ذكرى مذبحة رابعة: شهادات حية تفند أكذوبة المسار الآمن

ذكرى مذبحة رابعة: شهادات حية تفند أكذوبة المسار الآمن

القاهرة

العربي الجديد

العربي الجديد
14 اغسطس 2018
+ الخط -

صبيحة يوم 14 أغسطس/ آب 2014، وبعد تطويق قوات الأمن المصرية من الجيش والشرطة ميدان رابعة العدوية في القاهرة، كانت إدارة الشؤون المعنوية والآلة الإعلامية التابعة لها تُكْمل ما بدأه الرصاص في الميدان، وتذيع مناشدات من وزارة الداخلية للمعتصمين لإنهاء الاعتصام، مقابل ضمان خروج آمن لهم. 

تتذكر سارة الغمري، وهي واحدة من أبناء ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 هذا اليوم جيدًا، وتقول "يومها استيقظت مفزوعة على مكالمة هاتفية تخبرني: الاعتصام بيتفض.. ركضت باتجاه شرفة منزلي، وشاهدت عمود دخان أسود كثيفا يصل السماء بالأرض، فحملت هاتفي وحقيبة صغيرة، وهرولت بالنزول". 

تقطن الغمري في مدينة نصر في محيط ميدان رابعة العدوية. يومها لم تتمكن من الوصول لقلب الميدان، ولكنها ظلت في محيطه تساعد الناجين من المصابين، وتقدم من المساعدات ما تستطيع تقديمه. 

تؤكد الغمري، التي كانت على اتصال مع المعتصمين بالداخل، وتعرف أخبار الميدان من الفارّين منه بصعوبة، أن "ممرات الخروج الآمن" التي ادّعتها وزارة الداخلية المصرية كانت مجرد "أكذوبة"، تضمن تشكيل سلسلة بشرية من المعتصمين تنتهي في عربات الشرطة والأمن المركزي، خاصة في الساعات الأخيرة من الفض.

وتوضح المتحدثة ذاتها أنه "في بداية الفض لم يكن الخروج من داخل الميدان مستحيلًا، بل شاهدت عددا من السيدات والأطفال، وحتى الشباب، يخرجون ليسعفوا مرضى، بعدما تسللوا من بين البنايات وساروا مسافات طويلة بعيدًا عن حصار قوات الأمن للمنطقة القريبة من منصة الاعتصام بالقرب من المسجد". 

وتتابع "لكن في الساعات الأخيرة من الفض، كان كل مَن يخرج يُلقى القبض عليه، سواء مصابا أو سليما". 

هذه الشهادة يؤكدها أيضًا ع. ي، أحد المعتصمين وشاهد عيان، حيث قال: "أثناء إسعاف عدد من المصابين، وحملهم للخارج، فوجئنا بضابط يقول: الخروج الآمن للجميع عدا المصابين والقتلى.. اللي عاوز يخرج يتفضل واللي مش هيخرج هينام جنبهم".

وشهد الطبيب محمد رفعت، أحد أطباء المستشفى الميداني برابعة العدوية، بأن "قوات الأمن عندما اقتحمت مستشفى رابعة العدوية أجبرت المعتصمين على الخروج رافعين أيديهم، وأبقت المصابين في الداخل في حالة مزرية لعدم تمكنهم من الحركة والخروج. وكان المستشفى يحتوي على مئات الجثث".

وتختلف تقديرات المنظمات الحقوقية والحكومية، المصرية منها والدولية، في تعداد ضحايا المذبحة، وتبدأ من 333 قتيلًا، بينهم 247 حالة معلومة، و52 حالة مجهولة، و7 حالات من الشرطة، بحسب التقديرات الحكومية المصرية الصادرة عن وزارة الصحة ومصلحة الطب الشرعي، وتصل في بعض التقديرات الحقوقية المصرية إلى 2200 حالة، بحسب آخر إحصاء صادر عن مستشفى رابعة العدوية الميداني، بينما يرتفع العدد قليلًا إلى 2600 قتيل، بحسب ما أعلنته جماعة الإخوان المسلمين آنذاك.

وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقريرها الصادر في 12 أغسطس/ آب 2014، أن عدد الضحايا هو 1150 قتيلاً، قبل أن ينخفض العدد في التقرير الصادر عن المنظمة ذاتها في 14 أغسطس/آب 2015 إلى 817 حالة.

وفي شهادة أخرى، رواها مصور صحافي شارك في تغطية عملية الفض، ونشرها عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قال: "بعدما اشتد الحصار على ميدان رابعة بمن فيه، واستحال معه الخروج منه إلا مقتولا، لم يكن هناك خيار إلا من اثنين، إما الانتظار حتى يأتيني الموت من حيث لا أحتسب، أو الموت من حيث أحتسب.. فقد كانت قوات الإرهاب الأمن سابقا تفتك بالمعتصمين دون أسْر".



