احتمالان لقنبلة ترامب الإيرانية

احتمالان لقنبلة ترامب الإيرانية

31 يوليو 2018
ما جرى يندرج بسياق سياسة الصدمة التي يعتمدها ترامب(Getty)
+ الخط -

إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس الاثنين، في البيت الأبيض، عن استعداده للاجتماع بالقيادة الإيرانية ومن دون أي شروط مسبقة، باغت واشنطن وشغلها في البحث عن دواعي هذا التحول المفاجئ. ولا شك كان له وقع القنبلة في المنطقة. وبالتحديد عند "الشركاء" المجاورين الذين ناموا على حرير المواجهة الموعودة بين واشنطن ترامب وبين طهران، وحسبوا أن البيت الأبيض لا يحمل في جعبته غير لغة المواجهة معها.

صحيح أن الرئيس لم يتخل عن تشدده تجاه إيران، لكنه الآن طرح خياراً آخر يتضارب مع الخطاب المألوف لإدارته، وليس من النوع الذي يروق لمن راهنوا على خيار التصادم حتى ولو كان طرحه مجرد مناورة، خاصة وأن للرئيس سوابق انتقل فيها من موقع الخصم الذاهب إلى الحرب إلى موقع المحاور على طاولة القمة، كما جرى في تعامله مع كوريا الشمالية. واعتمد نفس النهج في "حربه التجارية" مع الأوروبيين، التي يبدو أنه انكفأ عنها بعد أن جرهم إلى التفاوض. نهج ليس من المستبعد أن يتكرر اعتماده مع إيران.

في عرضه غير المتوقع، نسف الرئيس خطوط السياسة التي رسمها وزير الخارجية مايك بومبيو حيال إيران في خطابين كان آخرهما قبل أيام. وكان في خطابه الأول يوم 21 مايو المنصرم قد اشترط على طهران قبولها المسبق بـ 12 مطلباً حددها كمدخل للحوار معها. وهذه ليست المرة الأولى.

سبق وكررها ترامب مع وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون. ممارسة تثبت مرة أخرى أن ترامب هو صانع السياسة الخارجية والمتحدث باسمها والذي يقرر تقلباتها، سواء بعلم فريقه المختص أو بدون التشاور معه. ممارسة تحولت إلى نمط يعكس في جانب منه عدم الاستقرار في صناعة القرار داخل الإدارة.

وكان قد تردد في الأيام الأخيرة أن هناك حالة من "التنافر" في النهج، بدأت تطفو خطوطها على السطح بين المستشار جون بولتون من جهة، وبين وزيري الخارجية مايك بومبيو والدفاع جيمس ماتيس من ناحية ثانية، خاصة بعد قمة هلسنكي.

مفاجأة ترامب الإيرانية غير المعروفة دواعيها بالضبط حتى الآن. تبدو أنها تدور في فلك واحد من سيناريوهين:

الأول أن الرئيس يخاطب الأوروبيين بهذه الخطوة من خلال عرض يضع طهران في موقف يحملها على الرفض، وبما يسهل عليه تسويق عقوباته التي سيبدأ تنفيذ الشق الأول منها أواخر هذا الأسبوع، وحشر الأوروبيين للالتزام بها من باب أن طهران ترفض حتى التحاور غير المشروط. وكانت طهران قد استبعدت قبل ساعتين من كلام ترامب، الدخول في أي حوار حالياً مع واشنطن.

الثاني، أن عرض الرئيس ترامب ربما يكون قد أتى في سياق تفاهم مع الكرملين، تناول الوضع السوري وما يقتضيه من ترتيبات لاحتواء إيران. الأمر الذي اقتضى طرح فتح حوار معها من غير مقدمات، كترضية واعدة يشجعها على تسهيل ترجمة الخطة الروسية في سورية، والتي تحظى بموافقة ترامب على ما تشير الدلائل.

احتمال لا يستبعد مراقبون أن يكون قد جرى نسج خيوطه بمشاركة عُمان، التي كان وزير خارجيتها يوسف بن علوي قد التقى نظيره الأميركي في واشنطن قبل حوالي ساعتين من مفاجأة ترامب الإيرانية. توقيت ارتسمت حوله هو الآخر علامة استفهام في هذا الاتجاه.

على كل حال، الترجيح أن ما جرى إذ يندرج في سياق سياسة الصدمة التي يعتمدها ترامب في الانتقال من خندق إلى نقيضه لأغراض وحسابات سياسية وجيو سياسية وإن مرتبكة؛ لكنه يأتي أيضاً في إطار التعاون بين البيت الأبيض والكرملين لإعادة ترتيب المعادلة في الشرق الأوسط. توجه غير محسوم، يدور حوله جدل في صفوف الإدارة والدوائر المعنية في واشنطن.