العراق: حراك أربيل يمهّد لتوزيع الرئاسات والمناصب بسلّة واحدة

العراق: حراك أربيل يمهّد لتوزيع الرئاسات والمناصب بسلّة واحدة

08 يوليو 2018
بدأت وفود بغداد بالوصول إلى أربيل قاصدةً البارزاني(يونس محمد/Getty)
+ الخط -

بعد فشلها في تحقيق نصاب الكتلة البرلمانية الكبرى والبالغ 165 عضواً في البرلمان العراقي الذي يبلغ عدد أعضائه 328 نائباً، وجّهت كتل سياسية شيعية فائزة في الانتخابات التشريعية العراقية بوصلتها باتجاه قوى إقليم كردستان، ولا سيما "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الذي يتزعّمه رئيس الإقليم السابق مسعود البارزاني، في مؤشّر على أنّ أحزاب بغداد ما زالت تؤمن بأنّ أي تحالف لا يمكن أن يكتمل من دون الأكراد، والذين أثبت الواقع أنّهم كانوا وما زالوا "بيضة قبان" العملية السياسية. ولعلّ هذا ما دفع وفدي تحالف "الفتح"، وائتلاف "دولة القانون" للتوجه إلى أربيل قاصدين البارزاني لتمهيد أجواء انطلاق مفاوضات تشكيل الحكومة. ويتزامن ذلك مع أنباء عن قرب توجّه قوى سنية أيضاً إلى أربيل وسط معلومات عن وجود توجّه للتفاوض بشأن الرئاسات الثلاث والمناصب الحكومية في سلة واحدة.

وفي هذا الإطار، أكّدت عضو البرلمان العراقي السابقة القيادية في "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، نجيبة نجيب، أنّ مفاوضات حزبها مع الوفود القادمة من بغداد "ستفتح جميع الملفات العالقة بين بغداد وأربيل"، موضحةً في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "الشرط الأوّل للأكراد هو أن تكون جميع التفاهمات وفقاً للدستور". وأشارت نجيب إلى أنّ المرحلة الأخرى من الحوار "يجب أن تكون بشأن المناصب وحقوق الأحزاب الكردية في الحكومة العراقية المقبلة والتي يجب أن توزّع بشكل عادل"، مبينةً أنّ القوى "الشيعية" الفائزة في الانتخابات "أدركت أنها لا يمكن أن تشكّل الحكومة منفردة، ما دفعها للجوء إلى الأكراد".

وأضافت نجيب أنّ "كل طرف سواء كان في بغداد أو أربيل، عرف حجمه الحقيقي في الانتخابات"، مؤكدةً أنّه "لا يمكن لأحد أن ينكر حق الشيعة في رئاسة الوزراء، إلا أنّ ذلك لا يمكن أن يتم من دون الأحزاب الكردية والقوى السياسية الأخرى". ولفتت إلى أنّ "الدستور هو الشرط الأساسي لمشاركة أحزاب كردستان في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، وقد حظي هذا الشرط بمباركة الاتحاد الأوربي"، مشيرةً إلى أنّ "تخلّي حكومات بغداد في السابق عن مبدأ الشراكة هو الذي تسبب بالأزمات العميقة بين بغداد وأربيل". وتابعت نجيب أنّ "الاجتماعات متواصلة بين أحزاب بغداد، وأحزاب كردستان الفائزة في الانتخابات بشأن تشكيل الحكومة الجديدة"، مشددةً على "ضرورة تجاوز الأزمات، وتشكيل الحكومة بناء على الشراكة".

إلى ذلك، أشار مصدر سياسي مقرّب من "الحزب الديمقراطي الكردستاني" أنّ لقاءات الحزب بوفدين شيعيين "ستضع النقاط على الحروف في ما يتعلّق بمستقبل العملية السياسية"، مبينا في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ حزب البارزاني "سيبلغ الوفدين، والوفود التي ستأتي لاحقاً بأنّ الأكراد لن يشتركوا في الحكومة الجديدة من دون ضمانات".

وأوضح المصدر أنّ الأكراد "سيضعون شروطاً مقابل الاشتراك في الحكومة المقبلة، في مقدمتها حلّ جميع المشاكل العالقة وفقاً للدستور"، لافتاً إلى "وجود توجه لحسم مسألة تولى الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان) وبقية المناصب التنفيذية في سلة واحدة، لضمان عدم تخلّي أي طرف عن الاتفاق في حال حصوله على حصته من المناصب".

وتابع المصدر نفسه أنّ "الأحزاب الكردية ذكّرت وفود بغداد بتخلّي السلطات العراقية السابقة في بغداد عن وعودها حين أقالت رئيس أركان الجيش (الكردي) بابكر زيباري من منصبه، وساهمت في سحب الثقة من وزير المالية السابق، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري عام 2016". وكشف المصدر عن قرب وصول وفود سياسية سنية إلى إقليم كردستان "لإكمال تفاهمات تشكيل الحكومة"، موضحاً أنّ هذه التفاهمات "ستكتمل بشكل نهائي بعد المصادقة على نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في الثاني عشر من مايو/أيار الماضي".

