"مليونية القدس" في غزة بلون الدم: 11جمعة شهداء وجرحى

"مليونية القدس" في غزة بلون الدم: 11 جمعة شهداء وجرحى

09 يونيو 2018
بدت الخطوط الأمامية وكأنها أرض حرب(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
لا يتوقف النزيف الفلسطيني في قطاع غزة مع سقوط المزيد من الشهداء والجرحى برصاص الاحتلال. وشهدت جمعة "مليونية القدس"، أمس الجمعة، تزامناً مع ذكرى النكسة ويوم القدس العالمي، مقتل 4 فلسطينيين (حتى عصر أمس) وجرح ما يزيد عن 500 مدني على حدود القطاع مع الأراضي المحتلة. وتوافدت مئات السيارات والحافلات كبيرة الحجم، فور الانتهاء من صلاة الجمعة أمس، إلى الحدود الشرقية لقطاع غزة، والتي زينت بالأعلام الفلسطينية ووسم "مليونية القدس". وتم نقل آلاف المتظاهرين من كافة الأماكن في مدينة غزة، على أنغام الأغاني الثورية، ومنها "وين الملايين"، و"يلا امشوا معانا على فلسطين"، و"راجع لأرض الوطن للحوش أنا راجع، راجع لبلادي راجع مع نور الشمس الساطع".

وتتمثل مطالب الفلسطينيين، في حراكهم السلمي المتواصل منذ 11 جمعة، والذي بدأ في ذكرى يوم الأرض، في الثلاثين من مارس/ آذار الماضي، بتذكير العالم بمعاناتهم وباللجوء وبتمسكهم بالعودة، والدعوة لإنهاء حصار غزة الظالم الذي دخل عامه الثاني عشر. وشهدت الجُمع الماضية اعتداءات متواصلة من قوات الاحتلال الإسرائيلي المتمركزة على طول الشريط الحدودي، أدت إلى ارتقاء عشرات الشهداء وآلاف الجرحى  بإصابات تنوعت بين الخطرة، والمتوسطة، والطفيفة، إلى جانب حالات الاختناق جراء إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي قنابل الغاز السام، وغاز الأعصاب، والغاز المسيل للدموع. وسجلت "جُمعة مليونية القدس" علامة فارقة في فعاليات وأنشطة مسيرات العودة، والتي يشارك فيها آلاف الفلسطينيين بدعوة من الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة الكبرى، إذ بدا الإصرار الفلسطيني واضحاً على ملامح الشبان الثائرين على طول السياج الحدودي الذي تفصل به قوات الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة من شماله حتى جنوبه، عن الأراضي الفلسطينية المُحتلة. وأرض الميدان بدت أكثر حدة من الأيام التي سبقت التحضير للمليونية، إذ أمطرت قوات الاحتلال الإسرائيلي المتظاهرين بوابل من قنابل الغاز السام والمُسيل للدموع والأعيرة النارية المتفجرة والرصاص الحي والمطاطي، متجاهلة الأصوات الدولية التي تنادي بضبط النفس وعدم الانجرار وراء استخدام القوة في مواجهة المدنيين، إذ قابلت تلك الدعوات بمفاقمة استخدام القوة في مواجهة المتظاهرين السلميين العُزل.

وسقط 4 شهداء وأصيب عشرات الفلسطينيين برصاص الاحتلال الإسرائيلي وبالاختناق على الحدود الشرقية لقطاع غزة في جمعة "مليونية القدس". وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية سقوط 4 شهداء وإصابة 525 فلسطينياً، فيما تعمّدت قوات الاحتلال استهداف النقاط الطبية شرق غزة بالغاز. كما أصيب صحافيان فلسطينيان على الحدود الشرقية لقطاع غزة، وفق ما ذكر صحافيون وناشطون في نقاط التماس. وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي استبق بدء نشاطات مسيرات العودة في "مليونية القدس"، بإشعال الحرائق في مراكز مخيمات العودة في رفح، عبر إسقاط "شعل نارية" من الجو على أكوام الإطارات المطاطية وإشعال النيران فيها، مع تسيير "عدد قياسي" لطائرات المراقبة المسيرة، بحسب وصف الصحف الإسرائيلية. وأوردت الصحف كذلك أن جيش الاحتلال يستخدم عدداً كبيراً من الكاميرات للمراقبة وتوثيق الأحداث. وكان جيش الاحتلال قد بدأ، منذ الليل، بنشر مئات من عناصر القناصة على امتداد السياج الحدودي مع قطاع غزة، إلى جانب نشر قوات معززة من مختلف الوحدات، كان قد استدعاها، منذ يومين، وقام بتجميع وتركيز قسم منها في المستوطنات الإسرائيلية في محيط قطاع غزة. واستقدم الاحتلال مجموعات إضافية من الجنود، من ألوية "جولاني" و"جفعاتي" و"الوحدة 401"، إلى جانب جنود من الوحدات البرية الأخرى. كما نشر جيش الاحتلال بطاريات منظومة "القبة الحديدية"، تحسباً لإطلاق قذائف هاون وصواريخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل. كما ألقى الطيران الحربي الإسرائيلي، في ساعات الفجر، منشورات تحذيرية تدعو السكان للامتناع عن المشاركة في مسيرات العودة.



