تقارب حذر بين روسيا وقطر بعد عام على الحصار

تقارب حذر بين روسيا وقطر بعد عام على الحصار

07 يونيو 2018
استقبل بوتين أمير قطر بموسكو في مارس الماضي(فرانس برس)
+ الخط -
منذ اندلاع أزمة حصار قطر قبل عام، سعت روسيا لتطوير علاقاتها مع كل أطراف الأزمة الخليجية، وفي مقدمتها الدوحة والرياض، لضمان مصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة، من دون انحيازها لطرف على حساب الآخر. وقد أسفر الحصار عن تقارب محدود بين موسكو والدوحة، بما يصبّ في مصلحة البلدين ويتطابق مع براغماتيتهما في السياسة الخارجية، وفق ما يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ديمتري فرولوفسكي.

ويشير فرولوفسكي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "فور اندلاع الأزمة، أعربت روسيا عن استعدادها لتزويد قطر بمنتجات زراعية وغذائية، وكانت هذه الإشارة هامة للدوحة في ذلك الوقت، من دون أن تأخذ هذه الإمدادات طريقها على أرض الواقع. كانت روسيا تدرك أنّ التقارب الكبير مع قطر سيؤثّر سلباً على علاقاتها مع السعودية، ولكن التقارب المحدود جاء مريحاً للدول الثلاث".

وخلال العام الأول من الأزمة الخليجية، استقبل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو، كلاً من العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، في نهاية مارس/آذار الماضي. وتطرّقت المحادثات الرفيعة بين بوتين والشيخ تميم، إلى توسيع التعاون في مجال الطاقة والاستثمار، وحتى توريد نظم روسية متطورة للدفاع الجوي.

وفي الوقت الذي أثارت فيه خطط موسكو تزويد قطر بصواريخ "إس-400" (تريومف) غضب السعودية، سارعت روسيا للتأكيد على أنها تنطلق في ذلك من مصالحها الخاصة، وأنّ موقف الرياض لن يؤثر عليها. ومع ذلك، يوضح فرولوفسكي أنّ "موسكو تتوخّى الحذر في هذه المسألة، مدركةً أنّ تزويد قطر بأحدث الصواريخ، سيمسّ حتماً بالعلاقات الروسية السعودية".


ومنذ عام 2013، بدأت روسيا وقطر بالدفع بالتعاون الاستثماري بينهما، والذي تُرجم في إبرام عدد من الصفقات الكبرى، على رأسها استحواذ جهاز قطر للاستثمار على أسهم ثاني أكبر مصرف في روسيا "في تي بي" بقيمة 500 مليون دولار، ومشاركته في شراء 19.5 في المائة من أسهم "روس نفط"، أكبر شركة نفط في روسيا، في نهاية عام 2016، في ما اعتبر أكبر صفقة خصخصة في تاريخ روسيا. 

وخلال زيارة أمير قطر الأخيرة إلى موسكو، تمّ الإعلان عن نية الخطوط الجوية القطرية شراء حصة 25 في المائة في مطار "فنوكوفو" في ضواحي موسكو والذي يعتبر ثالث أكبر مطارات روسيا. إلا أنّ قطر "لا تنظر إلى روسيا على أنها الوجهة الرئيسية لاستثماراتها"، وفق ما يوضحه فرولوفسكي، قائلاً "لا مجال لمقارنة روسيا مع الوجهات الرئيسية للاستثمارات القطرية، مثل الولايات المتحدة وبلدان غرب أوروبا وسنغافورة وهونغ كونغ". ويتابع في السياق ذاته: "لا تخلو الاستثمارات القطرية في روسيا من دوافع جيوسياسية، إذ أدركت قطر أنّ الأزمة السورية دخلت مرحلة تقسيم البلاد إلى مناطق النفوذ، وأنه لا يمكنها منافسة لا موسكو ولا واشنطن. ومن خلال دعم روسيا استثمارياً، تسعى الدوحة للحفاظ على علاقات الثقة معها لضمان احترام مصالحها في المنطقة".     

من جهته، اعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، أنطون مارداسوف، أنّ الحظر المفروض على قطر "عزّز من مواقفها على الساحة الدولية ودفعها إلى إنماء التعاون مع إيران". وقال مارداسوف، في مقال تحت عنوان "قطر تتبّع مَثَل روسيا وتعزّز مواقعها تحت وطأة العقوبات" نشر بصحيفة "نيوز.رو" الإلكترونية، أن "القطريين استيقظوا في صباح 5 يونيو/حزيران 2017 على واقع أنباء مثيرة للصدمة، وحصار بلادهم وتحولها فعلياً إلى جزيرة بسبب إغلاق الحدود البرية"، بينما تقدّمت دول الحصار بـ13 شرطاً وصفها بأنها "تعجيزية".

وحول كيفية تعامل قطر مع تداعيات الحصار، أشار الخبير الروسي إلى أنّ "الخطوط الجوية القطرية حوّلت مسار رحلاتها إلى أجواء إيران، في حين رفعت الدوحة حجم التبادل التجاري مع الأخيرة إلى ملياري دولار، وجعلت تركيا عاملاً في أمن الخليج، وبذلت جهوداً لتغيير الموقف المعلن للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الأزمة الخليجية، وزادت من نشاطها الدبلوماسي، بما في ذلك علاقاتها مع موسكو".

ورأى مارداسوف أنّ الوضع حول قطر "جاء كنموذج على وهم وحدة الدول العربية ضدّ إيران، واستمرار المواجهة داخل المنطقة التي تجلّت ملامحها منذ فترة طويلة"، خاتماً بأنّ "فترة التوترات تحلّ اليوم محلّ فترة التعاون في الخليج، وذلك تحت حكم قيادات شابة في السعودية والإمارات، مما ينعكس بشكل مباشر على البنية الأمنية للخليج والشرق الأوسط بأسره".

يذكر أن روسيا التزمت الحياد حيال الأزمة الخليجية منذ أيامها الأولى، ولكنها أجرت اتصالات مكثفة على أعلى مستويات، وأكدت دعمها للمبادرة الكويتية، بينما قام وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في أغسطس/آب الماضي بجولة في المنطقة شملت الكويت والإمارات وقطر، من دون أن تسفر عن أي مبادرات روسية للوساطة.