العسكر في الثكنة

العسكر في الثكنة

17 يوليو 2018
يؤدي الجيش دوراً في الحياة السياسية الجزائرية (العربي الجديد)
+ الخط -
سؤال مزمن ذلك الذي يطرحه الجزائريون عشية كل استحقاق رئاسي، من هو مرشح الجيش ولصالح من يميل العسكر. وفي حالة انتخابات 2019 المقبلة، يكبر هذا الهاجس أكثر بسبب الغموض المتعلق بحالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الصحية وتراجع مشروع الولاية الرئاسية الخامسة.

يتأسس السؤال الجزائري على مسار خمسيني أدى فيه الجيش دور الوصي على الدولة ومؤسساتها، ومنذ عقود كان السياسيون والصحافيون في العالم الغربي يصفون الجزائر بأنها دولة الجيش، ضمن مقولة "لكل دولة جيش، ولجيش الجزائر دولة". والحقيقة أن هذه المقولة لا تخطئ الوقائع، فمنذ صيف عام 1962 وعشية استقلال الجزائر، كان للعسكر حضوره في كل خطوة سياسية تخطوها البلاد، في انقلابات 1965 و1992، أو اختيار الرؤساء في 1963 و1979 و1994 وصولا إلى عام 1999.

بعد محنة التسعينات الأليمة، يكرر الجيش في بياناته وتصريحات قيادته العسكرية أنه لم يعد معنياً بالشأن السياسي، وأنه ملتزم فقط بصلاحياته الدستورية في حماية البلاد والحدود، لكن الشكوك لا تساور النخب البسيطة في الأحياء والقرى فقط، بل ترقى إلى مستوى اليقين لدى النخب السياسية الجزائرية الأكثر قرباً واطلاعاً على ميكانيكا الحكم، بشأن الدور السياسي للجيش وقياداته في الظرف الراهن وفي انتخابات 2019. ولذلك لا تجد شخصيات سياسية وقادة أحزب فاعلة حرجاً في الأيام الأخيرة في استدعاء الجيش إلى المشهد السياسي ودعوته للمشاركة في صياغة توافق وطني بشأن مرحلة انتقالية، مثلما فعل إخوان الجزائر، أو دعوته إلى التدخل لإنهاء حكم الرئيس بوتفليقة مثلما طالبت شخصيات مستقلة في رسالة سابقة.

قد تعبر هذه الدعوات عن واقعية سياسية أو استثمار في رمزية الجيش، لكنها تعبر أيضاً عن إفلاس سياسي لدى قوى التغيير التي أعجزتها الظروف عن إيجاد مكامن التأثير، فاختصرت الطريق باللجوء إلى الجيش في كل مرة. من السذاجة الاعتقاد أن الجيش يتحمل كلفة التغيير ليهدي الحكم إلى طرف سياسي ما، بل إن من السذاجة الاعتقاد أن الجيش يمكن أن يحل أزمة البلاد، ومن السذاجة الاعتقاد أن تغيير تركيبة الجيش يمكن أن يبدل من عقيدة الثكنة التي تقوم على مبدأ "نفذ ولا تعترض" وتنزعج من النقاش والأفكار والحريات.

تقول التجربة الجزائرية إنه كلما كان العسكري طرفاً في اللعبة السياسية زادت الزبونية وتداخل النفوذ والمال ووضع قصر العدالة تحت سلطة الهاتف والتعليمات وارتفع رصيد البلاد من الفساد والمشاكل الداخلية.