"الفتاة اللاجئة" في القدس: أكثر من قصة تأجير مدرسة

"الفتاة اللاجئة" في القدس: أكثر من قصة تأجير مدرسة

20 يوليو 2018
عبيدات: المشكلة أعمق من تأجير عقار كمدرسة لبلدية الاحتلال(الأناضول)
+ الخط -
كثر الحديث واللغط في الشارع المقدسي، بعد قيام عائلة فرّاح المقدسية قبل يومين بتأجير مبنى مدرسة "الفتاة اللاجئة" في القدس لبلدية الاحتلال، بموجب عقد إيجار واستئجار مدته خمس سنوات قابلة للتجديد. ووسط اللغط هذا، يقول المقدسيون، بمن فيهم عائلة فرّاح، وكذلك وسطاء كانوا طرفاً في تدخّلات سابقة لحلّ الخلاف حول تأجير المبنى أو بيعه، بين العائلة مالكة المبنى ووزارة التربية الفلسطينية، إنّ "هناك عشرات العقارات والمباني المؤجّرة لبلدية الاحتلال ولبنوك إسرائيلية ولصناديق المرضى، وكلها إسرائيلية وإن كانت إداراتها عربية مقدسية محلية". لكنّ قضيّة مبنى المدرسة استأثرت باهتمام أكبر من قبل نشطاء ومعلّقين ملأوا صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، متهمين العائلة ببيع المبنى لبلدية الاحتلال، وهو ما نفته العائلة بشدة، مؤكدةً أنّ ما تمّ هو تأجير للمبنى لحمايته من جمعيات الاستيطان، التي كان يمكنها أن تستولي عليه، فيما لو عرض للبيع بالمزاد بسبب الديون الضريبية الباهظة المفروضة عليه. علماً أنّ المبنى وبعد أن أخلته وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بموجب أمر قضائي – كما يقول مدير التربية والتعليم الفلسطيني سمير جبريل – كان في حالة يرثى لها، وكان بحاجة إلى أعمال ترميم تكلّف ملايين الشواقل، كما تقول عائلة فرّاح، الأمر الذي لم يكن بمقدورها أن تفعله.

وفي لقاء مع "العربي الجديد" لتوضيح موقف العائلة مما جرى، نفى وليد فرّاح، أحد مالكي المبنى، أن تكون عائلته قد باعت المبنى، واصفاً الشائعات حول ذلك بأنها "هراء وعارية عن الصحة". وقال: "ما جرى تأجير فقط اضطرت العائلة إليه بعد أن فشلت جميع التدخلات والوساطات مع وزارة التربية والتعليم الفلسطينية التي أخلت المبنى في عام 2014 بصورة مفاجئة، وانتقلت بطالبات المدرسة إلى مقر آخر، لتترك المبنى في حالة صعبة ويرثى لها، رافضةً شروط العائلة بتمديد الأجرة السنوية، عدا عن أنّ الوزارة لم تكن ملتزمة بسداد ما عليها من دفعات مالية". وأضاف: "أمام هذا الواقع، لم يعد هناك مجال أمام العائلة سوى تأجير المبنى لدائرة المعارف في بلدية الاحتلال، والتي ستستخدمه كمدرسة للطالبات المقدسيات، إذ تعاني القدس من نقصٍ حادّ في عدد الغرف الصفيّة"، مشيراً إلى أنه "لو ظلّ المبنى شاغراً بوضعه العمراني الذي تركته الوزارة عليه، إضافة إلى ما تراكم عليه من ضرائب أرنونا (ضريبة على الأراضي والمباني)، كان سيعرضه للمصادرة والاستيلاء، وربما انتقاله لاحقاً للجمعيات الاستيطانية. وهو ما لا يمكن أن تسمح به العائلة المعروفة بحفاظها على أملاك القدس وعقاراتها".

بيان توضيحي من العائلة

وكانت عائلة فرّاح، وفي أعقاب الشائعات التي تمّ تناقلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قد أصدرت بياناً توضيحياً، جاء فيه: "لقد حاولنا مراراً مع التربية والتعليم في أواخر عام 2017 وأوائل عام 2018 إعادة فتح المدرسة، لكننا جوبهنا بغطرسة التربية بفرض شروط مجحفة وكأننا رعاع، وعرضنا العقار لنواجه سماسرة كثرا بمغريات".

وأضاف البيان: "العقار فارغ منذ 4 سنوات. أين كان المسؤولون وأصحاب صحوة الضمير مع ضرائب الأرنونا بالملايين؟ أم أنهم يريدون أن يباع العقار بالمزاد ثمّ يلقون اللوم علينا؟ لقد تركت التربية المبنى مدمّراً وترميمه يكلّف 6 ملايين شيقل (1.65 مليون دولار). ونحن لا مقدرة لدينا، في حين عرضت المعارف الإسرائيلية ترميمه واستئجاره لخمس سنوات وبإيجار زهيد كمدرسة ابتدائية لبنات القدس. قبلنا لكي لا يضيع العقار أمام الضرائب. وهل هي المدرسة الوحيدة المؤجرة كرهاً؟ العقار تمّ تأجيره فقط حفاظاً على الملك من أن يضيع".


