النظام المصري يلغي القيود القانونية على صفقات الجيش والاستخبارات

النظام المصري يلغي القيود القانونية على صفقات الجيش والاستخبارات

13 يوليو 2018
يسمح مشروع القانون بالتعاقد بالأمر المباشر (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -



بالتوازي مع اقتراب إنشاء الصندوق السيادي الجديد للتصرف في أملاك الدولة المصرية، وتكريس الشراكات الاستثمارية بين الحكومة والجيش، وضع مجلس النواب المصري المسودة النهائية لمشروع قانون "التعاقدات الحكومية" الجديد، الذي سيلغي قانون "المزايدات والمناقصات" العتيد. وكان هذا القانون الشريعة العامة لبيوع وتعاقدات الأجهزة الحكومية جميعاً، منذ صدوره في العام 1998، واستمر قائماً رغم المشاكل العديدة التي أثيرت حول تطبيقه، خصوصاً نهاية العقد الماضي، عندما أصدرت المحاكم الإدارية العليا والقضاء الإداري سلسلة من الأحكام التي تعلي شأن تطبيق ذلك القانون، وتحظر اتباع أي قانون آخر يمثل التفافاً عليه، فأبطلت عقود بيع أراضي مشاريع "مدينتي" و"بالم هيلز"، ما تسبب بين عامي 2010 و2012 في أزمة بين الحكومة ورجال الأعمال الناشطين في مجال الاستثمار العقاري.

وقد ضاق النظام الحاكم ذرعاً بقانون المزايدات والمناقصات بسبب تقييده سلطة الجهات الحكومية المختلفة في التعاقد بالأمر المباشر مع مستثمرين أو شركات مقاولات أو شركات خدمات بعينها، إذ كان الجهاز المركزي للمحاسبات، خصوصاً في عهد رئيسه السابق، هشام جنينة، يقف حارساً لتطبيق هذا القانون، فكان يسجل ملاحظات متكررة ببطلان البيوع وصفقات الشراء التي تعقدها الجهات الحكومية، بما فيها الأجهزة السيادية والأمنية، بالأمر المباشر، من دون اتباع المناقصة أو المزايدة، بل وأحال الجهاز بعض تلك الحالات للنيابة العامة للتحقيق في شبهات فساد.


ومقابل هذه القيود، حاولت الأجهزة المختلفة، وبصفة خاصة الجيش والاستخبارات العامة والشرطة، التملص من تطبيق هذا القانون، بحجج مختلفة، أحياناً تحت زعم ضرورة السرية حفاظاً على الأمن القومي، وأحياناً أخرى بزعم عدم إمكانية الإعلان عن تفاصيل الصفقات التي تعقدها لارتباطها باعتبارات أمنية أو عسكرية. لكن هذه المزاعم كانت تخفي خلفها، في أغلب الأحوال، تعاقد هذه الجهات مع شركات يملكها عسكريون وشرطيون سابقون، أو تعاقدها مع بعضها البعض، دون اتباع الإجراءات المنصوص عليها في قانون المزايدات، والتي تضمن شفافية البيع والشراء وعدالة التنافس بين المستثمرين. وحاول النظام تفريغ القانون القائم من مضمونه. ففي سبتمبر/ أيلول 2013، أصدر الرئيس المؤقت السابق، عدلي منصور، في غيبة من البرلمان، تعديلاً على القانون يحرر الهيئات الحكومية، التي لها قوانين خاصة، من التقيّد بإجراءات المزايدات والمناقصات في عمليات البيع والشراء، ويرفع الحد الأقصى للتعاقد بالأمر المباشر لشراء المنقولات وتلقّي الخدمات لصالح الوزارات والهيئات الحكومية. وبناءً عليه، أصبح القانون يسري فقط على وحدات الجهاز الإداري للدولة، من وزارات ومصالح وأجهزة لها موازنات خاصة، ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وهي التي لا تملك الأراضي الزراعية أو الصحراوية.



