ضغط أميركي - إسرائيلي يوقف مشاريع دولية في غزة

ضغط أميركي - إسرائيلي يوقف مشاريع دولية في غزة

15 يوليو 2018
كثير من المشاريع الأهلية الفلسطينية والدولية ذاهب باتجاه التوقّف(الأناضول)
+ الخط -
لم تقتصر تداعيات العقوبات الأميركية التي بدأتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتوازي مع نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة وتقليص الدعم المقدم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، على الفلسطينيين، بل طاولت مؤسسات أخرى تعمل في خدمة مليوني فلسطيني في قطاع غزة. وعلى غرار إجراءاتها التي أوصلت الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية إلى مرحلة في غاية السوء، بدأ الفلسطينيون يلاحظون أخيراً أن المؤسسات الدولية العاملة في غزة بدأت تُغلق أبوابها وتُنهي عقود موظفيها في الأسابيع الأخيرة، بعد أن وصلت إليها حالة الشلل من جراء وقف الدعم الذي كانت تقدمه الإدارة الأميركية إلى المشاريع التشغيلية والتنموية في القطاع.

وتؤكّد مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أنّ "الكثير من المشاريع والبرامج التي تنفذها المؤسسات الأهلية الفلسطينية والدولية في غزة ذاهبة باتجاه التوقّف، بسبب العجز الكبير في التمويل، في حين لم يتم صرف سوى 20 في المائة من نسبة التمويل الذي وضعته الأمم المتحدة في إطار خطة الاستجابة الإنسانية لغزة" التي أطلقتها قبل أشهر.

ورغم الوعود المتعلّقة بتخفيف الحصار ووقف معاناة الفلسطينيين في غزة، من خلال الطروحات الإنسانية التي بدأت تناقشها الإدارة الأميركية أخيراً، إلا أنّه على الأرض تجري الأمور عكس ذلك تماماً، لا سيما في ظلّ حالة الرفض الفلسطيني لـ"صفقة القرن" وما ينطوي عليها من تجريد للاجئين الفلسطينيين من حقوقهم وإنهاء قضية القدس.

وترتكز خيارات الإدارة الأميركية في معالجة الموضوع الفلسطيني عموماً وقطاع غزة خصوصاً على الجانب الاقتصادي، وهو ما يفسّر إمعانها في وقف كل أشكال الدعم والتمويل عن غزة، حتى الوصول إلى وقف كل المشاريع والبرامج التي تخدم شرائح المجتمع الغزّي، فضلاً عن خطورة تقليص خدمات "أونروا" في القطاع. فتوقّف البرامج التي تنفذها المؤسسات الدولية في غزة أخيراً، وما تبعه من تسريح الموظفين والزجّ بهم في طابور العاطلين عن العمل، رفع نسبة البطالة والعوز إلى أرقام قياسية، وهو ما ينذر بأحوال غاية في الصعوبة، وصولاً إلى الانهيار الكامل لكل أشكال الحياة في غزة.

وأُبلغ عشرات الموظفين الفلسطينيين العاملين ضمن مشاريع دولية في غزة بالتوقّف عن العمل، وعدم تجديد عقودهم الوظيفية، مع البدء الواضح بخروج بعض المؤسسات الكبيرة من القطاع، وبالتالي توقّف عملها ومشاريعها، وهو ما يفسّره الفلسطينيون على أنّه محاولة مستمرّة للضغط عليهم للقبول بالحل السياسي التصفوي.

وفي هذا الإطار، يوضح رئيس شبكة المنظمات الأهلية في غزة، أمجد الشوا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "سياسة الإدارة الأميركية، انعكست بشكل خطير على المشاريع والبرامج التي تنفذها مؤسسات دولية أميركية في القطاع، وهي التي كانت تتلقّى الدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، عدا عن برامج أخرى لها علاقة بالتمويل الدولي والعربي بشكل عام".