ويأتي استخدام جنود الاحتلال الإسرائيلي، المتمركزين خلف الآليات العسكرية، للقوة على الرغم من مواصلة النداءات الفلسطينية، واستمرار تأكيدات الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة الكبرى على سلمية الحراك الذي يهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ووقف العنف والقتل بحق الفلسطينيين، وعودة الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم. وفي المقابل، اشتعل غضب المتظاهرين الفلسطينيين ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تهدف إلى إيقاع أكبر قدر ممكن من الإصابات، وحالات البتر والإصابات البليغة، عبر إشعال إطارات السيارات القديمة بهدف حجب رؤية القناصة الإسرائيليين المنتشرين على كل نقاط التماس، وإلقاء الحجارة يدوياً، وعبر استخدام المقلاع. وشهدت المناطق الحدودية نشاطاً كبيراً للوحدات الميدانية في "جمعة مليونية القدس"، إذ حاولت "وحدة الكاوتشوك" إشعال الإطارات المطاطية بهدف حماية المتظاهرين، بينما كثفت وحدة "الأطباق الطائرة"  والبالونات الحارقة من إطلاق كُتل اللهب، بهدف إحراق المزارع المُتاخمة للمواقع العسكرية الإسرائيلية، وتكبيد الاحتلال الإسرائيلي خسائر مادية، رداً على مواصلة استهداف المدنيين، وقتل وإصابة المئات منهم. وحاولت باقي الوحدات الميدانية الضغط على قوات الاحتلال لوقف ممارساتها بحق المتظاهرين، إذ نشطت وحدة المقلاع، ووحدة القواطع، المُختصة بقطع وإزالة السياج المعدني الذي تحاول قوات الاحتلال الإسرائيلي زرعه على طول الشريط الحدودي الفاصل.

وقال المتظاهر الجريح، أحمد سعد (30 سنة)، الذي أصيب بطلق ناري متفجر قبل نحو شهر، إنه لا يزال يواصل المشاركة في مسيرات العودة حتى تحقيق كل الأهداف، وأبرزها عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها عنوة. وشاركت التوأمان سجى وشروق الحويطي (17 سنة)، وأصلهن من مدينة يافا المُحتلة، إلى جانب المتظاهرين. وقالت سجى إنها لم تتوقف عن المشاركة على الرغم من تقديم اختبارات الثانوية العامة، وذلك للمطالبة بحق الشعب الفلسطيني، بينما رأت شقيقتها شروق أن تواصل الفعاليات السلمية الاحتجاجية ضروري لإثبات الحق الفلسطيني، وتنبيه العالم لحق العودة.

التوتر الأكبر في جُمعة الثامن من يونيو/ حزيران كان على خطوط التماس المُباشرة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والشبان الغاضبين، إذ بدت الخطوط الأمامية وكأنها أرض حرب مُشتعلة، يغطيها الدُخان الأسود، الذي تخترقه قنابل الغاز بدخانها الأبيض، فيما تتعالى في المكان الهتافات الفلسطينية المُنادية بالحرية وإنهاء الظلم والقتل الإسرائيلي المتواصل. وفي المقابل، ظهر واضحاً استعداد النقاط الطبية الميدانية، والفرق الشبابية التطوعية، لإسعاف المصابين بالرصاص وحالات الاختناق والإصابات الطفيفة، بينما بدت سيارات الإسعاف المتمركزة في نقاط التماس أكثر جاهزية واستعداداً، إذ جُهزت بالأدوية والأدوات الطبية وأدوات الإسعاف الأولي. وانتشرت كذلك الكوادر والطواقم الصحافية المحلية والدولية والعالمية، وسيارات البث المباشر على طول الشريط الفاصل، وبشكل لافت، إلى جانب فرق النشطاء الشباب، لنقل مجريات أحداث الجمعة الحادية عشرة، والمليونية الثانية، بعد مليونية النكبة، والتي نُظمت في 15 مايو/ أيار الماضي، وارتقى خلالها نحو 63 شهيداً، إلى جانب إصابة ثلاثة آلاف شخص في يوم واحد.

ويؤكد المتظاهرون الفلسطينيون منذ اللحظة الأولى لإطلاق فعاليات مسيرات العودة الكبرى قبل نحو شهرين على مطالبهم التي تم إعلانها، والتي تتركز بعودتهم إلى مدنهم وأراضيهم ومزارعهم وقراهم وبلداتهم التي طرد أجدادهم منها قسراً على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي أقامت فوق أنقاضها "دولة إسرائيل". ويسعى الفلسطينيون بالتزامن مع سير أنشطة مسيرة العودة إلى مقاضاة دولة الاحتلال الإسرائيلي في المحاكم الدولية جراء مواصلة سياستها القمعية في استهداف المتظاهرين، من دون أي تفرقة بين صحافي أو مسعف أو مدني أعزل، وسط تأكيدات على ضرورة رضوخ الاحتلال للقوانين الدولية التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه السليبة.

المساهمون