وأضاف المصور الصحافي: "اتخذت قراري بالانتظار في المئذنة رغم خطورة المكان، ولكني قررت أن يكون آخر موقع أقوم بالتصوير منه، ولحرمة المسجد من انتهاكه قمت بإخفاء الكاميرا والميموريهات واللابتوب والهارد خوفا من بطش قوات الإرهاب لو خرجت بهم لعلي أعود يوما أسترجعهم، وأرسلت رسائل لمن يهمهم الأمر أُعْلِمهم بمكان الكاميرا واللاب والميموريهات، وكان معي على الموبايل يشد من أزري ويشد من عضدي المصور الفلسطيني خليل حمرا. قررت الخروج عندما سمعت قوات الإرهاب تنادي بفتح ممر آمن من طريق النصر للخروج رغم إطلاقهم الرصاص علينا أثناء الخروج، توكلت على الله وأخفيت كروت الميموري وخرجت بها، وعدت بعد 5 أيام لأجد ظني قد خاب في جيش مصر الذي قام بإحراق المسجد والمئذنة".

حدث هذا بينما كانت وزارة الداخلية المصرية تذيع بيانها بشأن فض الاعتصام، وتقول فيه: "وزارة الداخلية تناشد المعتصمين بالاحتكام إلى العقل وتغليب مصلحة الوطن وإنهاء اعتصامهم فوراً.. وزارة الداخلية حريصة كل الحرص على سلامة كافة المعتصمين وعدم إراقة نقطة دم واحدة. وتتعهد بعدم ملاحقة كافة المعتصمين، باستثناء الصادر بحقهم قرارات من النيابة العامة بالضبط والإحضار، وتناشد المعتصمين برابعة الخروج الآمن من منفذ طريق النصر المؤدي إلى شارع الاستاد البحري".

وتضيف في بيانها: "مقاومة قوات فض الاعتصام يعرّض حياتك للخطر وللمساءلة القانونية، وفقاً لمقتضيات القانون. عملية فض الاعتصام مراقَبة ومصورة بشكل كامل، وسيتم رصد المخالفين وأية مخالفات ترتكب ضد القانون. عملية فض الاعتصام تتم بقرار من النيابة العامة وبحضور وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني".

وبينما كانت وزارة الداخلية تدعي حرصها على عدم إراقة الدماء وضمان الخروج الآمن للمعتصمين، تبين لاحقًا أن النظام المصري لم يترك تفاصيل تحكمها الصدفة في هذا اليوم، بل إنه خطط ودبّر وصور وأعد الخطة كاملة، لا لفض الاعتصام فقط، بل للتنكيل بالمعتصمين أيضًا، وهو ما أكدته لاحقًا المعلومات التي تداولها سياسيون وحقوقيون بأن عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق، قد عرض على الفريق أول عبد الفتاح السيسي عرضاً كلفه به بديع، وهو عبارة عن سحب مناصري مرسي من ميدان النهضة وأمام رابعة العدوية والمصالحة الوطنية، في مقابل الخروج الآمن للجماعة، وعدم محاسبتها، ولكن هذا العرض قُوبل بالرفض، حيث أبلغ الفريق السيسي أبو الفتوح بأن "هذا غير مقبول فلا بد من محاسبتهم على ما فعلوه بمصر وشعبها".

 

 

ذات صلة

الصورة
مئات يترقبون انتشال المساعدات على شاطئ بحر غزة (محمد الحجار)

مجتمع

يواصل الفلسطينيون في قطاع غزة ملاحقة المساعدات القليلة التي تصل إلى القطاع، وبعد أن كانوا يلاحقون الشاحنات، أصبحوا أيضاً يترقبون ما يصل عبر الإنزال الجوي.
الصورة

سياسة

نقلت وكالة "رويترز"، اليوم الجمعة، عن أربعة مصادر أن مصر بدأت تمهيد منطقة على الحدود مع قطاع غزة يمكن استخدامها لإيواء لاجئين فلسطينيين.
الصورة

منوعات

شهدت كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، موجة من السخط والدهشة، بعدما قارن حالة المصريين في ظل التردي الاقتصادي بحالة أهالي قطاع غزة.
الصورة

سياسة

كشف تحقيق لصحيفة "ذا غارديان"، الاثنين، عن أن الفلسطينيين اليائسين لمغادرة قطاع غزة يدفعون رشاوى لسماسرة تصل إلى 10 آلاف دولار، لمساعدتهم على مغادرة القطاع.