العلاقات الخليجية التركية أمام 5 سنوات منتظرة

العلاقات الخليجية - التركية أمام 5 سنوات من التثبيت أو إعادة النظر

10 يوليو 2018
العلاقات القطرية ـ التركية تطورت كثيراً (كايهان أوزير/الأناضول)
+ الخط -




تجد دول الخليج نفسها مضطرة إما لإعادة النظر بعلاقاتها مع تركيا على ضوء بقاء الرئيس رجب طيب أردوغان في السلطة بصلاحيات معززة لخمس سنوات مقبلة، أو للحفاظ على طابع تلك العلاقات المتفاوتة الرابطة بين عواصم الخليج وأنقرة منذ سنوات، ذلك أن شخص أردوغان والسياسات التي يتبناها بشخصه وحزبه تعتبر معياراً للعلاقة بالنسبة لكل من دول مجلس التعاون الخليجي.

وتتباين العلاقات التركية الخليجية من بلد إلى آخر، داخل منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، التي يبدو أن مسألة إعادة توحيد مواقفها من جديد شبه مستحيلة بعد حصار قطر. وفي خلاصة التباين، الخصومة التي تصل حد العداء في الحالة الإماراتية تجاه تركيا منذ تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم فعلياً، والتحفظ الشديد في الموقفين السعودي والبحريني، والتحفظ مع الانفتاح في الموقف العماني، والانفتاح في الموقف الكويتي، والعلاقات وثيقة الصلة والشديدة في الموقف القطري، خصوصاً بعد الأزمة الخليجية.

وتعد علاقة الإمارات بتركيا علاقة عداء علنية في التصريحات والمواقف، إذ تتصادم مواقف الدولتين في عدد من القضايا السياسية، أهمها القضية المصرية والانقلاب على الرئيس محمد مرسي عام 2013 المموّل إماراتياً، إضافة إلى حصار قطر وبشكل أقل جزئياً، الحرب على اليمن والمسألة السورية. كما أن حرب التصريحات ظهرت أكثر من مرة، خصوصاً بعد إساءات وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد المتكررة للدولة التركية، وصولاً إلى التقارير والتلميحات التركية شبه الرسمية إلى تورط إماراتي في محاولة الانقلاب في تركيا في 15 يوليو/ تموز 2016.

وامتدت حالة الخصومة الإماراتية التركية إلى القرن الأفريقي، فتحارب البلدان في حرب اقتصادية حول الموانئ والنفوذ في دول ضعيفة مثل جيبوتي والصومال. وألغت دولة جيبوتي عقد تشغيل محطة دوراليه للحاويات في البلاد، والممنوح لشركة موانئ دبي العالمية، بعدما قال المفتش العام في جيبوتي حسن عيسى إن "الاتفاق تم بالتحايل لهضم حقوق جيبوتي". كما ألغت الصومال كافة اتفاقياتها الأمنية مع الإمارات، وقامت بمصادرة ملايين الدولارات التي أدخلها الإماراتيون للبلاد لشراء ذمم السياسيين.

أما في الموقف البحريني، فإن العلاقات مع تركيا تبدو مستقرة وهادئة، ويتحكم فيها الجانب الاقتصادي أكثر من كل شيء، إذ ليس هناك من سبب يدفع البحرين لعداء تركيا، وخصوصاً أن الجزيرة الصغيرة مشغولة بصراعاتها الداخلية عقب احتجاجات عام 2011، ولن تتدخل في أي قضية خارجية إلا بإيعاز من جارتها الكبرى، السعودية، والتي تتحكم في سياستها الخارجية والداخلية عقب دخول قوات درع الجزيرة عام 2011 لحماية الأسرة الحاكمة من الاحتجاجات.

وفي الموقف السعودي، فإن الحذر يبدو سيد الموقف، إذ تحاول الرياض جاهدة عدم استعداء تركيا، التي تتمتع بنفوذ سياسي وعسكري قوي في المنطقة، من الممكن له أن يضر البلاد التي تخوض حرباً شرسة وغير ناجحة في اليمن، وتشاهد مشاريعها السياسية تتهاوى في لبنان وسورية، وتملك حليفاً أثقلها اقتصادياً وهو الحليف المصري.



وعلى الرغم من تصاعد حدة الخطاب ومطالبة دول حصار قطر، ومنها السعودية، بإغلاق القواعد التركية في قطر، واعتبارها خطراً يهدد المنطقة، فإن الموقف السعودي الرسمي بقي هادئاً ومتماسكاً حتى اللحظة الأخيرة، كما هو الحال بالنسبة للموقف التركي الرسمي، الذي يحتفظ بعلاقة براغماتية مع الرياض، رغم الخطاب الإعلامي السعودي الشديد من قبل مستشاري ولي العهد محمد بن سلمان تجاه تركيا وتجاه التاريخ العثماني في المنطقة والحرب الدموية التي شنها الولاة الأتراك ضد الدولة السعودية الأولى، وهو أمر تراه تركيا "مقدساً" بالنسبة إليها.

