ضغوط على غزة بأشكال متعددة: دفع للتسوية أو الاقتتال

ضغوط على غزة بأشكال متعددة: دفع للتسوية أو الاقتتال

23 يوليو 2018
وداع سفينة الحرية التي أبحرت من غزة(عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يأخذ الضغط على قطاع غزة، بسكانه وفصائله وقواه السياسية، أشكالاً مختلفة، ومن أطراف متعددة، وعلى الرغم من "فشله" حتى الآن في الوصول إلى نتائج لأصحابه، إلا أنه يستمر. كل الضغط الحالي، والسابق الذي بدأ يظهر بشكله "الفج" مع فوز حركة "حماس" بالانتخابات التشريعية قبل 12 عاماً، يعود إلى محاولة استدراج الفلسطينيين إلى فخ تسوية سياسية في صالح إسرائيل، أو إقامة دولة في غزة على حساب الكل الجغرافي، وصولاً إلى التحريض على حرب أهلية داخلية.

وجُربت ضد غزة كل أشكال الضغط، السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي، وتُوّجت الضغوط بحصار مشدد، شاركت فيه مصر إلى جانب إسرائيل، وكلما خُفف أعيد تشديده أكثر من ذي قبل، حتى بات انشغال الفلسطينيين بتدبير أمورهم اليومية هاجساً يلاحقهم في القطاع الساحلي الذي يوصف بأنه "أكبر سجن في العالم".
وبين الحين والآخر، تغلق سلطات الاحتلال الإسرائيلي منفذ غزة التجاري على العالم، المعروف باسم معبر كرم أبو سالم، أو تزيد من قائمة السلع والبضائع الممنوع استيرادها وتصديرها، وتقلّص مساحة الصيد إلى الحد الأدنى، أما معبر رفح البري ففتحته السلطات المصرية أخيراً بعد سنوات من المعاناة والإغلاق، وأضيفت إلى ذلك أزمات اقتصادية ومعيشية جرّتها إجراءات السلطة الفلسطينية العقابية ضد القطاع.

وتستهدف الضغوط بالأساس عزل حركة "حماس" والتحريض عليها، وإنّ كان طرفها الإسرائيلي هو الأهم في هذه المعادلة، إلا أنّ أطرافاً أخرى دخلت على هذا الخط، ومنها دول في الإقليم، وبعض أطراف السلطة الفلسطينية. وبرز بشكل ملفت تحريض مبعوث الرئيس الأميركي للمنطقة، جايسن غرينبلات، وصهر دونالد ترامب، جاريد كوشنر، على حركة "حماس"، ودعوة الفلسطينيين للخروج ضدها، سواء عبر تغريدات في "تويتر" أو في المقال المنشور أخيراً في صحيفة "واشنطن بوست".
ويعد الفلسطينيون ما ورد في المقال والتغريدات التي كُتب بعضها باللغة العربية، تحريضاً على العنف الداخلي، و"وصفة" من أجل الاقتتال الداخلي، وهذا أمر على الأرض صعب الحدوث، في ظل القوة العسكرية التي تمتلكها حركة "حماس"، إلى جانب ما جربه الفلسطينيون خلال الانقسام من اقتتال داخلي، لا يود أحد منهم عودته.


بالنسبة للمحلل السياسي تيسير محيسن، فإنّ الاحتلال يريد أشياء كثيرة من قطاع غزة، بعضها بعيد الأمد وآخر آني وسريع، وكلاهما مرتبط بالآخر، خصوصاً أن حالة الاشتباك الحاصلة بين المقاومة والاحتلال في غزة في الأشهر الأخيرة جعلت الاحتلال غير قادر على التعامل مع الوضع. ويضيف محيسن في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ الاحتلال يحاول أن يشوّه صورة القطاع على المستوى الدولي، ويقوم بالضغط عبر عمليات عسكرية محدودة، ولكنه لم يحصل على نتيجة فلجأ أخيراً إلى رفع وتيرة التصعيد الذي لم يساهم في تحقيق نتائج.

ومع تصعيد الاحتلال الأخير الذي أدى إلى سقوط شهداء فلسطينيين، وسّعت المقاومة دائرة الاستهداف وسددت ضربات كانت آخرها عملية قنص تعرض لها أحد الجنود على حدود غزة وقُتل لاحقاً، وهي بمثابة رسالة للاحتلال أنها قادرة على القتل متى أرادت، وفق محيسن.
ويلفت إلى أنّ كفة الميزان متوازنة وكلا الطرفين يحاول أن يكون صاحب الكفة الأعلى والمتحكم في سيرورة العلاقة مع الآخر، خصوصاً خلال الفترة الحالية، ولا سيما أن الاحتلال لديه مشكلة مع القطاع تتمثل في وجود سلاح المقاومة. ويرى أنّ سلاح المقاومة الذي يعتبره الاحتلال مهدداً لأمنه دفعه لفرض الحصار وتشويه صورة القطاع، وعزز من سعيه لنزع هذه القوة عبر وسائل سياسية وإنسانية تبدو متقدمة حتى اللحظة على الشق العسكري حالياً، ولكن هذا لا يعني أن الاحتلال لا يفكر بتسديد ضربة عسكرية لغزة.

أما ضغط الإقليم على قطاع غزة، وفق رؤية محيسن، فنابع من انسجام هذا الاقليم مع رؤية الولايات المتحدة وإسرائيل إلى حد ما، وهو ما تفسره مواقف دول كبيرة في الإقليم ترى أن وجود غزة خارج الملعب العربي يعيق تحقيق الدول العربية لبعض الأهداف في موضوع الانفتاح والتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق نمو اقتصادي وتجاري لهذه الدول. وهذه الدول الكبيرة، التي لم يشر إليها محيسن بالاسم، كان لها دور في المساهمة في التضييق على غزة كي تقوم بتحصيل موقف سياسي يضمن على الأقل عدم عرقلتها للمسار السياسي الحاصل والذي باتت تتبنّاه دول كبيرة في المنطقة.

وعن مخاطبة الجمهور الفلسطيني والغزي من قبل مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أخيراً، يفسر محيسن ذلك بأنه يأتي ضمن محاولات لتحريك الشارع في قطاع غزة ضد حركة "حماس"، وهو ما لجأت إليه أيضاً السلطة الفلسطينية في بعض الأحيان لإثارة الشارع ضد الحركة.