التغييرات داخل منظمة التحرير: هل بدأت المرحلة الانتقالية؟

التغييرات داخل منظمة التحرير: هل بدأت المرحلة الانتقالية؟

14 اغسطس 2018
أمسك عباس بمقاليد منظمة التحرير بالكامل (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -



بدأت منذ مطلع الشهر الحالي تغييرات سياسية داخلية فلسطينية على مستوى منظمة التحرير وتعيينات ومحاولات إقصاء في عدد من المؤسسات الفلسطينية، وفيما مرَّ جزءٌ منها بهدوء، لا يزال جزءٌ آخرُ يتفاعل. وتدور هذه التجاذبات في الوقت الذي يعتزم المجلس المركزي الفلسطيني الانعقاد في دورته التاسعة والعشرين تحت اسم "دورة الشهيدة رزان النجار والانتقال من السلطة إلى الدولة" على مدار يومي غدٍ الأربعاء وبعد غدٍ الخميس في ظل مقاطعة الجبهة الشعبية، وتهديد للجبهة الديمقراطية بعدم المشاركة بعد اتهامها بالانتهازية والنفاق والكذب من قبل التلفزيون الرسمي الفلسطيني قبل يومين.

ورأى مراقبون من داخل المشهد السياسي الفلسطيني أن "المرحلة الانتقالية لما بعد الرئيس محمود عباس تتضح ملامحها كل يوم، والتجاذبات التي تشهدها الساحة الفلسطينية ما هي إلا انعكاس لهذه المرحلة، التي يُراد لها أن تمر ليتم البناء عليها وتصبح أمراً واقعاً". وحسب مراقبين فإن "التغييرات التي حدثت وتحدث على مستوى دوائر منظمة التحرير، وهيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير، وأعضاء من اللجنة المركزية لحركة فتح، فضلاً عن تعيينات أخرى لا يمكن النظر إليها بمعزل عن ترتيب مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس".

وعلى صعيد منظمة التحرير، لم ينتج عن نحو خمسة اجتماعات تداولية عقدتها اللجنة التنفيذية للمنظمة بقيادة أمين سر لجنتها صائب عريقات، إلا مزيد من تفرّد عباس، واستئثاره بالقرار حول توزيع الدوائر. كما استأثر عباس بالدائرة السياسية التي لم يتم ذكرها ضمن الدوائر التي أعلن عن توزيعها صائب عريقات في بيانه الصحافي في الأول من الشهر الحالي، فضلاً عن استئثاره بدائرة شؤون المغتربين، وكانت المفاجأة استئثاره أيضاً بترؤس الصندوق القومي الفلسطيني.

وفي الوقت الذي رفض جميع من تم التواصل معهم من اللجنة التنفيذية للمنظمة التعليق على ما سبق سواء بالرفض المباشر للتعليق أو عدم الرد على الاتصالات، عبرت الجبهة الديمقراطية في بيانات متلاحقة لها عن غضبها من سحب دائرة المغتربين من عضو لجنتها المركزية تيسير خالد.

وأكدت مصادر اشترطت عدم ذكر اسمها من اللجنة التنفيذية للمنظمة أن اجتماع اللجنة التنفيذية بتاريخ 28 يوليو/تموز، "شهد ملاسناتٍ حادةً بين خالد وعباس، ما اضطر الأخير لمغادرة الجلسة غاضباً". وحسب المصادر فإن "أمين اللجنة عريقات قال لعباس إن هناك إجماعاً من أعضاء اللجنة التنفيذية على أن يكون خالد رئيساً لدائرة المغتربين، لكن عباس رد غاضباً (هذا الموضوع أنهيناه من زمان). فرد عليه خالد (إحنا ما بنشتغل عندك، أن تقوّض الشراكة، وليس هكذا تكون الشراكة السياسية). فقال عباس (لقد حولتم الدائرة لمكتب للجبهة الديمقراطية)، فأجابه خالد مستنكراً (هل الجبهة الديمقراطية حزب صهيوني؟). ما اضطر الرئيس عباس للخروج".



والاجتماع كان الأول رسمياً للجنة التنفيذية برئاسة عباس بعد ثلاثة أشهر من انعقاد المجلس الوطني، والتوافق على اللجنة التنفيذية التي اجتمعت لدواعٍ بروتوكولية في الرابع من مايو/أيار الماضي، أي بعد يوم واحد على انتهاء أعمال المجلس الوطني.