وبدت عضو البرلمان العراقي السابقة عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، فيان دخيل، أكثر وضوحاً بشأن دور حزب البارزاني في الحكومة المقبلة، حين قالت إن "أي حكومة لن تتشكّل في بغداد من دون أن يكون للحزب الديمقراطي الكردستاني بصمة واضحة فيها". ونقلت وسائل إعلام كردية عن دخيل قولها إن "الوفود التي تأتي إلى أربيل تمثّل رسالة واضحة إلى الذين كانوا يراهنون على أنّ حزب البارزاني أصبح ضعيفاً"، موضحةً أنّ "جميع الوفود ستأتي إلى أربيل للاجتماع مع القيادات الكردية من أجل وضع خطوط واضحة لتشكيل الحكومة الجديدة". ولفتت إلى أنّ "الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يضع خطوطاً حمراء على الشخصية التي ستتولّى رئاسة الحكومة المقبلة"، مستدركة "لكن لدينا خطوطاً حمراء حول حقوق الأكراد، لنرى أي طرف سيلبّي حقوقنا ويضعها في برنامج الحكومة".

وأشارت دخيل إلى وجود أحاديث بشأن "تولّي السنّة منصب رئيس الجمهورية، والأكراد رئاسة البرلمان، لكن ذلك لن يتحقق"، مرجحةً أن تكون رئاسة الجمهورية في هذه الدورة من حصة الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وفي السياق ذاته، أكّد عضو "تحالف القوى السنية" السابق، محمد عبدالله، أنّ الكتل السنية الفائزة "لن تتنازل عن حقها في تولي منصب رئاسة البرلمان"، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التفاهمات بهذا الشأن". وأوضح أنّ "الأمور لن تحسم إلا من خلال اتفاق سياسي متكامل يتم بموجبه توزيع جميع المناصب المهمة"، متوقعاً أن تفرز اجتماعات كردستان التي تمثّل حراكاً واسعاً "أشياء جديدة توضح الخريطة السياسية الجديدة".

يأتي ذلك في وقت تتسابق فيه الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات التشريعية العراقية نحو إقليم كردستان من أجل كسب ودّ الأحزاب الكردية التي رفعت سقف مطالبها مقابل الموافقة على الاشتراك في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة. وأكدت مصادر سياسية كردية أنّ وفدي "تحالف الفتح"، وائتلاف "دولة القانون" اللذين وصلا أمس السبت إلى إقليم كردستان "سيبحثان مع الأطراف الكردية مسألة تشكيل الحكومة الجديدة".

وفي هذا الإطار، قال هيمن هورامي، مستشار رئيس "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، إن زيارة تحالف العامري، وائتلاف المالكي إلى إقليم كردستان "تهدف إلى مناقشة تشكيل الحكومة"، موضحاً في تغريدة على موقع "تويتر" أنّ "جميع الأنظار تتجه إلى أربيل لفهم موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني، وانتظار موقفه، ومع أي كتلة سيتحالف من أجل تشكيل كتلة واسعة، لتقرير من الذي سيصبح رئيس الوزراء الجديد".

وفي السياق، أكّد المتحدّث باسم "الاتحاد الوطني الكردستاني" سعدي أحمد بيره، أنّ حزبه قدّم مجموعة ملفات ومطالب للقوى السياسية بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، مبيناً خلال مؤتمر صحافي عقده أخيراً في السليمانية بإقليم كردستان أنّ "هذه المطالب متعلّقة بحقوق الأكراد الدستورية، ودورهم في المرحلة المقبلة".

أمّا عضو البرلمان العراقي السابق، القيادي في تحالف "الفتح"، حنين القدو، فقد أكّد أنّ "وفد التحالف الذي يزور أربيل توصّل إلى جملة من التفاهمات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بشأن إمكانية التحالف وفقاً للأطر الدستورية والثوابت الوطنية"، مبيناً خلال تصريح صحافي أنّ "البرنامج الحكومي للمرحلة المقبلة لا يمكن مناقشته مع جهة واحدة، بسبب اختلاف وجهات النظر من حزب لآخر، وعليه لا بدّ من جلوس جميع الكتل السياسية على طاولة واحدة لإعداد البرنامج الحكومي والاتفاق عليه بالإجماع".

وهذا ما توقّعه عضو البرلمان العراقي السابق عبد الرحمن اللويزي، الذي أكّد أنّ الحكومة الجديدة "يمكن أن تُشكّل في أي لحظة"، مبيناً خلال مقابلة تلفزيونية أنّ "الكتل السياسية سوف تتداعى للمشاركة فيها". ولفت إلى أنّ "جميع شعارات الأغلبية السياسية والمعارضة ستذوب أمام رغبة القوى السياسية في أن تكون طرفاً في الحكومة الجديدة، مؤكداً أنّ هذه الكتل "ستبرر مشاركتها في الحكومة الجديدة بذريعة خدمة جماهيرها، إلا أنّها تريد الحصول على مناصب تنفيذية من أجل تعويض الأموال التي صرفتها على العملية الانتخابية".

بدوره، رأى المحلل السياسي العراقي حسان العيداني، أنّ توجّه الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات نحو إقليم كردستان "يشير إلى وجود رغبة بتوسيع إطار تحالفات تشكيل الحكومة"، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "تقارب نتائج الانتخابات أرغم القوى الفائزة على العودة إلى الحلفاء القدامى، بعد فشل مساعي تشكيل تحالفات طائفية ضيقة".

وتوقّع العيداني أن تشهد المرحلة المقبلة "مزيداً من الزيارات واللقاءات حتى بين القوى المتنافرة لإكمال الكتلة الكبرى القادرة على تشكيل الحكومة"، موضحاً أنّ "الحكومة الجديدة لا يمكن أن تنبثق من دون اتفاق شامل يتم من خلال توزيع جميع المناصب المهمة بشكل يرضي جميع الأطراف".

المساهمون