الاحتجاجات العراقية نحو مرحلة جديدة

الاحتجاجات العراقية نحو مرحلة جديدة

22 يوليو 2018
من التظاهرات التي شهدتها بغداد الجمعة (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من استخدام القوات العراقية العصي والهراوات والغاز المسيل للدموع لتفريق الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد ومدن الجنوب يوم أمس الأول الجمعة، إلا أن حركات التظاهر تصر على مواصلة احتجاجاتها مع التلويح بتحويلها إلى اعتصامات مفتوحة، وهو ما يرفضه سياسيون يرون في الاعتصام والعصيان مخاطر كبيرة قد تُدخل البلاد في نفق مظلم. أما الحكومة العراقية فتبدو خياراتها لمعالجة أزمة التظاهرات مربَكة، وتتراوح بين وعود بالاستجابة لمطالب المتظاهرين تارة، واستخدام وسائل القمع لوقف تمدد التظاهرات تارة أخرى.

وتصر قيادات حركة التظاهر في البصرة جنوبي العراق، على مواصلة الاحتجاج حتى تحقيق كل المطالب، وفقاً لعضو في تنسيقيات احتجاجات البصرة، قال لـ"العربي الجديد" إن المتظاهرين بانتظار إيفاء الحكومة بوعودها، مشيراً إلى وجود إجماع بين قيادات التظاهرات من ناشطين وشيوخ عشائر على التحوّل نحو الاعتصام المفتوح في مختلف مدن البصرة لحين الاستجابة للمطالب. ولفت إلى وجود تواصل مع تنسيقيات المحافظات الجنوبية الأخرى من أجل الخروج بموقف موحّد تجاه التسويف الحكومي، مشيراً إلى أن محافظة ذي قار (جنوباً) كانت السباقة في هذا الأمر حين نصبت خيم الاعتصام يوم الجمعة الماضي في ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار) قبل أن يتم رفعها من قبل القوات العراقية.

في المقابل، حذر عضو البرلمان العراقي السابق عن محافظة البصرة، عبد الهادي الحساني، من خطورة التحوّل إلى الاعتصام المفتوح والعصيان المدني، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد" أن هذا الأمر قد يُدخل البلاد في نفق مظلم. وأضاف أن "التظاهر والاعتصام أمور أتاحها الدستور العراقي، ومن حق الشعب أن يقوم بها، إلا أن الخشية من قيام بعض الأطراف الداخلية والخارجية باستغلال ذلك لمصلحتها"، متحدثاً عن "وجود مشروع دولي لتفريق العراقيين، وإعادة البلاد إلى زمن تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين".

وشدد الحساني على ضرورة التزام المتظاهرين بالسلمية وعدم الانجرار وراء الداعين للعنف والاعتداء على ممتلكات الدولة، أو أي ممارسات مخالفة للقانون، لافتاً إلى وجود جهات تريد إرغام العراق على تشكيل حكومة إنقاذ وطني، أو حكومة مؤقتة لإدارة أزمة التظاهرات الحالية. وتابع "توجد حقوق للشعب لا بد من مساعدته في الحصول عليها، إلا أن ذلك يجب أن يتم بعيداً عن طموحات السياسيين الذين يرغب بعضهم في الوصول إلى السلطة من خلال ركوب موجة الاحتجاجات".
وحذر الحساني من خطورة جر العراق إلى حرب أهلية وصراعات حزبية، لافتاً إلى أن أغلبية العراقيين أصبحوا مسلحين، وأن اندلاع أي نزاع مسلح لن يكون في مصلحة أحد، قائلاً إن الحكومة العراقية استجابت لبعض مطالب المتظاهرين المتعلقة بتوفير الوظائف وتحسين التيار الكهربائي.


إلا أن عضو البرلمان العراقي السابق، جاسم محمد جعفر، ألقى باللائمة على الحكومة العراقية في تفاقم أزمة التظاهرات، محذراً من عدم استجابتها لمطالب الاحتجاجات الشعبية في وسط وجنوب العراق. ورأى جعفر، في تصريح صحافي، أن "الحكومة مُطالبة بالإسراع في تلبية مطالب المتظاهرين، وامتصاص الغضب الشعبي، من خلال إطلاق مشاريع خدمية عاجلة، وتحسين أوضاع المحافظات الجنوبية قبل زيادة التوتر"، متهماً بعض الأطراف السياسية بزج عناصرها في التظاهرات، واستغلالها من أجل إثارة الفوضى، وإسقاط النظام السياسي بالكامل، وتدمير البلاد.