أما الصندوق القومي الفلسطيني، فهي المرة الأولى التي يتم ترؤسه مباشرة من رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، دون أن يخضع هذا الأمر لأي نقاش داخل اللجنة التنفيذية خلال اجتماعاتها التداولية. وقال المحلل خليل شاهين لـ"العربي الجديد" إن "الأمر مخالف للنظام الأساسي، فللمرة الأولى يكون رئيس المنظمة هو رئيس الصندوق". وأضاف أن "ما يحدث أن الدوائر التي استُحدثت تُحوّل منظمة التحرير إلى صيغة أقرب إلى مؤسسة مجتمع مدني أو منظمة أهلية تابعة للسلطة، وليست جهة تنفيذية تقود كفاح الشعب الفلسطيني. الأمر الآخر أن دوائر منظمة التحرير بصيغتها الحالية تتماهى أكثر مع السلطة التنفيذية، وكل هذا يتم بشكل فردي، من دون عرض ذلك على المجلس الوطني، وبالتالي أصبحت إعادة هندسة منظمة التحرير أكثر سهولة بعد قرار المجلس الوطني بإحالة صلاحياته إلى المجلس المركزي، وأصبح من السهل دعوة المجلس المركزي في ظل التركيبة القائمة لتمرير القرارات، ومن هذه القرارات إضافة عضوية جديدة للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير".

ورجّحت مصادر لـ"العربي الجديد" أن "ترؤس عباس للصندوق القومي أمر مؤقت، وأن هناك نقاشاً وتوجهاً جدياً لإسناد رئاسته لرئيس صندوق الاستثمار محمد مصطفى، وهو أحد المقربين من عباس في القرار الاقتصادي والسياسي". وكان مصطفى ضمن الوفد الفلسطيني الذي ضم رئيس دائرة المفاوضات صائب عريقات، ورئيس جهاز الاستخبارات ماجد فرج، الذي توجه إلى الولايات المتحدة للإعداد لزيارة الرئيس عباس ولقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثالث من مايو 2017.

وإلى جانب استئثار عباس بالدوائر السابقة أو حصرها بالمقربين منه فتحاوياً، تم إلغاء دائرة الشهداء والجرحى والأسرى بعد التوافق عليها في الاجتماعات السابقة، وأصبحت وفقاً لتصريحات عريقات ملفاً ملحقاً بأمين سر اللجنة التنفيذية، واستحداث دوائر جديدة مثل حقوق الإنسان والمجتمع المدني والتنمية البشرية. وحسب المعلومات فإن هناك اقتراحاً بإلغاء الدائرة العسكرية والأمنية، لكن تم العدول عن هذا الاقتراح أمام إصرار رئيس الدائرة صالح رأفت على رفض الاقتراح.



وعلّق رئيس دائرة حقوق الإنسان والمجتمع المدني في اللجنة التنفيذية أحمد بيوض التميمي قائلاً لـ"العربي الجديد"، إن "هذا غير صحيح، المنظمة لم تصبح مؤسسة مجتمع مدني، واستحداث الدوائر الجديدة يدل على تطور في منظمة التحرير، بما يتناسب والظرف الذي نعيش". وكان التميمي قد رفض تسلم دائرة الشهداء والجرحى والأسرى، والتي تم تحويلها إلى ملف يتبع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وحول ذلك قال إن "هذه دائرة عرضت عليّ ورفضتها، فأنا أحب أن أعمل في الشيء الجديد، ولا أحب أن أعمل في مؤسسة يقارن فيها ما بين الحاضر والماضي".

وفيما أكد التميمي أن هناك دائرة باسم الشهداء والجرحى والأسرى أُلحقت بأمين سر اللجنة التنفيذية إلى أن يُصار لها رئيس، أكدت تصريحات عريقات في بيانه حول توزيع دوائر المنظمة الذي نشر على موقع وكالة الأنباء الرسمية "وفا" بالتالي: "تقوم أمانة سر اللجنة التنفيذية بمتابعة ملفات الشهداء والأسرى والجرحى مع الجهات المختصة".

تجاذبات لا تقل أهمية شهدها ملف الأسرى، إذ تمّت إقالة رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع بموجب مرسوم رئاسي، وتعيين لجنة لإدارة الهيئة برئاسة قدري أبو بكر وثمانية آخرين، في ترتيب أشبه بترتيب مؤسسات المجتمع المدني، ورغم التزام قراقع بالصمت، بعد مقال ساخن ألمح فيه إلى أن إقالته أتت بسبب مساندته لإضراب الأسرى، إلا أن الملاسنات الحادة بين عضوة المجلس الثوري فدوى البرغوثي وعضو المجلس المركزي جبريل الرجوب، أخرجت للسطح حقيقة الخلافات التي ظلت تحفر عميقاً منذ انتهاء إضراب الأسرى الذي قاده مروان البرغوثي ونحو 1500 أسير في المعتقلات الإسرائيلية لمدة 41 يوماً وانتهى يوم 27 مايو الماضي 2017.

