكيان سياسي جديد في القطاع. وهو ما يعني تكريس الفصل السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

حركة حماس، التي تعي تداعيات غياب السلطة عن مسار التهدئة، حرصت على التحذير من أنه من دون مشاركة حكومة رام الله، فإن فرص صمود هذا المسار محدودة. وتعي الحركة التبعات الخطيرة لأي مسار يفضي إلى تكريس الفصل السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، على اعتبار أن هذا أحد أخطر الأهداف التي هدفت مشاريع التسوية التصفوية لتحقيقها، الأمر الذي يعني أن الحركة لن تتعايش مع مسار التهدئة المتبلور في حال تبين لاحقاً أنه يقود إلى هذه النتيجة.

من ناحية ثانية، وعلى الرغم من أن مصر نجحت في إقناع إسرائيل بتغيير موقفها الرافض لاتفاق المصالحة بين حركتي حماس وفتح، على اعتبار أنه يمثل مدخلاً لعودة السلطة إلى قطاع غزة، على اعتبار أن وجود السلطة في القطاع يحسّن البيئة الإقليمية لهذا النظام، إلا أن كل المؤشرات تدل على أن عباس غير معني إطلاقاً بخوض أي مسار يفضي إلى عودة السلطة للقطاع.

فعباس يخشى من أن تفضي عودة السلطة للقطاع إلى تعزيز روافع الضغط الإسرائيلية عليه، على اعتبار أن تل أبيب سترى فيه المسؤول عن أي سلوك تقدم عليه التشكيلات والمجموعات الفلسطينية العاملة في قطاع غزة. وهذا ما يدفع عباس إلى تبني مطالب تعجيزية كشرط لموافقته على اندماج السلطة في مسار التهدئة، تحديداً المطالبة بتفكيك سلاح الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس.

وفي المقابل، فإن عباس يدرك أن نجاح مسار التهدئة يعني المسّ بشرعية تمثيله وتمثيل القيادة الحالية لمنظمة التحرير للشعب الفلسطيني، وهو ما يقلص من هامش المناورة المتاح أمامه في الساحة الدولية، وهذا ما يدفعه لوضع العراقيل المختلفة لإحباط فرص المسار. من هنا، وفي حال لم تقدم الإدارة الأميركية وإسرائيل ضمانات لعباس تعفيه من أية مسؤولية تجاه تل أبيب عن التطورات الأمنية في القطاع، فإنه سيواصل التهرب من مسار التهدئة وفي الوقت ذاته سيعمل على إفشاله.



المساهمون