إسرائيل تقرع طبول الحرب على غزة رغم تردد الجيش

إسرائيل تقرع طبول الحرب على غزة رغم تردد الجيش

18 يوليو 2018
أجرى جيش الاحتلال تدريبات أخيرة (مناحيم كاهانا/فرانس برس)
+ الخط -


يشير التصعيد المتواصل في لهجة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، وسلوكهما، إلى نوايا إسرائيلية على شن عدوان جديد على قطاع غزة، يبدو أن الهدف الرئيسي منه، في المرحلة الأولى، محاولة إعادة زمام المبادرة والقرار لأيدي دولة الاحتلال، وتثبيت معادلات ردع جديدة ضد حركة حماس، من دون أن تكون هناك نية أو قرار رسمي لدى حكومة الاحتلال بالاتجاه نحو السعي لإسقاط سلطة حماس، بقدر ما هو محاولة لابتزاز الحركة وفرض شروط معادلة جديدة عليها. وتجلت هذه النية، بتصريحات ليبرمان، أمس الثلاثاء، خلال جولة تفقدية في جنوب إسرائيل (فلسطين المحتلة) وقوله: "نحن سنحدد قواعد اللعبة ولا أحد غيرنا". وجاءت تصريحات ليبرمان بعد مشاركته مع رئيس أركان الجيش، الجنرال غادي أيزنكوط بمتابعة التدريب البري الواسع للفرقة 162.

وقد برز في هذا السياق اهتمام الإعلام الإسرائيلي بتغطية أمر التدريبات العسكرية للفرقة المذكورة، مع الإشارة إلى أن التدريب حاكى عملية إعادة احتلال لقطاع غزة، في رسالة واضحة لحركة حماس عن اقتراب الحسم العسكري والمواجهة المقبلة في حال أصرت الحركة على معادلتها الحالية، القائمة على الرد بالقصف الجوي الإسرائيلي بقصف صاروخي، وإعلانها أن الطائرات الورقية والبالونات الحارقة هي نشاط مقاومة شعبية وغير منظمة. وعكست تصريحات ليبرمان، والرسائل التي وجهتها حكومة الاحتلال إلى قيادة حماس، بما في ذلك ما نشر عن توجيه المبعوث الدولي، نيكولاي ميلادينوف، تحذيرات مشابهة لحركة حماس، اعتقاد قادة الحكومة الإسرائيلية أن الظروف الميدانية والسياسية الدولية باتت مواتية لإطلاق عملية عسكرية في الجنوب ضد غزة، لإعادة "قوة الردع" لإسرائيل، وتآكل ميزان الردع الذي تم تكريسه مقابل حركة حماس.

ويندرج في موازين هذه الظروف، والحسابات الإسرائيلية، طي خطر ومخاوف إسرائيل من اضطرارها لخوض حرب على جبهتين، بعد أن وضعت قمة هلسنكي، بين الرئيسين الأميركي، دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، حداً نهائياً لهذه المخاطر مع إعلان الالتزام بأمن إسرائيل، وتبني بوتين للموقف الإسرائيلي بشأن إلزام النظام السوري ببنود اتفاق فصل القوات بين قوات النظام السوري وجيش الاحتلال الإسرائيلي من عام 1974، بما في ذلك احترام النظام السوري لتفاصيل الاتفاق وعلى رأسها، الإبقاء على منطقة عازلة ومنزوعة السلاح في الجانب السوري من الحدود.

وبحسب صحيفة لبنانية محسوبة على الخط السياسي للنظام السوري ولحزب الله، فإن القيادة السورية قررت الالتزام بالاتفاق (1974)، ونقلت قوات وأسلحة ثقيلة من نقاط تُعَدّ فيها مخالفة، إلى نقاط خلفية، وهو ما اعتبره الإعلام العبري أمس طمأنة إضافية لإسرائيل بإغلاق الجبهة الشمالية.

وكان موضوع تفادي حرب على جبهتين أحد أكبر الاعتبارات الإسرائيلية التي حسمت في العام الأخير القرار الإسرائيلي لجهة تأجيل المواجهة مع حماس، علماً بأن التقديرات الأمنية المختلفة التي نشرتها الصحافة الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة، وتقديرات مركز أبحاث الأمن القومي، ومؤتمر هرتسليا للمناعة القومية، أشارت إلى أنه "على الرغم من أن كلاً من حماس وإسرائيل غير معنيتين بمواجهة عسكرية إلا أن حدثاً موضعياً من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع وتدهور الأمور إلى مواجهة شاملة، وهو ما قد يضع إسرائيل في وضع عسكري واستراتيجي خطير، يهدد بخوضها حربا على أكثر من جبهة".