وحسب مصادر في المجلس الثوري لـ"العربي الجديد" فإن "اجتماع المجلس الثوري الذي عقد في السابع من الشهر الحالي في رام الله، شهد ملاسنة حادة بين فدوى البرغوثي زوجة القيادي الفتحاوي مروان وعضو مركزية "فتح" جبريل الرجوب، فخرجت البرغوثي عن صمتها واتهمت الرجوب بأنه تآمر على إضراب الأسرى". وحسب المصادر فإن "فدوى استُفزت عندما قال الرجوب (إضراب المساجين) رافضة المصطلح، وقالت له (أنت تآمرت على الإضراب)".



وحسب ما وصل "العربي الجديد" من مصادر متطابقة فإن البرغوثي خاطبت الرجوب قائلة: "لقد قمت بتحريض الرئيس محمود عباس على الإضراب، والإضراب كان موجهاً ضد سلطات الاحتلال وإدارة السجون وليس ضد أي طرف فلسطيني". وتابعت: "لقد تآمرتم على الإضراب وفسّختم الحركة الأسيرة، ولا داعي لتدخلك في السجون طالما هناك عضوا مركزية لفتح يمضيان سنوات عمرهما بالاعتقال وهما كريم يونس ومروان البرغوثي، اللذان يعتبران مرجعية الأسرى الفتحاويين، لا داعي لتدخلك". وواجهت البرغوثي الرجوب قائلة: "لقد وصفت الإضراب بالانقلاب وهذا غير صحيح، من قام بالإضراب هم 1500 أسير من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني وإضرابهم ضد الاحتلال".

وذكرت المصادر أنه "استمر الصراخ بين الطرفين رغم محاولات أعضاء الثوري التهدئة بينهما، ورفض الرجوب كل ما وجهته له البرغوثي، قائلاً لها (عليّ الطلاق ما قلت انقلاب) و(راحت بيني وبينك قطيعة يا أم القسام)، قبل أن تغادر البرغوثي القاعة وتستمر بالحديث من الممر".

ومنذ أشهر طويلة يرتبط اسم عضو مركزية "فتح" جبريل الرجوب بالتغيرات التي تحدث في مؤسسات الأسرى، من إقالة قراقع وتعيين الأسير المحرر اللواء قدري أبو بكر والذي عمل منذ 1996 وحتى 2008 في الأمن الوقائي، إلى الضغوط التي يواجهها نادي الأسير.

وحسب المصادر فإنه تم تجميد موازنة نادي الأسير منذ أبريل/نيسان الماضي، فضلاً عن تعرض النادي لضغوط كبيرة وتجميد متقطع في موازنته منذ يونيو/حزيران من العام الماضي أي بعد انتهاء الإضراب.
وحسب ما وصل "العربي الجديد" فإن معلومات وصلت لعباس بأن "النادي يرفض التعاون مع مركزية فتح"، الأمر الذي يبرر الضغوط عليه للوصول إلى إعادة الانتخابات وتغيير قيادته. ومن المعروف أن قدورة فارس الذي يدير النادي منذ سنوات، هو الرجل الأول لمروان البرغوثي.

ويوضح أحد قيادات "فتح" الذي اشترط عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، أن "المعركة على مؤسسات الأسرى يجب فهمها من زاويتين، أولاً إضعاف مروان البرغوثي كمرشح محتمل لأي انتخابات رئاسية مقبلة، وثانياً في حال لم تكن هناك انتخابات، وهو المرجح، سيتم التوافق على الرئيس من داخل مركزية فتح. بالتالي المطلوب أن يكون هناك صوت موحد للأسرى عبر هذه المؤسسات يبايع الرئيس العتيد ولا يفتح أي مجال لوصول أصوات معارضة من داخل المعتقلات".

في سياق التجاذبات والإقصاء، تأتي عودة ناصر القدوة للمشهد مرة ثانية، مع تصريحه في الثامن من الشهر الحالي أن "استقالته في طريقها للانتهاء". وتأتي عودته بعد حديث عن تكليف عباس لعضو مركزية "فتح" روحي فتوح بإدارة مؤسسة "ياسر عرفات" التي يترأسها القدوة. وتشير مصادر لـ"العربي الجديد" أن "عودة القدوة مرتبطة أيضاً بحسابات إقليمية ترى في القدوة مرشحاً محتملاً للرئاسة يجب أن لا يغيب عن المشهد في هذه الفترة". وكان عباس قد أوكل إلى عضو مركزية "فتح" نبيل أبو ردينة مهام مفوضية الإعلام والثقافة التي يديرها القدوة، وذلك بعد استقالة الأخير التي جاءت بعد يوم واحد من انتهاء جلسة المجلس الوطني في الرابع من مايو الماضي.