ورقة الطائفية لكبح احتجاجات العراق: "الحشد" للقمع والتهديد

ورقة الطائفية لكبح احتجاجات العراق: "الحشد" للقمع والتهديد

18 يوليو 2018
حاصر متظاهرون حقل الزبير النفطي (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
مرّت عشرة أيام على اندلاع شرارة الاحتجاجات في الجنوب العراقي من دون أن تظهر أي بوادر إلى تراجعها، وإن تفاوتت قوتها وأعداد المشاركين فيها بدءاً من البصرة وميسان ثم ذي قار مروراً بالقادسية وواسط والنجف وكربلاء وانتهاء ببابل. وبينما أعطى الريف الجنوبي زخماً كبيراً للاحتجاجات خلال اليومين الماضيين، تحديداً في مدن ميسان والمثنى والبصرة، بدت الحكومة العراقية وكأنها اختارت اللعب على جبهتين متناقضتين، في الأولى تعلن تفهمها لأسباب غضب المحتجين وتطلق التعهدات بتلبية مطالب المتظاهرين التي بدت متشابهة وتركز على محاسبة المسؤولين الفاسدين ومحاكمتهم علناً، وتوفير فرص عمل، والقضاء على الفقر والبطالة، وتوفير الكهرباء والماء، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية. أما في الجهة الثانية، فتوعز لقوات الأمن بزيادة آلة قمع المحتجين في موازاة اتهامهم بأنهم مأجورون ومدفوعون من جهات تارة داخلية وتارة أخرى خارجية، فيما لم تتأخر مليشيات الحشد الشعبي، الحليفة لإيران، بالدخول على خط قمع الاحتجاجات، ومحاولة توظيف الورقة الطائفية للقضاء على التظاهرات.



ارتفاع عدد الضحايا وتفاوت حجم التظاهرات

وتركزت تظاهرات أمس، الثلاثاء، في البصرة وذي قار وميسان. وبدت الاحتجاجات في كربلاء أكبر من الأيام الأخرى على وقع دخول زعماء عشائر على خط تأييد الاحتجاجات بالتزامن مع تشييع اثنين من قتلى التظاهرات وسط المدينة، فيما ارتفع عدد ضحايا الاحتجاجات إلى 15 قتيلاً وأكثر من 550 جريحاً، نصفهم من قوات الأمن. كما ارتفع عدد الذين تم اعتقالهم إلى نحو ألف عراقي، بينهم جرحى تم اقتيادهم من المستشفيات.