ويبدو أن اعتقاد قيادة الحكومة الإسرائيلية بأن التطورات الأخيرة تكرس التحييد النهائي لخطر الجبهة السورية، وبالتالي خطر من الجبهة اللبنانية، من جهة، والضغوط الداخلية التي يتعرض لها نتنياهو داخل الكابينت السياسي والأمني، ومن خارج الكابينت في المعارضة الإسرائيلية التي تتهمه بالفشل المطلق في تأمين أمن الإسرائيليين، يدفع نتنياهو، باتجاه تفضيل التصعيد العسكري، خلال أشهر الصيف، بما يوفر له لاحقاً في حال أجريت الانتخابات الإسرائيلية العامة مطلع العام المقبل بدلاً من موعدها الرسمي في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 مزيداً من الرصيد للانتخابات.



في هذا السياق، أكد نتنياهو خلال جولة تفقدية لفرقة قيادة غزة في جيش الاحتلال رافقه فيها إضافة إلى رئيس الأركان، أيزنكوط كل من رئيس الشاباك، نداف أردمان، ورئيس مجلس الأمن القومي، قائلاً "نحن في معركة يتخللها تبادل الضربات وأستطيع القول إن الجيش مستعد لكل السيناريوهات المحتملة".

وبنى نتنياهو أيضاً في حساباته على "الإنجازات" والضربات التي وجهها الاحتلال في الأربع سنوات الأخيرة لحركة "حماس" ومواقعها ومراكزها المختلفة ضمن ما تسميه إسرائيل بـ"المعركة بين الحروب"، ولا سيما استهداف عشرات الأنفاق الهجومية للحركة، وبناء الساتر والجدار الحاجز بين إسرائيل والقطاع. كما يستند إلى حقيقة أن المستوى العسكري في إسرائيل ملزم بتنفيذ أوامر المستوى السياسي، وعلى الرغم من أهمية مواقف الجيش فإن القرار النهائي يبقى للحكومة نفسها، وللمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية. ومن المفيد في هذا السياق الإشارة إلى ما لفت إليه محلل الشؤون العسكرية في "هآرتس"، عاموس هرئيل، عندما اعتبر أن "ما يقلق هو حالة التذمر أو النفور السائدة في صفوف قيادة الجيش من التصعيد في الخطاب الإعلامي للسياسيين، بما ينذر بأن هؤلاء السياسيين، في إشارة لنتنياهو ووزير الأمن ليبرمان، باتوا أسرى هذا الخطاب وما يفرضه ذلك على المستوى السياسي لجهة التصعيد العسكري بفعل الحسابات الحزبية المرتبطة بالانتخابات المقبلة".

وأكد هرئيل أن "قادة الجيش لا يرون في الطائرات الورقية الحارقة والبالونات سبباً مبرراً لشنّ حرب عسكرية جديدة ورغم احتمال نجاح الضغوط الدولية والمصرية، في ردع حركة حماس وإلزامها بوقف إطلاق الطائرات الورقية الحارقة، كي لا تؤدي عملية موضعية إلى اشتعال المواجهة". واستذكر هرئيل التقديرات الاستراتيجية التي عرضتها شعبة الاستخبارات العسكرية للمستوى السياسي منذ مارس/آذار الماضي مع إطلاق مسيرات العودة، بشأن "التداعيات المحتملة للكارثة الإنسانية في غزة، وتدعي شعبة الاستخبارات أن حماس، وبفعل قراءة خاطئة تقرب مخاطر اشتعال المواجهة العسكرية مع إسرائيل، اعتقاداً منها أن ذلك سيخرج الحركة من أزمتها، فيما يعتقد جهاز الشاباك أن الحركة مستعدة للذهاب حتى النهاية في هذا السياق".

وعنى كلام هرئيل أن "معضلة نتنياهو وليبرمان ومعهما نفتالي بينيت من الخوف من اتهامهم بالجبن من قبل قواعدهم السياسية والحزبية قد تشكل في نهاية المطاف حالة ضغط أكبر لجهة قرار شن الحرب، فيما يجد الجيش نفسه في ظل معارضته الحالية لمطالب إطلاق النار على الفتية مطلقي الطائرات الورقية، في موقف لا يقل سوءاً جماهيرياً وأن يتهم في ظل حالة تردي الروح المعنوية برفض القيام بواجبه والتهرب من مواجهة حماس".

ولخص هرئيل الوضع بقوله إن "ما يحدث في إسرائيل، وخاصة في ظل المزايدات الداخلية، والتسريبات من المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) يشبه حادثة طرق على وشك أن تقع أمام أعيننا"، خالصاً إلى القول إنه "في كل ما يتعلق بغزة يبدو أن حكومة إسرائيل تضلل مواطنيها فيما تواصل التورط بتصريحات وهمية وشعبوية".