وتبدو سيناريوهات الحكومة العراقية في التعامل مع أزمة التظاهرات مربكة وغير واضحة المعالم، إذ تراوحت بين الوعود بالاستجابة لمطالب المتظاهرين، والإيعاز للقوات العراقية بإطلاق الرصاص واستخدام القوة ضد المحتجين.
وأشار القيادي في ائتلاف "دولة القانون"، سعد المطلبي، إلى وجود أكثر من سيناريو لتعامل الحكومة مع المحتجين، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن الحكومة قالت إنها ستستجيب لمطالب المتظاهرين، إلا أنها في الوقت ذاته استخدمت القوة ضدهم، ما يعني وجود أكثر من صورة في ذهن الحكومة للتعامل مع أزمة الاحتجاجات، وإن كانت هذه السيناريوهات مبكرة، ويُلاحَظ عليها التخبّط، بحسب قوله.

ولفت المطلبي، وهو عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد، إلى أن القوات العراقية تعاملت بقسوة مع المتظاهرين الذين حاولوا الوصول إلى المنطقة الخضراء وسط بغداد، موضحاً أن سبب ذلك هو أن العراقيين شعباً وحكومة غير معتادين على ثقافة التظاهر. وأكد وجود مشكلة حقيقية في الشارع الآن تتمثّل بتظاهر الآلاف ضد حكومة منتهية الولاية، مشيراً إلى أن الدستور يتيح للقوات العراقية فض أي تجمّع مخالف للقانون. ورفض دعوات بعض قيادات التظاهر لتنظيم اعتصامات في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن الدستور كان واضحاً في هذه المسألة حين منع القيام بأي أفعال تؤدي إلى قطع الطرق والتجاوز على حقوق الآخرين، ومن بين ذلك الاعتصامات.

يأتي ذلك في وقت تتواصل فيه الدعوات للاستمرار بالتظاهر في محافظات جنوب العراق المنتفضة على الفساد وتردي الخدمات منذ نحو أسبوعين. وأكدت اللجنة المنظمة لتظاهرات محافظة المثنى (جنوباً) المضي بتنظيم احتجاجاتها السلمية في مدينة السماوة (مركز المحافظة)، موضحة في مؤتمر صحافي عقدته بحضور ناشطين وشيوخ عشائر أنها تنسق مع القوات العراقية لضمان عدم حدوث أعمال تخريبية وإثارة للفوضى. ولفتت اللجنة إلى أن التظاهرات ستستمر إلى حين تحقيق كل المطالب التي رُفعت سابقاً، معتبرة أن أي وفد للتفاوض مع الحكومة العراقية يجب أن يضم الممثلين الحقيقيين للاحتجاجات. وأشارت إلى أن الحكومة المحلية في المثنى يجب أن تتحمّل مسؤولياتها خلال الفترة الحالية، وطالبتها بعدم التصعيد، وتجنّب الاحتكاك بالمحتجين.

وفي السياق، كشف مصدر محلي عن وصول قوة عراقية خاصة إلى محافظتي البصرة وذي قار الجنوبيتين للحد من تمدد التظاهرات والحيلولة دون حدوث عمليات اقتحام لمقرات الأحزاب والمليشيات، موضحاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هذه القوة عززت قوات سابقة جاءت من بغداد لحماية المقرات الحزبية والمنشآت الحيوية في محافظات جنوب العراق.

من جهته، قال عضو تنسيقيات احتجاجات البصرة، مجيد الركابي، إن إرسال مزيد من القوات إلى المحافظة لا يمكن أن يخيف المتظاهرين، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن الحل يكمن في إيجاد الحلول للأزمات التي تعاني منها البصرة، وليس في إرسال قوات مسلحة جديدة. وأشار إلى وجود إصرار على مواصلة التظاهر حتى تحقيق كل المطالب، موضحاً أن البصرة لن تهدأ ما لم تحصل على كل حقوقها.

أما قائد العمليات الخاصة في جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، الفريق الركن سامي العارضي، فقال إن قواته التي وصلت البصرة أخيراً استقرت في المقار المخصصة لها في المحافظة، موضحاً في تصريح صحافي أنها جاءت من أجل تعزيز الأمن في البصرة، وأنها ستقوم بواجباتها في حال تكليفها بذلك.

المساهمون