وحاصر متظاهرون، أمس، حقلي حلفاية والزبير النفطيين، وأغلق آخرون أبواب المربد والبئر التي تؤدي إلى شركة الحفر العراقية، وهي إحدى الشركات النفطية العراقية التي تغلب عليها الكوادر الأجنبية في البصرة.
كما أحرق متظاهرون مكتب سفريات سياحية إيراني وصوراً للمرشد الإيراني علي خامنئي في منطقة شط العرب ذات الغالبية الشيعية بالبصرة، في الوقت الذي رفع متظاهرون العلم العراقي مقابل مبنى القنصلية الإيرانية والأميركية بالقرب من كورنيش البصرة، وذلك على الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة وتهديد الجيش بفتح النار على من يحاول الاقتراب من المنطقة. وفي بابل، قطع متظاهرون طريقاً رئيسياً نحو مبنى الحكومة المحلية، مرددين شعارات مناوئة لما سموها "حكومة الأحزاب الدينية".
وفي ميسان الحدودية مع إيران، ردد متظاهرون شعارات عدة، من أبزرها "شيخي جيت حافي للعراق منيلك هالكد فلوس؟"، و"نشكر خدماتكم عودوا للمهجر سنحكم أنفسنا بأنفسنا"، في إشارة إلى رجال الدين وأعضاء الأحزاب السياسية وثرائهم على حساب الشعب.
وفي بغداد، وتحديداً "ساحة التحرير"، أشهر ساحات العاصمة العراقية، لم يتمكن المدنيون والناشطون من تأمين حشد واسع، إذ لم تتجاوز أعداد المحتجين المائة متظاهر. وشهدت الأيام الثلاثة الماضية خروج العشرات من الشبان إلى الساحة ورفع لافتات تطالب الحكومة بتوفير الخدمات لمناطق جنوب العراق. أما أحياء العاصمة الأخرى، مثل الشعلة وحي العامل، فجوبهت الاحتجاجات الليلية فيها بحملة قمع ومداهمات واعتقالات واسعة من قبل القوات العسكرية. في السياق، قال ناشط من بغداد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "نجاح تظاهرة العاصمة مرتبط بخروج الشيوعيين والتيار الصدري، ونحن نرفض تدخل الأحزاب، ومن ضمنها الحزب الشيوعي، أما التيار الصدري، فزعيمه مقتدى الصدر لم يخرج حتى الآن ببيان أو موقف واضح من دعم المتظاهرين السلميين". ولفت إلى أن "حملة القمع التي تعرض لها ناشطو بغداد، والتعذيب الذي استهدف عدداً من ناشطي العاصمة، حال دون استمرار الناس بالخروج، ولكننا على موعد ثابت هو الخروج مساء كل يوم بساحة التحرير ومظفر والحبيبية". وأشار إلى أن "القوات العسكرية، وبحسب المعلومات التي وصلتنا، هي جاهزة لضربنا والاعتداء علينا، واعتقالنا، وفتح النار الحي علينا، إذا لزم الأمر". وأوضح أن "المنظمات الحقوقية والإنسانية في العراق، صامتة منذ أيام، ولم تنتقد ما يحصل في البلاد من أعمال عنف تطاول المحتجين، وذلك بعدما أوعزت الحكومة لهذه المنظمات بأن المحتجين هم مأجورون ومدفوعون من جهات خارجية وداخلية عبر أحزاب سياسية".
بدوره، قال عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي، عضو تحالف سائرون، حسين النجار، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الحزب لم يخرج يوم أمس في التظاهرات باسمه الصريح، لكننا نؤيد التظاهرات منذ انطلاقها في البصرة وذي قار، لأن المطالب تتعلق بالخدمات والحقوق الإنسانية". وأوضح أن "ناشطي وأعضاء الحزب الشيوعي يتواجدون حالياً في التظاهرات بصفة متظاهرين فقط، ويحشدون لها ويقومون بواجباتهم الحزبية في الوقت نفسه". وبرأيه، فإن "التظاهرات الأخيرة التي انطلقت في العراق تمثل ظاهرة جديدة، لا سيما أنها خرجت بشكل عفوي، بدون تنسيق أو ترتيب لها من قبل لجان تنسيقية. وعلى الحكومة تنفيذ مطالب المتظاهرين، ونحن في سائرون نحمِل هموم هذه التظاهرات في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة". ولفت إلى أن "الحزب الشيوعي لن يشارك مستقبلاً في أي احتجاجات إلا بالتظاهرات الخاصة والمتعلقة بالحزب".


مليشيات الحشد تدخل على خط القمع

في غضون ذلك، أكد ناشطون وأبناء قبائل يشاركون في التحركات الاحتجاجية دخول فصائل من الحشد الشعبي، الحليفة لإيران، على خط قمع التظاهرات، بما في ذلك مليشيا العصائب، التي هدد زعيمها قيس الخزعلي، في تصريح له يوم الاثنين الماضي، بـ"قطع يد" المتورطين بحرق مقرات حركته في الجنوب. ووفقاً للناشط علي السعدي، في حديث مع "العربي الجديد"، فإن عناصر من مليشيات العصائب وفصائل أخرى شاركت بعمليات الاعتقال التي جرت في السماوة والمجر والناصرية والبصرة والنجف وكربلاء تحت مزاعم التورط بحرق مقراتهم في الأيام الماضية. وأوضح أن "عناصر الفصائل يشاركون بالاعتقالات ليلاً ولا وجود لهم خلال النهار". ولفت إلى وجود معتقلين أكدت مراكز الشرطة أن لا علم لها بهم، وأنها لم تعتقلهم، متسائلاً "أين هم الآن؟".