وزارة التربية: أجبرنا قضائياً على ترك المبنى

من ناحيتها، نفت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية على لسان مدير مكتبها في القدس، سمير جبريل، أن تكون تركت المبنى في العام 2014 بمحض إرادتها. وقال جبريل: "المديرية أخلت المكتب بموجب أمر قضائي إسرائيلي. وكانت المديرية وحتى الشهور الأخيرة على استعداد للبقاء فيه بعد تجديد عقد إيجاره بالشروط ذاتها التي كان معمولاً بها في السابق، والمتمثّلة بتمديد العقد لفترة طويلة، ودفع قيمة الإيجار السنوي البالغة 150 ألف دينار أردني (211 ألف دولار)، لكنّ العائلة مالكة المبنى رفضت ذلك، وأصرّت على رفع قيمة الإيجار". وتابع: "المديرية بذلت كل جهد ممكن لحل الإشكال حول قيمة العقد السنوي، والالتزام بسداد قيمة الإيجار، لكنّ جهودها في هذا السياق لم تنجح".

أكثر من مراقب ومتابع لما يجري في القدس، وفي أعقاب ما أثير حول القضية، قال لـ"العربي الجديد"، إنّك "إذا بحثت في العمق، فستجد زحفاً للمؤسسة الإسرائيلية بكافة تلاوينها على المدينة المقدّسة". فهناك زحف يشبه اندفاع الأفعى وتلوّي الأخطبوط، سواء في البلدة القديمة حيث البنوك وصناديق المرضى في حارة السعدية وشارع الواد وباب الخليل... أو خارج الأسوار في باب العامود وشارع السلطان سليمان والمصرارة والشيخ جراح والطور... وحتى في الأحياء القريبة المتاخمة للبلدة القديمة أو البعيدة من حي جبل المكبر جنوباً وحتى كفر عقب شمالاً، مروراً بالعيسوية، شعفاط، مخيم شعفاط وبيت حنينا.

وفي جميع هذه المناطق تمّ تأجير مبان وعقارات لدوائر إسرائيلية وفي المقدمة منها بلدية الاحتلال، التي استأجرت مباني وحولتها إلى مدارس، بعد أن امتنعت عن بناء مدارس جديدة، ربما لأن الاستئجار يعفيها كثيراً من الالتزامات. ففي شارع صلاح الدين مثلاً، هناك فروع لبنوك إسرائيلية، والحال كذلك في شارع الزهراء المتفرّع من صلاح الدين، وكذلك قرب المحكمة المركزية حيث استأجر بنك "ليئومي" المقرّ التاريخي لصحيفة "القدس" من مالكي العقار.

هذا الزحف الإسرائيلي على عقارات المقدسيين، لن يلبث أن يتحوّل مستقبلاً إلى سيطرة كاملة أو تأجير طويل الأمد تتعزّز من خلاله سياسة التهويد والأسرلة لمن سيتبقى من البشر في القدس، إذا ما علمنا أن المدارس المؤجرة، على سبيل المثال، ستفرض على الطلاب المقدسيين مناهج الاحتلال في التدريس.

وفي ما يتعلّق بمدرسة "الفتاة اللاجئة"، فإنّ لهذه المدرسة رمزيتها الخاصة، وقصة طويلة من الاتصالات والمفاوضات مع أطراف فلسطينية رسمية وغير سمية لإنقاذ المبنى من الانهيار ومن حمل الضرائب الباهظة التي كانت تهدد بالاستيلاء عليه أو عرضه في المزاد العلني، قبل أن يستقرّ الأمر على تأجيره لبلدية الاحتلال بعد أن فشلت كل الجهود الوطنية لإنقاذه.

وفي هذا الإطار، قال راسم عبيدات، أحد الرموز المقدسية التي تابعت هذا الملف في وقت سابق: "المشكلة والأزمة أعمق من تأجير عقار كمدرسة لبلدية الاحتلال، كأننا نصحو فجأة لكي نقول: الله أكبر مدرسة في قلب مدينة القدس تؤجّر لبلدية الاحتلال، ونحن نعرف بأنّ تلك المدرسة كانت مؤجرة للسلطة الفلسطينية، وقد وقعت خلافات بين الأخيرة ومالكي العقار حول أجرته، وكانت هناك حوارات مطوّلة قبل أن يكون الوزير صبري صيدم وزيراً للتربية والتعليم"، مضيفاً "أذكر أنني والعديد من الأخوة كنّا جزءاً من محاولات التوفيق بين المالكين وبين السلطة الفلسطينية، لكن الحوارات فشلت، واستعاد المالكون العقار وعرضوه للبيع والإيجار، وفي النهاية وجدنا أنه مؤجّر كمدرسة لبلدية الاحتلال. وهذا الخيار لا نقره ولا نريده، ولكن المشكلة ليست في أنّ عقار دار فرّاح هو الوحيد المؤجّر لبلدية القدس، بل في أنّ هناك عقارات كثيرة من أم طوبا وحتى كفر عقب، مؤجّرة لبلدية الاحتلال كمدارس، بسبب نقص الغرف الصفية، في حين أنّ لجان أولياء الأمور في أكثر من مدرسة سعت إلى استئجار بيوت من أجل حلّ ضائقة النقص في الغرف الصفية. وأبعد من ذلك، هناك عقارات مؤجرة لمراكز صحية وبنوك وغيرها في المدينة".

ولفت عبيدات إلى أنّ "هذه الظاهرة تتسّع وتكبر، ونفرغ قهرنا وسخطنا من الوضع في مانشيت هنا وبوست هناك، ونندب ونبكي ونلطم ونلوم العرب والمسلمين الذين خرجوا من التاريخ، وكأننا نقول اللهم اشهد إننا قد بلغنا. المشكلة أعمق وأبعد من ذلك وتحتاج إلى سواعد عاملة وإلى رؤية واستراتيجية شاملتين... ننظر للأزمة برؤية عميقة وشمولية ونعالج الجذر لا الإفرازات".

المساهمون