ويؤكّد الشوا أنّ "مؤسسات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية والأهلية الفلسطينية جميعها باتت تعاني في غزة"، مضيفاً "نحن نقدّر نسبة العجز في التمويل الخاص بالمؤسسات الأهلية الفلسطينية بأكثر من 70 في المائة، وهو ما انعكس على الخدمات وقدرة المؤسسات على الاستجابة وحتى على استمرارها في البقاء، وبالتالي كثير من الموظفين تمّ التخلّي عنهم وانضموا إلى صفوف المعطلين عن العمل".

ويوضح الشوا أنّ "هناك تراجعاً خطيراً في نسبة التمويل المخصصة للمشاريع الإنسانية في قطاع غزة، في وقت أنّ أونروا تقلّص تمويلها بشكل كبير، ما انعكس على برامجها وخدماتها. كل ذلك والاحتياجات تزداد، في ظلّ أوضاع كارثية يعيشها أساساً المواطن الفلسطيني"، مشيراً إلى أنّ "التمويل الدولي بات يتجه إلى مناطق أخرى على الرغم من أهمية القضية الفلسطينية".

ويرى الشوا أنّ "هذا كله، يندرج في إطار حملة مبرمجة يقودها الاحتلال الإسرائيلي للتحريض على مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية والدولية وحتى أونروا. وهي تتزامن مع الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، إذ إنّ الاحتلال بات ينتهج أساليب جديدة تهدف لتعميق الأزمة التي يعيشها أهالي قطاع غزة".

ويلفت الشوا، بالإضافة إلى التحريض الإسرائيلي، إلى مشكلة الانقسام السياسي الفلسطيني "التي تمثّل طارداً لأي جهد يتعلّق بالتخفيف من معاناة الناس وبعمل المؤسسات ونشاط المشاريع والبرامج"، موضحاً أنّ "هناك انتهاكات ترتكب بحقّ مؤسسات المجتمع المدني، وهو ما يدفع باتجاه وقف دورها أو إيقاف مشاريعها".

ويشير الشوا، في حديثه، إلى أنّ "الاستجابة الإنسانية" التي تتداولها الإدارة الأميركية، "تعدّ ضعيفة، في ظلّ عدم الإيفاء بالوعود المتعلّقة بأيٍ من تلك المنح المخصصة للفلسطينيين"، مضيفاً: "نحن لا نتحدّث عن جودة حياة، بقدر ما هي الحياة نفسها، التي باتت مهددة في غزة، وهو أمر بالغ الخطورة على المستويات كافة، نحن نتكلم عن أسس الحياة".

وتضاف هذه التداعيات إلى موجة الأوضاع الكارثية التي يدفع ثمنها المواطن الفلسطيني في القطاعات كافة في غزة، ضمن انهيار كامل لأسس الحياة. ويقول الشوا: "على الجميع أن يتدارك هذه الأزمة، وأن تكون هناك مصالحة فلسطينية تساهم في توفير مقوّمات الصمود الفلسطيني لمواجهة هذه التحديات. فضلاً عن ضرورة التحرّك على المستوى العربي، وخصوصاً في إطار الدفع باتجاه الإيفاء بالتعهدات المالية لإعمار قطاع غزة، إذ إنّ ما وصل منها لا يتعدى 40 في المائة. كذلك يجب تعظيم المنفعة من تلك الأموال، عبر إقامة مشاريع يشعر فيها المواطن الفلسطيني بما يخفف من معاناته، وأخيراً رفع الحصار الإسرائيلي الخانق عن غزة".

كذلك يؤكّد الشوا أنّ "معالجة قضية قطاع غزة لا تأتي في إطار إنساني، بقدر ما هي مشكلة سياسية مبنية على أساس قوانين حقوق الإنسان. وبدون المصالحة ورفع الحصار وتوفير مقومات حقيقية للتنمية في القطاع، فإن الأمور ستبقى على ما هي عليه في غاية الصعوبة".