في موازاة ذلك، تحاول قيادات عسكرية وأمنية عراقية فضلاً عن برلمانيين من كتل وأحزاب دينية حرف بوصلة المتظاهرين والالتفاف عليها من خلال التحريض الطائفي. وفي السياق، كرر كل من قائد فرقة الرد السريع واليد الضاربة لنوري المالكي، اللواء ثامر الحسيني، وقائد عمليات الفرات الأوسط، الفريق قيس المحمداوي، وقائد عمليات البصرة، الفريق جميل الشمري، اتهامهم لمن سمّوهم "مندسين" و"دخلاء" من غرب وشمال العراق باختراق التظاهرات والقيام بعمليات حرق وتخريب واستهداف قوات الأمن، وكذلك الاعتداء على من سموهم رموزاً إسلامية، في إشارة إلى حرق صور خامنئي. من جهته، اعتبر النائب في البرلمان العراقي السابق، عضو تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، حسن سالم، أن التظاهرات تم اختراقها من قبل محافظات أخرى، وأن "إحراق مقرات الأحزاب وفصائل المقاومة تم بأوامر من السعودية وعزة الدوري ورغد صدام حسين". وفي إطار محاولته للتحريض، خاطب أهل الجنوب العراقي، في بيان أصدره، قائلاً "إن ما يجري مخطط سعودي لتدمير عمليتهم السياسية". وعلى المنوال نفسه، قال القيادي في كتلة دولة القانون التي يتزعمها نوري المالكي، جاسم جعفر، إن التظاهرات في الجنوب مخطط لإفشال مشروع عودة التحام الكتل الشيعية الخمس لتشكيل الحكومة. واتهم عضو تحالف الفتح، الجناح السياسي للحشد الشعبي الحليف لإيران، مندسين من الفلوجة والرمادي بأنهم وراء عمليات التخريب خلال التظاهرات في الجنوب. إلا أن الشيخ كنعان الحلفي، وهو أحد زعماء قبائل ذي قار، اعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أن "محاولة حشر أبناء المحافظات الغربية والشمالية بالاحتجاجات خطة لإعادة التخندق الطائفي، وبالتالي إنهاء التظاهرات والعودة إلى مربع البداية مستخدمين فوبيا الإرهاب والمؤامرة". ولفت إلى أن "تنظيم داعش والطائفية أكثر من خدما الحكومات المتعاقبة والأحزاب الإسلامية في بالعراق، إذ كانا غطاء لفشلهم". واعتبر أن "سكان الجنوب واعون وغير سذج لتصديق تلك الترهات"، على حد وصفه.

من جهته، قال القيادي في ائتلاف الوطنية، حامد المطلك، إن "الذين يتهمون غيرهم من العراقيين بدون إثبات أو دليل هم أنفسهم مندسون، وهم من أوصلنا إلى هذا المنحدر". وأشار إلى أن "القائد الأمني الذي أعلن أن مندسين من الفلوجة أو الموصل يقفون وراء حرف التظاهرات، عليه أن يأتي بدليل واحد أو أن يُحال إلى القضاء بتهمة الطائفية ونشر الفتنة". واعتبر أن "هذه التصريحات محاولات للهروب من الفشل ومواجهة الناس بحقيقة واقع مزرٍ أوصلوا العراق إليه بفعل سياستهم الطائفية".
بدوره، حذر القيادي في التيار المدني العراقي في محافظة المثنى، رياض الأعاجيبي، في حديث مع "العربي الجديد"، من "محاولات حرف مسار التظاهر ومنحه طابعاً عنفياً". وأشار إلى أن المحاولات "هي بالتأكيد ليست من المتظاهرين بل من جهات لا نعرفها حتى الآن، لكن أعتقد أنها تتبع جهات دينية وفصائل مسلحة"، قائلاً "منذ يومين والتلويح بالورقة الطائفية مستمر والقمع يزداد تجاه المحتجين". وتوقف عند حديث "قيادات أمنية وعسكرية وسياسية عن وجود مخترقين لتلك التظاهرات وتحديدهم بأنهم من غرب وشمال العراق، بمعنى أن مواطنين من العرب السنّة هم الذي يحرقون ويطلقون النار ويدمرون ويسرقون". وأضاف "كلنا نعلم أن مناطق الجنوب مغلقة منذ الاحتلال (الأميركي) للون واحد فقط والغريب يُعرَف فوراً، وما نعتقده أن هناك عمليات تخريب تتورط فيها فصائل مسلحة وأحزاب دينية".
وبرأيه، فإنه "في حال ازدادت عمليات العنف ستعود الناس لمنازلها خوفاً من فقدان الأمن تماشياً مع القاعدة القائلة الأمن أولاً، ودونه كل شيء يهون". وفيما اعتبر أن "تصريحات التخويف الطائفي لم تعد تنفع كثيراً مع الناس، وهي معيبة بالوقت نفسه"، أشار إلى أن "التخويف بورقة حزب البعث ورغد صدام وعزة الدوري معيبة أكثر، كون إيران والفصائل العراقية حالياً هي التي تدافع عن حزب البعث في سورية رغم ما يحمله من إجرام"، وفقاً لقوله.

