الحراك الكويتي بعد حكم قضية "مجلس الأمة": تشتت وتردد

الحراك الكويتي بعد حكم قضية "مجلس الأمة": تشتت وتردد

21 يوليو 2018
مرّت قضية دخول مجلس الأمة بمراحل عدة(ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
تعيش المعارضة الكويتية أوضاعاً صعبة بعد صدور الحكم النهائي في قضية دخول مجلس الأمة، والذي قضى بسجن قادة المعارضة البارزين ومنهم النائبان الحاليان وليد الطبطبائي وجمعان الحربش فضلاً عن النواب السابقين مسلم البراك والذي يعد زعيم المعارضة وفيصل المسلم ومبارك الوعلان وفهد الخنة وسالم النملان وخالد الطاحوس، إلى جانب 8 محتجين آخرين  لمدة 3 سنوات و6 شهور. في المقابل، برّأ الحكم بقية المتهمين الذين بلغ عددهم أكثر من 50 شخصاً.

وكان معارضون ومحتجون كويتيون، من بينهم نواب على رأس عملهم، اقتحموا مجلس الأمة (البرلمان) عام 2011، إبان الاحتجاجات الشعبية ضد رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح والذي طاولت حكومته تهم متعلقة بالفساد. 

وعقب الاقتحام، أعلن أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، إقالة رئيس مجلس الوزراء امتثالاً لرغبة المتظاهرين والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة انتصر فيها نواب معارضون وإسلاميون، ليشكلوا ما عرف باسم كتلة "الأغلبية" في فبراير/ شباط 2012. وتم انتخاب المعارض أحمد السعدون رئيساً للبرلمان وخالد سلطان بن عيسى نائباً له. أما قضية دخول المجلس فبقيت معلقة بحكم الواقعية السياسية وتسيد مقتحمي المجلس المشهد السياسي والبرلمان. وحاول النواب المعارضون تعديل البلاغ المقدم من الحكومة للنيابة بسبب ما قالوا إنه يحتوي على وقائع غير صحيحة ضد المقتحمين واتهامهم بضرب رجال الأمن والاعتداء عليهم.
لكن المحكمة الدستورية فاجأت الجميع بقرار إبطال البرلمان المعارض بحجة عدم دستورية حل البرلمان السابق، وقيام الحكومة بتغيير نظام الانتخابات وهو إجراء قال المعارضون إنه يهدف إلى عدم عودتهم إلى البرلمان مرة أخرى.



وتحولت كتلة "الأغلبية" من كتلة برلمانية مؤلفة من نواب إسلاميين وقبليين، إلى حركة معارضة كبيرة ضمت أطيافاً سياسية كثيرة وقامت بمقاطعة الانتخابات البرلمانية والنزول إلى الشارع في ما عرف بمسيرات "كرامة وطن". لكن الحركة المعارضة تعرضت لعدد من الانقسامات بسبب اختلاف وجهات النظر بين قادتها وسجن زعيمها مسلم البراك بتهمة إهانة الذات الأميرية، وقيام زعمائها الآخرين بالنزول إلى الانتخابات عام 2016 لإعادة الأمور إلى نصابها بعد قيام الحكومة بسحب جنسيات بعض المعارضين وإبعاد عدد آخر منهم.
وجاء الحكم النهائي في قضية دخول المجلس ليمثل ضربة قاضية للمعارضة، إذ قرر قادة المعارضة الخروج من البلاد قبل إصدار الحكم بأيام خوفاً من الدخول إلى السجن وانتهاء أي أمل لهم بالضغط على الحكومة لإصدار قانون بالعفو عنهم في ظل فقدان الحركة زخمها الشعبي وتراجع المتعاطفين معها.