أما على صعيد سلطنة عمان، وهي الدولة التي تتمتع بسياسة خارجية لها اعتباراتها الخاصة المنفصلة عن بقية الدول الخليجية، وهو ما تمثل جلياً في رعايتها للاتفاق النووي الإيراني، ورفضها المشاركة في حرب اليمن عام 2015 ومحاولتها فرض توازنات إقليمية خاصة بها في المنطقة، فإن علاقاتها مع تركيا تنحصر في الجوانب الاقتصادية أكثر من غيرها. وقامت شركات المقاولة التركية ببناء عدد من المشاريع، لكن العلاقات السياسية بين البلدين لا تزال في مرحلة غير مفعلة، بسبب الحذر العماني الشديد في إيجاد التوازنات.

وتتمتع تركيا بعلاقات جيدة مع الكويت، إذ تتوافق مواقف البلدين في النظر بعين الحذر للسياسات الإيرانية في المنطقة، ومحاولة احتوائها بدل التصادم الأميركي – السعودي معها، كما أن مواقف البلدين في المسألة السورية تبدو متطابقة في رفض النظام السوري، ومحاولة إيجاد حل سياسي للأزمة، وفي الأزمة الخليجية، التي كانت الكويت طرفاً وسيطاً فيها، اعترفت تركيا أكثر من مرة بالدور الكويتي المهم كوسيط وحيد في الأزمة، وحاولت دفع الدول المتصارعة إلى الموقف الكويتي من دون جدوى.

ووقّع رئيس هيئة الأركان الكويتية مع نظيره التركي عدداً من الاتفاقيات العسكرية مطلع هذا العام، وهو أمر نظرت إليه الدول الخليجية المعادية لتركيا بعين الحذر. كما أن القيادات العسكرية الكويتية أجرت عدداً من المباحثات لتسليح الجيش الكويتي بمعدات تركية، لكن أياً من الطرفين لم يعلن عن صفقة عسكرية كبيرة.



وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن الكويت أكثر البلدان الخليجية تعاوناً مع تركيا من الناحية الاقتصادية، إذ وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برفقة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، حجر الأساس لمطار الكويت الجديد منتصف العام الماضي، والذي فازت بمناقصة بنائه شركة "ليماك" التركية بكلفة بلغت أكثر من 4 مليارات دولار. وهو أعلى رقم يحصل عليه مقاول تركي واحد خارج تركيا، كما قامت الشركات التركية ببناء مشاريع مقاولات حكومية أخرى شمالي الكويت.

ويقول أستاذ الدراسات السياسية بجامعة الكويت عبد الله عبد الهادي العجمي، لـ"العربي الجديد"، إن "العلاقات الكويتية التركية فريدة، لأن الكويتيين يستخدمون الأتراك كبعبع في وجه الإيرانيين والسعوديين، وليس في مقدور الأتراك أن يتمادوا سياسياً أو عسكرياً تجاه الكويت، لأنه وبكل بساطة لا توجد حدود مشتركة بين البلدين. كما أن العلاقات الاقتصادية ووجود أكثر من أربعة مصارف كويتية في تركيا، وعشرات شركات المقاولات التركية في الكويت، كل ذلك يعني أن البلدين مستفيدان من بعضهما على كافة الأصعدة بشكل كبير جداً".

وشكلت دولة قطر مع تركيا تحالفاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً مهماً، وبدأ هذا التحالف من خلال توافق الرؤى حول المنطقة ودعم الربيع العربي عام 2011، وتوقيع اتفاقية عسكرية بين البلدين في إبريل/ نيسان 2014، والذي انتهى بإنشاء قاعدة الريان العسكرية في قطر، لكن نقطة التحول الكبرى في هذه العلاقات كانت إبان قرار دول السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع علاقاتها مع قطر ومحاولة فرض الحصار العام الماضي.

ولوّحت دول الحصار بعمل عسكري ضد قطر، رغم وجود قاعدة أميركية عسكرية في العديد، لكن تأييد الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحصار في بدايته، أدى لقيام قطر وبمشورة كويتية بتفعيل الاتفاقية العسكرية بين البلدين، فوافق البرلمان التركي في تصويت سريع على إرسال قوات عسكرية تركية لقطر لحمايتها من أي تدخل عسكري متهور من قبل دول الحصار.

وتصاعد التعاون الاقتصادي بين البلدين، حتى أضحى مسألة وجودية، عقب قطع السعودية لكافة إمدادات الغذاء التي تمر عبر المنفذ البري الوحيد لقطر، منفذ سلوى، وأمدت تركيا بالإضافة إلى دول أخرى، دولة قطر بكافة أنواع البضائع والأغذية.

وسيسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب إعادة انتخابه، إلى محاولة تعزيز العلاقات السعودية التركية وإيجاد أرضية مشتركة، كما قد يسعى أيضاً إلى تقليم أكثر لنفوذ الإمارات في الخليج والقرن الأفريقي، بعد جولة الحرب الأولى التي انتصر فيها ضد ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن زايد. أما على الصعيد القطري، فإن الأزمة الخليجية توفر فرصة تاريخية لتركيا لتعزيز نفوذها في منطقة الخليج العربي من جديد، وتحاول الكويت إيجاد تأثير تركي اقتصادي وسياسي فيها كي توازن بين دول المنطقة التوسعية سياسياً وهي السعودية، وعسكرياً وهي إيران، وتحاول إبعاد نفسها عن مجال نفوذهما.


المساهمون