وعلى الرغم من تحقق الالتفاف على القانون، لأنه لم يعد القانون العام الواجب تطبيقه على الهيئات التي تملك التصرّف في أراضي الدولة، كما كان في السابق، فإن النظام الحاكم وجد أن استمرار تطبيقه بالنسبة لوحدات الجهاز الإداري ودواوين الوزارات والمصالح ذات الموازنات الخاصة أمر يعوق خططها لبيع أصول الدولة، والاستثمار العقاري والتجاري فيها، فضلاً عن إسناد عمليات المقاولة البسيطة للهيئة الهندسية للجيش وغيرها من الجهات، سواء من الباطن أو بالتعاقد المباشر. وأكدت مصادر قانونية، لـ"العربي الجديد"، أن الفكرة الرئيسية للقانون الجديد، وهي إلغاء الحدود القصوى لقيمة البيوع والمشتريات، تعود في الأساس لدولة الإمارات، إذ هدد المستثمرون الإماراتيون، المنخرطون في استثمارات مشتركة مع الحكومة المصرية، بترك المشاريع إذا لم تعمل الحكومة على اختصار الإجراءات المعمول بها، وذلك لأن إجراء المناقصات والمزايدات العلنية، والسماح بدخول منافسين محليين وأجانب، يثقل كاهل المستثمرين المقربين من الحكومة، بدفع مبالغ تعويضات عرفية للمنافسين بغية الاستحواذ على الصفقات، بل ويكلفهم الصفقات بالكامل في بعض الحالات، الأمر الذي اقتضى تدخل حكومة الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، لوضع تصور تشريعي جديد، يسمح في العديد من الحالات بالتعاقد بالأمر المباشر، ودون اتباع الإجراءات القانونية المعقدة.

المسودة النهائية للمشروع الجديد، التي أعدتها لجنة مشتركة من النواب وممثلي وزارة العدل، فتحت الباب أمام جميع الجهات الحكومية للتعاقد بالأمر المباشر في 7 حالات، معظمها غير محدد، بل يعود تقديره للسلطة التقديرية للحكومة أو الجهاز الذي سينفذ التعاقد، فمنها على سبيل المثال "إذا كانت الحالة تستهدف تعزيز السياسات الاجتماعية أو الاقتصادية التي تتبناها الدولة"، و"الحالات الطارئة التي لا تتحمل اتباع إجراءات المناقصة أو الممارسة"، و"عندما لا يكون هناك إلّا مصدر واحد بقدرة فنية مطلوبة"، و"عندما لا يكون هناك إلّا مصدر واحد له الحق الحصري أو الاحتكاري لموضوع التعاقد". ومن صياغة الحالات السابقة، يتبين اتساع السلطة التقديرية التي يمكن بها إدراج أي صفقات تحت أي من البنود المذكورة، خصوصاً ما ينص على "تعزيز السياسات الاجتماعية والاقتصادية"، وهي عبارة ليس لها ضابط أو رابط. كما أن الحديث عن وجود مصدر واحد بقدرة فنية أو بحق احتكاري وحصري، ينطبق بالدرجة الأولى على شركات الجيش وبعض شركات الاتصالات وجميع شركات البترول المتعاقدة مع الدولة، الأمر الذي سينعكس بزيادة ضخمة في عدد الصفقات المعقودة بالأمر المباشر، ودون عقد الرقابة على تلك السلطة التقديرية لأي جهة حكومية أو رقابية.

كما يجيز المشروع لكل من وزارات الدفاع والإنتاج الحربي والداخلية وأجهزتها جميعاً في "حالات الضرورة التي يقتضيها الأمن القومي" التعاقد بطريق المناقصة المحدودة، أو المناقصة على مرحلتين، أو الممارسة المحدودة أو الاتفاق المباشر. ويعتبر هذا النص تكريساً وقوننةً لوضع غير دستوري قائم على التمييز الإيجابي لتلك الوزارات وأجهزتها على باقي الوزارات والشركات، وخصوصاً أن تعبير "الأمن القومي" يبلغ من الاتساع ما يمكن كل وزارة من تفسيره كما تشاء، ما يضمن لها أن تدرج تحته كل تعاقداتها، علماً أن المشروع يضمن "سرية استثنائية" لخطط البيع والشراء المندرجة تحت اعتبار "الأمن القومي" بعدم نشر أي معلومات عنها على بوابة الخدمات الحكومية الإلكترونية. والأمر نفسه يضمنه القانون بصورة استثنائية لمجلس الوزراء، كجهة منفصلة عن باقي الوزراء، بل إن المشروع يجيز لذلك المجلس، للمرة الأولى، التعاقد بالاتفاق المباشر مع أي مستثمر منفرد أو شركة، مصرية أو أجنبية، إذا تقدم بخطة لمشروع استثماري متكامل جاهز التمويل، وذلك بعد موافقة وزير المالية. أما التعاقدات الخاصة بين الأجهزة العسكرية والاستخباراتية فيقرر المشروع الجديد إبقاءها بالأمر المباشر دون اتباع أي ممارسة أو مناقصة أو مزايدة، حتى وإن كانت محدودة، وهذا الأمر يسمح باستمرار سرية تعاقدات الجهات السيادية التي تستعين بشركات الجيش وشركات الإنتاج الحربي حصرياً لتنفيذ مشاريعها، بمعزل تام عن الرقابة.