وسيمنع حكم السجن جميع المتهمين من ممارسة أي نشاط سياسي مستقبلي، كونه يعد جناية مخالفة لقانون الانتخاب ومسقطاً شرطاً من شروط الترشح. كما أن النائبين المحكومين بالسجن وهما الحربش والطبطبائي ستلغى عضويتهما، وينتخب نائبان آخران بدلاً منهما فور الدعوة الرسمية للانتخابات التكميلية، ما يعني فقدان المعارضة ورقة ضغط مهمة تمثلت في الحربش الذي حاول عقد صفقة بين المعارضة والحكومة بعد انتخابات عام 2016 لكنها فشلت.
وفوجئت المعارضة المرتبكة بإصرار حكومي واضح على تعقب المتهمين الذين حكم عليهم بالسجن والذين يعيشون في الخارج، إذ قررت وزارة الداخلية تشكيل فريق خاص من الضباط لملاحقة النواب السابقين الذين فروا إلى تركيا والبوسنة عبر الانتربول وتفعيل الاتفاقيات الأمنية للكويت مع هذه البلدان.
ولم يتبق أمام المعارضين، الذين انفضت عنهم الدائرة المحيطة بهم وتراجعت حظوتهم الشعبية حتى بين قواعدهم الانتخابية ومحيطهم القبلي، سوى الاحتكام إلى خيارين أحلاهما مر. ويتمثل الخيار الأول في اللجوء إلى بلدان الاتحاد الأوروبي ومحاولة تشكيل جبهة ضغط معارضة تتبنى سقف مطالب منخفضاً لا يهدف سوى إلى الضغط على الحكومة لإصدار عفو عام عن المتهمين وإعادة ما تبقى من الجنسيات المسحوبة وفتح صفحة سياسية جديدة.
لكن هذه الخطوة تبدو مستبعدة جداً وغريبة على المشهد السياسي الكويتي الذي لم يعرف معارضة خارجية تحظى بقبول شعبي ولو نسبي، كما هو الحال في البلدان المجاورة. كما أن فقدان المعارضين التمويل، والعلاقات الدبلوماسية الجيدة للكويت مع جميع دول العالم في المرحلة الحالية، يؤدي إلى تقييد حركة المعارضين وتنقلهم خوفاً من تسليمهم لحكومة الكويت.
أما الخيار الثاني فيأتي في سياق إيجاد مخرج تصالحي يتضمن اعتذاراً من قبل المتهمين في قضية دخول المجلس لأمير البلاد والقيادة السياسية وإقرارهم بالخطأ مقابل إصدار عفو شامل عنهم وعودتهم إلى الكويت، والسماح لهم بالترشح والانتخاب.

لكن هذا الخيار يبدو مستبعداً من الطرفين، الحكومي والمعارض، إذ إن الحكومة المنتصرة في المشهد السياسي بعد تفتيت المعارضة تسعى إلى تأكيد هيمنتها وتطبيق كافة الأحكام القضائية، خصوصاً أن المعارضة لا تملك أدوات الضغط التي كانت تملكها قبل سنوات. وعلى صعيد المعارضة فإن الاعتذار العلني يعني انتهاء المستقبل السياسي لها ولأعضائها واعترافاً نهائياً بالهزيمة وهو ما لا يبدو واردا.
ويعزو رئيس حزب المحافظين المدني، أحد المتهمين في قضية دخول المجلس الذين برأتهم الحكومة، حماد النومسي، فشل المعارضة في لملمة شتاتها إلى عدم وجود مشروع واضح. ويقول في حديث مع "العربي الجديد" إن "المعارضة أو دعنا نسميها (خط الإصلاح) لأن مسمى معارضة غير دقيق، فشلت بسبب عدم وجود رؤية استراتيجية وانعدام وجود مشروع واضح ومحدد، وكذلك لهيمنة الثقافة الانتخابية على الوعي والثقافة السياسيَين".

وأدت الحسابات الانتخابية للنواب السابقين، وحلمهم بالعودة إلى كرسي البرلمان إلى خلافات داخلية كبيرة بين المحكومين بالسجن، إذ يفضل الشباب الـ8 من غير النواب التصعيد واللجوء إلى لندن وتشكيل جبهة معارضة هناك، بينما يفضل النواب طريق التهدئة لخصوصية المشهد الكويتي.
وبانتهاء قضية مجلس الأمة وعدم وجود أي رد فعل شعبي كبير بعد أسبوع كامل من الحكم النهائي فيها، وتشتت المعارضة وترددها في اتخاذ أي خطوة، يبدو أن الستار قد أسدل على الحراك الشعبي الكويتي الذي انطلق عام 2011 واستمر لمدة 7 سنوات، وأن الحكومة قد أعلنت انتصارها النهائي هذه المرة.

دلالات