اجتماع لقادة الكتل الشيعية ورفض لحكومة الإنقاذ

وخلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، شارك رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بثلاثة اجتماعات، الأول ضم زعماء وقيادات عن الكتل السياسية الشيعية في بغداد، والثاني خلال زيارة له إلى مقر قيادة الحشد الشعبي التي تتخذ من منزل نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي مقراً لها في حي القادسية في بغداد والتقى بقيادات من فصائل مختلفة. أما الاجتماع الثالث فضم قيادات سياسية مختلفة، بينهم زعماء كتل سنية عراقية.

وقال مسؤول عراقي في بغداد إن الاجتماعات الثلاثة تناولت ملف الاحتجاجات المتصاعدة وأهمية الإسراع في تشكيل الحكومة، مبيناً أن الحشد الشعبي وقيادات شيعية تعارض فكرة حكومة إنقاذ في مقابل دفعها للمضي بحكومة دائمة على ضوء النتائج التي تم فرزها. ولفت إلى أن زعماء الكتل تلك أثنوا على سياسة قوات الأمن والجيش في احتواء التظاهرات ومنع تمددها.

نتائج الانتخابات الأسبوع المقبل 
في سياق مواز، كشف مسؤول عراقي بارز عن أن نتائج الانتخابات النهائية ستعلن الأسبوع المقبل بشكل نهائي بعد إكمال عد وفرز 13 محافظة حتى الآن من أصل 18 محافظة. وأوضح أنه فور إعلان النتائج الأسبوع المقبل كما هو مقرر، سيصار إلى إرسالها للقضاء للمصادقة عليها والدعوة إلى عقد جلسة أولى للبرلمان الجديد.
وأشار إلى أنه يوجد "استعجال كبير من زعماء الكتل السياسية والقيادات المختلفة لإنهاء ملف الانتخابات، التي مضى عليها أكثر من شهرين بسبب الاحتجاجات الحالية". وأكد أن "النتائج الجديدة لن تختلف عن القديمة وستكون مطابقة بنسبة تقدر بنحو 97 في المائة"، وفقاً لقوله.
وفي السياق، قال النائب السابق فتاح الشيخ، إن "عملية العد والفرز كانت لذرّ الرماد بالعيون ومحاولة لتسوية نتائج الانتخابات وتمريرها نحو تشكيل الحكومة"، مبيناً أنه لا يتوقع "تغييراً فيها عن النتائج القديمة". بدوره، اعتبر القيادي في التحالف الكردستاني، جمال كوجر، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "العد والفرز اليدوي كان بمثابة غطاء للأحزاب لتمرير الانتخابات على شكلها الحالي"، معرباً عن اعتقاده بأنّ "أعراضها السلبية ستكون كبيرة على الحكومة.

(شارك في التغطية من ذي قار: عباس القريشي)