"داء" نداء تونس

"داء" نداء تونس

15 يوليو 2018
تراجع "نداء تونس" في ظرف أربع سنوات (الأناضول)
+ الخط -


لم يحدث في تاريخ الأحزاب في العالم أن هوى حزب بالشكل الذي تهاوى به حزب نداء تونس، الحزب الحاكم في البلاد، الذي يرأس الجمهورية والحكومة والبرلمان. ففي ظرف أربع سنوات، لم تكتمل بعد، تراجع في البرلمان وفقد أغلبيته وتشظّى إلى خمسة أو ستة أحزاب، وخسر كل جولاته الانتخابية وألقى بكل معاركه على مرأى ومسمع التونسيين، وتابع الجميع قصة سقوط سياسي مدوٍ وسقوط أخلاقي أيضاً، وسلّ الجميع خناجره على معركة حكم لم تنته.

ومنذ يومين، أعلنت الهيئة السياسية للحزب عن فتح باب الترشح لعضوية لجنة إعداد المؤتمر الثاني للحركة بداية من أمس الأحد ولغاية الأربعاء المقبل. ودعت الهيئة كل من يأنس في نفسه الخبرة والكفاءة من الهياكل الجهوية والمحلية والوطنية إلى الترشح لعضوية اللجنة. وقد يرى العاقلون أن هذه الدعوة لإعداد المؤتمر، الأول بالمناسبة لحزب حاكم، فرصة لحسم الأمور ديمقراطياً بين المتنافسين، أو المتصارعين بالأحرى. لكن المشكلة أن جزءاً من قيادات "النداء" لا تعترف بهذه الهيئة السياسية وترى فيها انقلاباً، ومنهم مدير الحزب، حافظ قايد السبسي، وهو ما يبيّن أن هذا الحزب هو أغرب ما أنتجت الساحة السياسية التونسية في سنواتها الأخيرة، إذ إن جزءاً منه مع الحكومة وآخر ضدها، وبعضهم يدافع عن بقاء رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وآخرون يطالبون بإسقاطه، وجماعة مع الرئيس المؤسس وآخرون يعتبرون أنه يريد توريث ابنه، ومعارضون غادروا الحزب وبعضهم ينظّر للعودة إليه تحت غطاء جديد، ونواب مع السبسي الابن وآخرون ضده، حتى ضاع المتابعون ويئس المحللون.

وفي الأثناء، وصلت شرارات المعارك إلى الجميع، إلى الدولة ومؤسساتها وإلى أوضاع التونسيين، وزادت الحالة الاقتصادية والاجتماعية تردياً، فيما تدفع البلاد كلُّها ثمن معركة الحكم هذه، ولا من حل في الأفق ولا مخرج من هذا الصراع الذي استنزف جهد الجميع. ومن غرابة هذا الحزب الحاكم، أنه يتحوّل أحياناً إلى حزب معارض في البرلمان، يسقط القوانين التي تقترحها الحكومة، التي يرأسها واحد من أبناء "النداء" وأغلب وزرائها منه. ولا يهم إذا خسرت البلاد أو تعطلت مصالحها، المهم أن ينتصر هذا الشق اليوم ليرد ذاك الشق غداً، حتى صار "النداء" داء ينخر أسس البلاد ويهدد استقرارها.

المساهمون